IMLebanon

حروب إرهابية بعناوين مستعارة!

 

هَدَأتْ وأكثر مِنْ هدأت على ساحة تداعيات العملية الإجرامية التي استهدفت «شارلي إيبدو»، وقتلت عدداَ من الصحافيين والمدنيين.

وكأنما جاء بعد ردات الفعل المتفاوت والمتضارب والتضامني والتحاليل والقراءات والآراء التي استنفدت ما يجب استنفاده في مثل هذه الأحداث من تسميات ومرجعيات وأوصاف تكاد تشمل كل المفاهيم والمقاربات.

لكن، لا بدّ من الاقتراب بهدوء، من هذه الردود، والأفكار والاشارات ومحاولة تبيان أعراضها ومصادرها المعبرة ومسالكها.

فالواقع الفرنسي السياسي والثقافي والفكري والأيديولوجي والاقتصادي، والحزبي كأنه اليوم خليط هش مما قد يسمى «ازمات الجوهر» أو أزمات الجمهورية وقيمِها.

ومن علامات تلك الأوضاع المشققة محاولة بعض الكتاب والصحافيين والأحزاب اللعب بنار «العنصرية» (عودة إلى نازية جديدة) والكراهية كهروب من مواجهة المشكلات الاقتصادية، والسياسية والانعزالية (معاداة أوروبا أميركا) والبحث عن ضحية «يريح ضمائرهم»: والضحايا موجودون: المهاجرون الروم، الاسلام، وشعارات جنائزية يُهدَر فيه الحبر والشاشات وسيل لعاب «المتفوهين»: «انتحار فرنسا»، «موت فرنسا»، «موت الجمهورية»، «موت أوروبا»، «موت الثورة الفرنسية»، «موت الاقتصاد»، «موت الثقافة»، «موت الهوية» «موت الغرب»… الخ. 

جنائزيات فرنسية افرغت كل شيء من كل شيء، وفي ظل هذا الفراغ المدوي، والمصوّت، انهار اليسار الراديكالي (ميلانشون) وصعد اليمين المتطرف (لوبان) وغرق اليمين التاريخي (تجمع الجمهورية) وتصاعدت معه جوقات العداء والنهيلية والجنون وانتفخت مخيلات مريضة، تلجأ إلى رفع شعار «الهوية» الفرنسية التي «يهددها» «الروم» (بضعة آلاف)، والمسلمون «أسلمة فرنسا» «أسلمة أوروبا»… وانتج ذلك الفراغ أعمالاً روائية تصب في هذا الهذيان الجماعي والنخبوي. الروائي الكبير هولبيك نشر رواية «الخضوع» يتنبأ بها بسيطرة المسلمين على السلطة الفرنسية عام 1922 بفوزهم بالرئاسة. وفي جوقة أخرى صدرت عدة روايات «تبشر» بحروب أهلية ودينية مسلحة في فرنسا. إذاً كل هذه الأعراض، التي سبقت عملية «شارلي إيبدو» الإجرامية أنتجت تحاليلها لهذه المقتلة، فتداخل الحابل بالنابل. وكلُّ فتح جعبته، ودلق منها «أفكاره» وهذياناته: وكل أدلى بدلوه . فقرأنا: ان هجوم «شارلي إيبدو» تعبير عن صدام حضارات (عودة إلى كتاب هينتنغتون) وصدام «ثقافات» و»حروب دينية» بين الاسلام والمسيحية، وحروب أيديولوجية، وأسباب اقتصادية وسياسية وأزمات أوروبية وحرب عالمية ثالثة، يعني كل هذه الأطروحات المتناقضة كأنما بدت محاولة لطمس الأسباب الأساسية للأزمة في فرنسا، وكذلك لعملية «شارلي إيبدو».

وهنا لا بد من تثمين بعض التحاليل والآراء والكتابات «الهادئة» والعميقة في تناول هذا الحدث.

فوضع فرنسا «الفوضوي» تحت راية جمهورية مهتزة هو الذي انتج هذه التبريرات أو «الذرائع» … بحيث تقول الاحصاءات إن اليمين المتطرف هو الذي استفاد من كل هذه المقاربات وردود الفعل: مارين لوبن هادنت أوروبا واليورو وتخلت عن «معاداة السامية» لتركز عداءها على المسلمين ورقتها الرابحة في صعودها إلى السلطة، وتقدم شعبيتها وتفوقها على الأحزاب القائمة.

