IMLebanon

هل تؤدي “حرب التحالف” إلى دفق إرهابي صوب الحدود؟

لبنان ما بعد “الضربة”: المواجهة الكلاسيكية لا تنفع

منذ لحظة سقوط أول صاروخ من “دول التحالف” على الأراضي السورية دخل لبنان منعطفا جديدا في مسار أزمته مع الارهاب، يستحيل بعده ادعاء الحكومة الحالية أن أساليب المواجهة الكلاسيكية، التي كانت تعتمدها في سياق ما تعتبره واجب الضرورة، ستبقى صالحة للاستخدام أمام تطوّر مفصلي وخطر من هذا النوع في المنطقة.

ينسحب هذا الواقع على عرسال وجرودها، طرابلس وبؤرها، مخيمات النازحين السوريين، قضية المخطوفين العسكريين، رئاسة الجمهورية والتشريع والحكومة “الواقفة دوما على الشوار”.

لكن حين يخرج رئيس الحكومة تمام سلام، وقبل أن ينطلق أول سرب من الطائرات المقاتلة الغربية في الأجواء السورية ليقصف مواقع “داعش”، ويعلن ان “لا ضمانات مع الإرهاب” تصبح “فوبيا” القلق من المجهول مشروعة.

عمليا، اختصر سلام بكلمته عجز الحكومة عن تقديم الضمانات للبنانيين في كل الملفات التي لها علاقة بالإرهاب. يضاف هذا الى العجز السياسي المزمن في انتشال الساحة الداخلية من مستنقع الفراغ الرئاسي.

بعد ان انفلشت “داعش” وباقي التنظيمات الارهابية على مساحة واسعة من الأراضي السورية بما في ذلك منطقة الحدود الشرقية مع لبنان، وسيطرت “الدولة الاسلامية” بالكامل على الموصل، وصولا الى تنفيذ جولات إعدام بالعسكريين وبمدنيين أبرياء من عرسال، لم تتصرّف الحكومة بما يوحي بأن الخطر صار مضاعفا، لا بل في عقر الدار.

ربما، لا يزال البعض داخل السلطة يظنّ أن الخطوط الحمر التي طوّقت “الدولة الاسلامية” حين اقتربت من المنطقة الكردية في العراق، هي نفسها، ولاعتبارات مغايرة، قد تحمي الجمهورية الهزيلة بقرار اقليمي دولي، لا يزال بنظر البعض قائما ومستمرا، حتّى لو تدحرجت الرؤوس المقطوعة من جرود عرسال صوب الداخل اللبناني، وحتّى لو هدّد أمراء “القاعدة” بالوصول الى بيروت!

الكارثة الفعلية أن يُضبط اليوم أي من السياسيين وعلامات الاستغراب بادية على وجهه مما يجري في عرسال أو زواريب طرابلس، ومما يمكن أن يجري على الحدود مع تكثيف “التحالف” هجماته ضد مواقع “داعش” في محافظة الرقة.

مغزى ذلك القول ان الحكومة اللبنانية كان يفترض أن تستوعب ان لحظة وصول “الربيع التكفيري” الى سوريا لم يكن ليعني سوى وصول الفوضى والدمّ الى الداخل اللبناني الهشّ أصلا بنزاعاته، وبالتالي توقع كل شيء، وإعلان النفير العام لمواجهته. وهذا ما لم يحصل فعلا!

يقول مطّلعون “الحدود الفالتة برغم كل خطط التضييق على الارهابيين من جانب الجيش، أما قنبلة النازحين، فقد صارت تفصيلا أمام الخلايا النائمة التي يمكن أن يوقظها الاستنفار الاول من نوعه في صفوف “تنظيم داعش”، (وإن لم ترد كلمة لبنان في البيان)، وأمام الحديث عن معركة آتية في عرسال، والاستهداف المنظّم والمدروس ضد عناصر الجيش، وتوسّع دائرة التوتر المذهبي”.

في الوقائع، يمكن، الاضاءة على جوانب ميدانية مواكبة لهذا التغيير المفصلي في مسار الحرب على الارهاب:

– ثمّة تأكيدات من جانب القوى العسكرية على جهوزية الجيش لمواجهة كافة الاحتمالات العسكرية في عرسال، لكن يبقى تدفّق السلاح الى المؤسسة هو العامل الأساس في تأمين مقوّمات الصمود لهذه الجهوزية، مضافا اليه وجود قرار حكومي واضح لا لبس فيه بتغطية كافة الاجراءات المتخذة من جانب القيادة في اليرزة.

– ما تزال عرسال البلدة، برغم استمرار السير بخطة فصل عرسال عن الجرود، بيئة غير آمنة لظهر الجيش. صحيح ان عناصر الجيش تطوّقها من خلال مراكزها المتواجدة في التلال المحيطة، إلا أن البلدة تختزن بؤرا معادية، وآخر ترجمات هذا الواقع تجلّت في الاعتداء على آلية للجيش قبل ثلاثة ايام وأدت الى سقوط شهيدين.

– لا إمكانية عملانية لدى الجيش للقيام بعملية عسكرية لتحرير المخطوفين، ولا للقيام بعمليات عسكرية في نقاط متقدمة في الجرود خصوصا ان المسافة الفاصلة بين مراكز الجيش في الجرد وتلك العائدة لبقع تواجد ارهابيي “النصرة” و”داعش” هي بالكيلومترات، ومسيطر عليها من جانب المسلّحين.

– في مقابل الاطمئنان المبدئي الى عدم خروج الأمور داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وخصوصا عين الحلوة، عن السيطرة، ثمّة قلق رسمي كبير من انفجار الوضع في طرابلس، وهو واقع يضاف الى وجود هواجس فعلية من توتّر الوضع مجدّدا في وادي خالد، مع الإقرار بأن تواجد الجيش على الحدود شمالا يقتصر على فوج الحدود البرية واللواء الثاني.

– الخوف الأكبر أن تؤدي ضربات “التحالف” الى توجّه العناصر الارهابية صوب الحدود اللبنانية شمالا، وأن يشهد لبنان موجات نزوح جديدة غير مسبوقة.

– بات العقلاء في الجمهورية يتكلّمون بصوت عال اليوم عن ضرورة تقديم التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية لمواجهة “داعش” على ما عداه من الأولويات. مع إقرار هؤلاء ان تنسيقا ثلاثيا يجمع الجيش، و”حزب الله”، والجيش السوري بات أمرا يفرض نفسه في الجغرافيا والسياسة والامن والعسكر. انها واقعية وحسابات الأرض قبل كل شيء، الكفيلة وحدها بتغيير موازين القوى، أو أقلّه التأثير فيها.