في تعريف الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان أنها استحقاق للعائلات، الكبيرة (السياسية) والصغيرة، حتى أن ما يُعرف بأجباب العائلات المتشعّبة منها تلعب دوراً في ترجيح كفّة هذا الفريق المرشّح للانتخابات أو ذاك، لذلك تتداخل في هذا الاستحقاق، الذي تقترب مواعيده بين مطلع أيار ونهايته، الأدوار السياسية والحزبية والعائلية على نحو معقّد أحياناً وأكثر تعقيداً في أحيان أخرى بحيث يمكن لقوّة سياسية تتمتع بحيثيّة وازنة في هذه البلدة أو تلك أن تخسر في الانتخابات البلدية بفعل بعض التحالفات الذي يتقدّم فيها العائلي على السياسي في غالب الأحيان. وهذا نموذج عرفته أحزاب وقوى سياسية عديدة في استحقاقات بلدية مختلفة.
لذلك فإن الاستحقاق البلدي الاختياري يكتسب هذه المرّة أهمية مضاعفة من زاوية أنه يعكس الأحجام السياسية للقوى والأحزاب والعائلات، على الساحة اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً، لسببين:
الاول أن العائلات السياسية ما زالت تمثل حضوراً ملحوظاً في الساحة المسيحية بخلاف طوائف أخرى، رغم تراجع هذا الحضور لصالح الأحزاب.
والثاني ان الاستحقاق البلدي يأتي هذه المرة بعد عملية خلط أوراق سياسية كبرى في الساحة المسيحية تمثلت بتحالف رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وما حمله هذا التحالف من دلالات تشي بفرز جديد عنوانه تحالف الحزبين الأقويين مسيحياً في وجه الأحزاب المسيحية الأخرى من جهة، وفي وجه العائلات السياسية من جهة أخرى.
كما أن التحالف المستجد قد يفتح الباب أمام اصطفافات جديدة في الساحة، متأثراً بخلط أوراق الاستحقاق الرئاسي، بعد أن كان لكل من عون وجعجع تحالفات مع عائلات سياسية وأحزاب ومستقلين مكّنت كلاًّ منهما من الفوز في هذه الدائرة أو تلك في وجه خصمه السابق: مثل تحالف عون مع النائب سليمان فرنجية في زغرتا وآل الخوري في جبيل والخازن وزوين في كسروان والمرّ في المتن الشمالي وسكاف في زحلة، وكذلك تحالف جعجع مع حرب في البترون ومكاري في الكورة وسعيد في جبيل والبون وبويز في كسروان والجميّل والمرّ في المتن وفرعون في بيروت وشمعون في الشوف.
هذه الوقائع تطرح أسئلة كثيرة عشية الاستحقاق البلدي أهمها: هل يخوض عون وجعجع معارك انتخابية ضد العائلات السياسية والأحزاب المسيحية الأخرى؟ أم هل ينسجان تحالفات مع هذه العائلات والأحزاب؟
متابعون لطلائع الحملات الانتخابية البلدية يعتبرون أن إقدام الجنرال والحكيم على نسج تحالفات مع العائلات والأحزاب والمستقلين خارج تحالفهما المستجد يفسد أول اختبار لإعلانهما أن هذا التحالف يمثل 86 بالمئة من المسيحيين، أي الأكثرية الساحقة من المسيحيين. أما تحالفهما ضد القوى المشار اليها فقد يقود الى نتائج تقل بكثير أو قليل ربما عن النسبة المذكورة بما يدحض لازمة تمثيلهما «الأكثرية المسيحية»، الأمر الذي قد ينعكس على الاستحقاق الرئاسي تحديداً، والذي يخوضه الطرفان تحت شعار «حق الأكثرية المسيحية» باختيار الرئيس العتيد.
في الحالين، فإن الاستحقاق البلدي يمثل اختباراً جديداً لتحالف عون وجعجع أولاً، وهو مناسبة سيلجأ خلالها «التيار» والقوات» الى الاستعانة أكثر وأكثر باستطلاعات الرأي، مقابل استعانة مماثلة بهذه الاستطلاعات من قبل القوى المسيحية الأخرى التي تعتبر هذا الاستحقاق «فرصة ثمينة» لها لإثبات عكس ما يردده «التيار» والقوات» عن امتلاكهما «الأكثرية المسيحية».
غني عن القول إن الاستحقاق البلدي العتيد هو أهم وأدق اختبار لرصد أحجام القوى المسيحية من دون استثناء، لا بل هو أكثر دقة من «قانون اللقاء الأرثوذكسي» النيابي الذي تحمّس له الجنرال والحكيم بوصفه فرصة لتحديد حجم كل منهما، باعتبار ان الاستحقاق البلدي يعكس الأحجام السياسية للقوى في كل بلدة وحيّ، بحيث يصعب على هذا أو ذاك أن ينسب انتصار خصمه أو خسارته الى أسباب لها صلة بتصويت ناخبين من طوائف غير مسيحية.
باختصار، الاستحقاق البلدي والاختياري فرصة مسيحية بامتياز جاءت في وقتها من أجل تحديد الأحجام والأوزان التي بذريعتها وُضع الاستحقاق الرئاسي في الثلاجة.
ألف مبروك.