مرة جديدة يقترف الرئيس نبيه بري خطيئة أصلية. فَعَلها حين دعا الى جلسة تشريعية عقب تشييع الرئيس رفيق الحريري مستكملاً جدول الأعمال وكأن الاغتيال الكبير جريمة عادية، ويفعلها اليوم فيما دماء اللبنانيين وبيوت بيروت وذكريات المكلومين لا تزال تحت الأنقاض، ومن أجل ماذا؟ من أجل قانون عفو يتستر بالكورونا ليهدي الإرهابيين والمهرّبين بطاقة نجاة.
كان أجدر بكل السلطة ورؤوسها ان تعترف بالفشل والتسبب بالانهيار وبتفجير المرفأ عمداً أو إهمالاً، فتتنحى عن بكرة أبيها بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وقادة الأجهزة الأمنية وكل من علم بتخزين الأمونيوم، قبل ان يخرج حسان دياب من باب السراي غير مأسوف عليه وتعيده “المنظومة” من شباك تصريف الأعمال بقوة التعطيل واحتقار وجع الناس، وقبل أن يعاوَد طرح قانون يخفف عقوبة من تلوثت ايديهم بالدماء، أو نشروا وباء المخدرات بقوة السلاح والإفلات من العقاب.
كان يمكن للرئيس بري إنقاذ اللعبة الديموقراطية حتى ولو لم يبقَ منها إلا الفُتات بعدما تحولت شطارةً و”لعبة كشاتبين”، لا هدف لها إلا خدمة المشاريع الفئوية والانتخابية على حساب الخزينة ولحساب من أفسدوا وهدروا ونهبوا وتمكنوا من تحويل الأموال بفعل استنكاف البرلمان عن قوننة تضمن المساواة. ولأن حجم الثمن يجب ان يكون بمستوى الارتكاب، توجَّب ان يكون البند الأول على جدول الأعمال تقصير ولاية المجلس لتجديد كل المؤسسات الدستورية وإعادة تكوين السلطة، ومنح لبنان واللبنانيين إمكان النهوض من بين ركام تسببت به السلطة القائمة بفعل تحالفها المشين مع الفساد.
يطرح الرئيس بري قانون العفو في أسوأ الأحوال، خصوصاً ان الإرهاب عاد ليطل برأسه منذ جريمة كفتون وانتهاء بعملية شعبة المعلومات قبل أيام وما رافقها من استشهاد جنديين في الشمال. وبغض النظر عن نظرية تحريك الدواعش بالتوازي مع “حشرة” قوى 8 آذار، فإن الخطر حقيقي ويتطلب عدم التساهل مع المعتقلين المرتكبين ردعاً للخلايا النائمة واحتراماً لأهالي شهداء الجيش وأي مدنيين قتلوا على يد الارهاب.
لا أحد يقبل انتهاك حقوق السجناء واستمرار احتجاز بعضهم منذ عشر سنوات من دون محاكمات، ولا أحد يساوي بين تعاطي سيكارة حشيشة والترويج بملايين الدولارات، لكن أن يحصل الذين ثبت تورطهم بالقتل والتخطيط لعمليات إرهابية على مكافأة بحجة تفادي انتشار وباء كورونا هو أمر مرفوض ومدان.
هناك ألف طريقة لتخفيف الاكتظاظ في السجون، وسمعنا اقتراحات سديدة قبل اشهر في هذا الاطار، لكن لم يحرك أحد ساكناً للسير بمشروع قانون يتناسب مع الوضع الصحي للسجناء ولا لعفو خاص يصدره رئيس الجمهورية بمرسوم أسوة بمراسيم تجنيس لم تخطر على بال. لماذا؟ لأن “متعهدي” قانون العفو من الأساس لا يهجسون إلا بالزواريب المذهبية والانتخابات ورأوا في الكورونا فرصة لتمرير ما يبتغونه إرضاء للشارع او العشيرة او صناديق الاقتراع.
دولة الرئيس، مجلسكم الكريم سقط بعد ثورة 17 تشرين. انتم موجودون بقوة الأمر الواقع ولأن الثورة قُمعت بالعصي والرصاص. فلا تزيدوا على هذا المشهد عفواً يفيد منه الإرهابيون والمهرّبون ويسيء الى دولة القانون، قبل ان يستفز معارضي القانون أفراداً متضرّرين أو أطرافاً جاهرت برفض ما يمكن ان تنفردوا به بعيداً عن “ميثاقية” تتغنون بها ورغم غياب أيّ اجماع.