فلنتوقف عند بعض المحطات والأفكار التي راجت من خلال ردود الفعل بعد عملية باريس:

[ صراع حضارات؟

1- «صراع حضارات» وهي نظرية هينتنغتون الذي يفترض سلفاً واعتسافاً ان كل حضارة (موضع هذا الصراع) هي نقية، صافية، مجردة من كل تأثير خارجي. علماً أن لا حضارات صافية، عزلاء، لتواجه أخرى في مثل هذه المواصفات. فلا المسيحية صافية من تأثيرات اليهودية، ولا اليهودية صافية من تأثيرات بلاد الرافدين، وأساطيرها، ولا الاسلام صاف، منفصل عما واكبه عند ظهوره. فلا حضارة مسيحية بمعزل عن أي حضارة اسلامية أو يهودية، أو اغريقية، أو رومانية، أو أيديولوجية، أو كونفوشية، أو بوذية: ليس من طهارة لا في الحضارة ولا في الثقافة، ولا حتى في الانتماء ولا في الشعر ولا في الفلسفة ولا حتى في الموت.

وعندما يحكى عن صراع حضاري (بعد سقوط الاتحاد السوياتي) فيعني بالنسبة إلى هينتنغتون (وكذلك بالنسبة إلى فوكوياما الذي «انهى» التاريخ على هواه!) بين الاسلامويين والمتطرفين والارهابيين وبين المسيحية أو الحضارة العالمية.

فهذا التعبير «صدام حضارات» يفترض أولاً شموليتها: «أي ان تكون كل حضارة «محددة» أي كُلاً متكتلاً مغلقاً «متجانساً» أحادياً لذاته، وذا وجوه معينة» لتؤدي كلها إلى مواجهة عنفية مع الأخرى المتمتعة بمواصفات أخرى مختلفة» (وكأنما لم يعد الاختلاف والتلاقح شرطاً لقيام كل حضارة).

وهذا كما أشرنا، لا يتوافق مع أي واقع حديث أو قديم. فـ»القاعدة« مثلاً ليست سوى حركة حزبية اعلنت حرباً مقدسة باسم الاسلام، لكن أيديولوجيتها وتاريخها وجغرافيتها ومعتقداتها لا تمثل أكثرية المسلمين ولا جوهر الاسلام ولا تاريخه ولا تحولاته. وكلنا يعرف ان «القاعدة» انشأتها اميركا لمحاربة الاتحاد السوياتي بالدين، مقابل الشيوعية الملحدة.

و»القاعدة» ومن جاء بعدها أي «داعش» و»النصرة» وسواهما من الجماعات المماثلة لا تشكل أي حضارة. لا تحمل أي صفة تمثيلية أو رمزية أو مجازية للحضارة الاسلامية. ولا حتى «المذهبية». فهي، نشأت في مجملها كرد فعل على الدكتاتوريات العلمانية وغير العلمانية في الشرق الأوسط. من هنا، فمسألة هذه الظواهر «الجزئية» هي سياسية. (وكما قال المفكر ايام بورما «فالقضية في الشرق الأوسط سياسية وفي أوروبا سوسيو اقتصادية« والذين استخدموا هذا «التعبير» الهنتنغتوني كأنهم «يخدمون ما يسعى إليه الارهابيون» أي يمثلون فعلاً الحضارة الاسلامية ويتعرضون للحضارات الأخرى، ويعلنون حرباً وهمية عليها.

[ صراع الإسلام والغرب؟

2- صراع بين الاسلام والغرب: الرأي الذي تناولنا آنفاً يؤدي إلى «مقولة» مشابهة شاعت: وهي أن الصراع هو بين الاسلام والغرب وقد أديرت هذه الأسطوانة كثيراً قبل مقتلة باريس وبعدها. هذا القول يفترض ان هناك غرباً صافياً. أيديولوجياً أو دينياً. وهذا منافٍ للواقع واستخدام تعبير «الغرب كنقيض الاسلام» يعني اقصاء الملايين من مواطني أوروبا المسلمين يحاربون هذا الاسلام. ونظن أن كل اقصائية على هذا المنوال تخدم هذه الجماعات الاقصائية العنيفة (كما جاء في أراء عدة عند مفكرين فرنسيين). لأن الاقصائية تخدم الاقصائية كما التطرف يخدم التطرف.

