توفي، الأحد الماضي، المراسل السابق لوكالة «أسوشيتد برس»، تيري أندرسون، الذي احتجز في لبنان قرابة سبعة أعوام، بعد اختطافه خلال الحرب الأهلية سنة 1985، وأفرج عنه عام 1991. وأندرسون، اسم مرادف لأزمة الرهائن التي عرفها لبنان في الثمانينات من القرن الماضي. وكانت وكالته قد كلّفته عام 1982 تغطية الحروب المتعددة التي كان يعيشها اللبنانيون.
قال لي ذات مقابلة، بعد 17 عاماً من تحريره: «لا شك لدي أنّ «حزب الله» هو من اختطفني، وتحديداً عماد مغنية، على الرغم من أني كنت أغطي الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. وهذا الأمر كان لمصلحة اللبنانيين عموماً وأهل الجنوب اللبناني تحديداً. حتى أنّ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وضع اسمي على لائحته السوداء (AIPAC)، لكن ذلك لم يكن مهماً. المهم أنني أميركي وأتجول من دون حماية أو مرافقين. والأهم أنهم يصنفون جميع الأميركيين جواسيس». وأضاف أنه عاد إلى لبنان، وقابل الأمين العام لـ»الحزب» حسن نصرالله، وسأله: لماذا تمّ اختطافنا؟ فأجابه نصرالله: هذه أمور تحصل في الحروب.
ومما لا شك فيه أنّ أندرسون محظوظ على الرغم من تجربته التي تعرض فيها إلى التعذيب والضرب. وعاش حتى إطلاق سراحه انتظاراً لم يكن يعرف كيف سينتهي. لكن الانتظار انتهى، وتمكن من العودة إلى عائلته والموت بعد 33 عاماً في سريره. حينذاك، ربما كانت المرجعية السياسية لخاطفيه أكثر مرونة وليونة مما أصبحت عليه بعد ذلك. أو ربما حمته جنسيته الأميركية، وشكّلت خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، فلم تتم تصفيته، في حين لم ينعم بهذا الحظ اللبنانيون والسوريون الذين تمت تصفيتهم أو إبادتهم، لأنّ أجندة رأس المحور الممانع تتطلب ذلك. وبالأخص الذين بالغوا في عدم خوفهم ورفضهم التدجين، فتم اغتيالهم ليجبروا الآخرين على الخوف، فيسهل تدجينهم وإخراسهم، ومن ثم مصادرة القرار الوطني لمصلحة رأس المحور.
ولعل «أزمة الرهائن» لم تكن إلا حلقة أولى «لطيفة»، ربما، قياساً إلى ما استتبعها من حلقات المسلسل الرامي إلى خطف لبنان وأخذه رهينة لمصلحة المحور الإيراني، وذلك عبر الغاء الدولة ومؤسساتها، سواء بحملات التخوين والاتهام بالعمالة لقطع الطريق على الانفتاح وتكريس التقوقع الطائفي والمذهبي، واغتيال الديموقراطية، أو بفرض كل ما يؤدي إلى القضاء على الأمل بقيام دولة يُحترم فيها الإنسان كمواطن وليس كفرد من قطيع… ليعيش تحت رحمة عصابات يتزعمها زعماء لا همّ لهم إلا ترسيخ نفوذهم وسلطتهم على الناس، مقابل ارتهانهم واستزلامهم للحاكم بأمره.
واليوم مع صفقة مصادرة العملية الديموقراطية والقاضية بإقرار مجلس النواب وفي تحايل على الدستور والتشريع، عدم إجراء الانتخابات البلدية للمرة الثالثة على التوالي بحجة «الخوف من الفراغ»، دليل على أنّ لا لزوم لإزعاج الحاكم بأمر المحور المشغول بما هو أهم من لبنان، تحت وطأة التحديات المتلاحقة على الساحة الإقليمية، فالمرحلة الراهنة لها أولوياتها التي تتجاوز مثل هذا الشأن المحلي التافه، إلى التجاذبات التي تفرضها إعادة ترتيب المنطقة في ضوء ما بعد الحرب على غزة. لذا كان التمديد بحجة أنّ «الناس غير جاهزين لإجراء هذه الانتخابات»، وعلينا أن نصدق أن هذا الحاكم ومعه أزلامه من مصاصي دماء الشعب اللبناني يبالون بحقوق الناس المنتهكة من ألفها إلى يائها، أو أن اغتيالهم الديموقراطية له علاقة بجهوزية الناس أو عدمها.
مرة جديدة، محظوظ تيري أندرسون الذي «زمط» بحوالى سبعة أعوام من الأسر، على الرغم من تعرضه وغيره من الرهائن إلى الضرب والتجويع، لأنّ الخاطف بأمر المحور الإيراني وضع لحريتهم ثمناً تمّ تسديده، في حين أن هذا الخاطف، ومن خلفه مرجعيته، لا يريدان تحرير لبنان واللبنانيين مهما كان الثمن.