[ العالم الإسلامي؟

3 مصطلح «العالم الاسلامي» كنقيض للعالم المسيحي أو الغربي، وكما قال جوزيف مايا تفترض «العالمية» (أو العالم) وجود مركز «مركز جامع». وهذا غير موجود. ويفترض وحدة المجتمعيات الإسلامية بمختلف مدارسها واتجاهاتها وفرقها ونِحَلِها ومِلَلِها من سنّية وشيعية، وكذلك توجهات سياسية مشتركة حول الطريقة والهدف والدوافع. فليس هناك إذاً بحسب العديدين من المفكرين، شيء اسمه «العالم الإسلامي» أو «العالمية الإسلامية» (للتذكير بالأممية الشيوعية): وإذا كان المسيحيون لديهم «بابواتهم« فليس عند المسلمين رأس للإسلام. ولهذا هناك تنافس بين الارهابيين «القاعدة» و»داعش» على من يكون «رأس» الاسلام (أو الخليفة).

فالإسلام، متعدد، وفيه اختلافات في الاجتهادات الدينية والمقاربات، والتفاسير، والشروحات والسير والتأويل (مثل المسيحية واليهودية والبوذية). هناك تعابير اسلام مدني عقلاني وتشاركي ومعتدل ينحو إلى بلورة «الهوية الإسلامية للمجتمع» بتطبيق معقلن للشريعة وفي إطار برلماني وديموقراطي، سواء في الغرب أو في بعض الأنظمة والأحزاب العربية الإسلامية: هذا موجود في «حزب النهضة التونسي»، وفي بعض الأحزاب في العالم العربي والإسلامي. وهنا نشير إلى التيارات والرموز الإسلامية في لبنان: كتيار المستقبل (الذي يختزن إسلاماً معتدلاً منفتحاً، نقيضاً عن بوكو حرام أو «النصرة»… أو داعش، وقد دفع مسلمون ومسيحيون في لبنان أرواحهم ثمن مواقفهم من هذه الجهاديات الإرهابية. وفي مصر هناك إسلام الدولة، واللعبة الديموقراطية، وكذلك في المغرب وليبيا واليمن وسوريا. ألم تكن الدولة المتعددة شعار «الربيع العربي»، وصولاً إلى إفريقيا والسنغال… ولكلّ من هذه «المجتمعيات» الإسلامية مواصفاتها الخاصة بإسلاميتها وانفتاحها، ونزعتها إلى الحوار وممارساتها أو طقوسها، وأعيادها، وصلواتها، وطريقة عيشها وأكلها ومشربها وصيامها، وابتعادها عن التيارات الإسلاموية الراديكالية «الجينيولوجية« التي وجدت أصلاً في ساحات الحروب والقتل والتسلط وقراءة الإسلام قراءة أيديولوجية مقصرة، كما في أفغانستان، والعراق، وسوريا، مروراً بالبوسنة والشيشان، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية. هم جهاديون لا اجتهاديون. جهاديون إقصائيون لأنهم أصلاً «مُقصَون» عن الأكثرية الإسلامية (كما عبر العديد من المفكرين).

يقول المفكر السنغالي عبدو الخضري لوني «إن العالم الإسلامي (بالمواصفات التي ذكرنا) غير موجود إلاّ في أذهان «دولة الإسلام»، الذي يحاول الإنزراع في سوريا والعراق». واختزال الإسلام بهؤلاء الأقلية، يشبه اختزال كل اليونانيين بحزب «الفجر الذهبي» (اليمين المتطرف)، فلماذا لا تختزل فرنسا الجبهة الوطنية مع أنها تشكل 20 في المئة من الفرنسيين». ويقول المفكر السنغالي «النسبة المئوية للجبهة الوطنية لا يمكن أن تقاس بمثل نسبة الجهاديين المتطرفين إذا اعتبرنا أن هناك ملياراً ونصف المليار مسلم في العالم». وهنا التساؤل: إذا كان هناك عالم إسلامي موحد وواحد فكيف ننظر إلى هذا الصراع السني الشيعي، والسني السني.. وهو الصراع الأقسى والأعنف. إنهم أقلية، وفي كل ديانة أو حزب أقليات متطرفة: عند اليهود، والمسيحيين، والبوذيين، وكذلك هناك متطرفون علمانيون وحداثيون وفلاسفة (ميلانشون في فرنسا: يسار متطرف)، ويمكن التكلم هنا عن الضحايا المسلمين في بيشاور الذين قتلوا على أيدي طالبان في 6 كانون الأول: مجزرة قتل فيها 151 شخصاً، بينهم 132 طفلاً. بل أنه منذ 2001 بداية الحملة على الإرهاب، كان المسلمون من أوائل ضحايا هؤلاء المتطرفين. أولم يبث على مواقع كثيرة نصوص تجيب عن ماهية من هو مسلم ومن هو غير مسلم: ومنها إذا كان طالبان مسلمين، فنحن غير مسلمين، وإذا كانوا غير مسلمين، فنحن مسلمون». صيغة عبر عنها ملايين المسلمين في العالم، كما عبر المفكر السنغالي.

[ حرب سنية ـ سنية؟

4 – أهي حرب دينية بين المسلمين إذاً؟ يجيب بعضهم نعم إن الحرب الحقيقية إنما هي بين المسلمين. مواجهة ضارية بين السنة والشيعة (العراق، سوريا، اليمن، البحرين).. لكنها بحسب كثيرين آخرين أنها مواجهة ثانوية لأن الشيعة لا يمثلون عشرة بالمئة من مجموع المسلمين (1,5 مليار). هي إذاً بين السنة والسنة: (داعش ضد النصرة وبعض الأنظمة السنية تواجه أنظمة مماثلة).. كذلك دول خليجية وغير خليجية تشارك في محاربة دولة الإسلام… وكذلك الأردن (وقد أعدم داعش الثلاثاء الماضي الطيار الأردني الأسير الكساسبة حرقاً بطريقة وحشية).. أهي دينية إذاً شبيهة بالحرب التي اجتاحت فرنسا بين الكاثوليك والبروتستانت وامتدت 35 عاماً في القرن السادس عشر! (ولهذا فإن عملية شارلي إيبدو ليست سوى تفصيل في هذا الصراع الكبير كما يقول بعضهم) !

لكن القول إنها حرب سنية سنية تفترض كذلك وجود «مركزيات متناسقة»، أو انفصالات كبرى بين المسلمين السنة. فإذا كان الإرهابيون (دولة الإسلام) ليسوا سوى «أقلية» فكيف لهذه الأقلية أن تشكل حرباً بحجم ضخم بينها وبين أكثرية السنة. وإذا كانت حرباً سنية، فماذا جاء يفعل التحالف الغربي وغير الغربي، بطائراته في العراق وسوريا؟ أليُناصر فئة سنية على أخرى؟ وإذا كانت الحرب على هذا الغرار، فلماذا يُهجّر الإرهابيون الأقليات المسيحية (في العراق) والأيزيديين بعد استيلائهم على الموصل. بل أين نضع المواجهة بين الأكراد والدولة الإسلامية: طبعاً ليست حرباً إثنية بالمعنى الشائع، ولكن السؤال: إذا كانت ليست حرباً ضد الغرب، ولا اليهود (لم يقترب هؤلاء من إسرائيل، وان هاجموا بعض المقامات اليهودية)، لكنهم تعرضوا أيضاً لمقامات «إسلامية» سنية شيعية مسيحية، ولهذا نرى أنه من المستبعد أن تكون حرباً سنية سنية. ولكن كيف نفسر أن معظم الحركات والرموز الإرهابية وعلى رأسها بن لادن والظواهري وأخيراً البغدادي (الخليفة المزعوم)، طلعوا من السنة؟ إن هذا الرأي جزئي جداً، وتبسيطي، يتجاوز الأدوار التي لعبتها إسرائيل، وإيران وأميركا (أوباما) في «استنباط» هذه الحركات، وكذلك الدكتاتوريات العلمانية العربية وأثرها المباشر في نمو هذه الظواهر كالنظام السوري (مع الرئيسين حافظ الأسد وابنه بشار)، ومع صدام حسين، والقذافي، وعلي صالح (الذي يستمر في اليمن بعد خلعه باللعب بنار الفتنة المذهبية)، وكذلك المؤامرة الغربية الصهيونية على جوهر الربيع العربي، المدني، الديموقراطي، السلمي… ودعم الطاغية في دمشق، وكذلك المالكي في سياسته القاهرة والاضطهادية للسنة.

لكن نتساءل لماذا التركيز، كل التركيز، على الإرهاب الموصوف بالسني، والتغاضي عن الإرهاب المتمثل بالنظام الإيراني، نظام «المرشد» الواحد و»أحزابه» وميليشياته المذهبية في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن؟ لماذا تناسى الغرب (خصوصاً أوباما) مشاركة «الشيعية» الإيرانية في قمع الثورة الشعبية المدنية السورية، واليمنية، وتهديد البحرين، والاستمرار في احتلال الجزر العربية الثلاث؟ بل لماذا يستمر الحوار (والتحالف) مع نظام الملالي وميليشياته، مع إعلانه أن لبنان وسوريا والعراق باتت من ولايات إيران؟ (إنه نوع من الاستيطان شبيه بالاستيطان الصهيوني في فلسطين)! ولماذا تغاضت وأشاحت انتباهها البلدان الغربية وأميركا عن مجازر نظام الأسد العلوي والسلاح الكيماوي، والكلور والبراميل المتفجرة؟ وهي ليست لا سنية ولا مسيحية ولا علمانية: بل هي مشاركة بين النظام العلوي (يدعي العلمانية) وبين إيران. ولماذا، يركز الإعلام على «سنية» الإرهاب المجرم المدان في فرنسا، وفي العراق… ولا يستخدم مثل هذا التعبير، مع الإرهاب المجرم الذي ترتكبه ميليشيات إيران في لبنان: أوليس حزب الله الشيعي المرتبط بإيران متهماً باغتيال الزعيم السني الكبير الشهيد رفيق الحريري؟ أم… هو تساهل مع ما يسمى «الإرهابَين» السني والشيعي… وتآمر على الحضور السني المعتدل والحداثي في العالم العربي وسواه، ابتداء بإسقاط بوش أول نظام سني منذ ألف عام وهو نظام صدام حسين، وتسليم العراق… للملالي، وللمالكي، ولسليماني… والحرس الثوري؟ ولماذا لا يصم الفرنسيون بالإرهاب مثلاً حزب «الجبهة الوطنية» (لوبان)، وبعض الكتبة والسياسيين اليمينيين وحتى اليساريين، عندما يُمنهِجون اساليبهم في تسفيه المسلمين الأوروبيين، ونبذهم، وتصويرهم جميعاً وكأنهم الخطر الأكبر على فرنسا وسواها؟ ولماذا لا «يحاكمون» كما حاكموا «ديودوني» بتهم معاداة السامية« في اسكتشاته، ولم يحاكموا أمثال إيريك زيمور والفيلسوف الصهيوني فيسكلروت، بل ولماذا لا يعتبرون أن هناك حرباً دينية كاثوليكية كاثوليكية بين لوبان واليمين الكاثوليكي في فرنسا مثلاً؟ بل ولماذا يمالئون اليمين الفرنسي المتطرف ذا «الاجندة» المعادية للإسلام، بل لماذا لم يحاكموا هذا المسخ اليميني اريك زيمور عندما طالب المسلمين بالتخلي عن القرآن نفسه كشرط أساسي ليندمجوا في المجتمع الفرنسي، ولم يطالب زيمور اليهود بالتخلي عن التوراة للهدف ذاته، وكذلك للمسيحيين أن يتخلوا عن الإنجيل ليحققوا الاندماج، باعتبار أن النظام الفرنسي، وارث الثورة الفرنسية، هو نظام علماني؟

إذاً، الظواهر الإرهابية خطرة في الشرق الأوسط، ونظنها لا دينية، ولا مذهبية، (في العمق) بل سياسية سوسيو اقتصادية ثقافية، وكذلك في أوروبا! أما كيف السبيل إلى تجاوز ذلك، فهذا منوط باستراتيجية ضخمة، لسنا مؤهلين لوضعها. لكنه على كل حال أسوأ الحلول هي ما اقترحه هينتينغتون «صدام الحضارات» أو الاكتفاء بالحلول العسكرية والأمنية!