IMLebanon

«العهد التفاهمي» يُقرأ من خطاب قسمه

قالها ميشال عون بوضوح: أنا رئيس يؤمل منه الكثير. يعرف أنّ أجيالاً بكاملها تحمّله أحلامها وآمالها. دفعة واحدة سترمي إحباطاتها المتوارثة وأحزانها المتراكمة ومخاوفها وهواجسها أمامه، لتطالبه بـ «دولة المواطنة» كما وعدها دوماً.

بهذا المعنى انتظروا منه خطاباً إنقاذياً فيه وعود كبيرة، يُقرأ من خلاله عهد لا يفترض أنه يشبه سواه. عهد يفترض أنه عبر 26 عاماً بلمح البصر. سيكرّس مشروع الإصلاح والتغيير المعلّق!

البداية المرتقبة من خطاب قسم يختصر ولاية السنوات الست التي سيكون فيها «فخامة الجنرال» شريكاً أساسياً على الطاولة، رئيساً قوياً بقبضته التمثيلية وبحضوره، لا بصلاحياته المصادرة.

أراد الرئيس العتيد خطاب القسم مقتضباً، فلم يتعد الـ1000 كلمة، فيه من كل شيء عنوان، يرسم بورتريه لعهد تفاهمي، كما نشأته وقيامه. فكان لا بدّ بداية من طمأنة «الخائفين» من انقلاب دستوري يطيح اتفاق «الطائف»، فحرص الرئيس العتيد على تأكيد «ضرورة تنفيذ «وثيقة الوفاق الوطني»، بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية».

لكنه فتح الباب أمام «تطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني»، ليشير الى أنّه «في جزء منها، دستور، وفي جزء آخر، تعهدات وطنية ملزمة، ولا يمكن بالتالي أن يصار إلى تطبيقها بصورة مجتزأة، فينال منها الشحوب والوهن، ولا يستوي في ظلّها نظام أو حكم، ولا تنهض عنها شرعية لأي سلطة»… وذلك بعد تأكيد أنّ «الشراكة الوطنية التي هي جوهر نظامنا وفرادة كياننا».

لم ينس عون أن يذكر القانون الانتخابي الذي لا بدّ منه قبل إجراء الانتخابات النيابية، أسوة بما فعله ميشال سليمان يوم وقف الوقفة ذاتها أمام البرلمان في 25 أيار 2008، والذي أشار بدور الى أهمية «اعتماد قانون انتخابي يؤمّن صحة التمثيل»… ولكن كلامه بقي حبراً على ورق.

وفي الاستقرار الأمني، رأى عون أنّ «أوّل مقوماته الوحدة الوطنية، وكلنا يعي التحديات التي تواجهنا بصورة داهمة، وضرورة التصدي لها بلا هوادة، بوحدتنا وانفتاحنا بعضنا على بعض وقبول كل منا رأي الآخر ومعتقده. هكذا نحافظ على روافد قوّتنا، ونسدّ الثغرات التي قد تنفذ منها سموم الفتنة والتشرذم والتشنج والفوضى».

السمة التفاهمية للعهد العتيد ظهرت جلياً من خلال دعوة الرئيس «للابتعاد عن الصراعات الخارجية، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي»، مقابل تأكيده أنه «أما في الصراع مع اسرائيل، فإننا لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومةً، في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوٍّ لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية».

أما نصّ سليمان فقد جاء فيه أنّ «بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازمة مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة».

وفي مسألة الإرهاب، فقد أشار عون الى أنّنا «سنتعامل مع الإرهاب استباقيًا وردعيًا وتصديًا، حتّى القضاء عليه، كما علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة، ساعين الى ألا تتحول مخيمات وتجمعات النزوح إلى محميات أمنية»، مؤكداً أنه «لا يمكن أن يقوم حل في سوريا لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين».

ابن المؤسسة العسكرية أخذ على عاتقه تعزيز قدرتها «ليصبح جيشنا قادراً على ردع كل أنواع الاعتداءات على وطننا»، كما فعل سلفه أيضاً حيث دعا الى «تعزيز موقعها المعنوي على المستوى الوطني، وتجهيزها، وتشجيع الشباب المثقف الواعد للانضواء تحت راياتها».

وقد أفرد الرئيس عون جزءاً كبيراً من خطابه لخطة اقتصادية شاملة مبنية على خطط قطاعية، تبدأ بإصلاحٍ اقتصادي يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات، والتأهيل في مختلف إدارات الدولة، وعلى إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، وذلك من ضمن رؤية مالية هادفة ومتطورة.

واكتفى «رئيس» مشروع «الإصلاح والتغيير» بالإشارة الى أن «هذا الإصلاح الاجتماعي – الاقتصادي، لا يمكن له أن ينجح إلا بإرساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد وتعيين هيئة لمكافحته، وتفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكامل أدوارها».

وبينما غابت المحكمة الدولية عن خطاب الرئيس العتيد على عكس سلفه الذي أكد المساهمة في قيامها، تشارك الرئيسان في الإشارة الى اللامركزية الإدارية حيث اعتبر عون أنّه «يجب أن تكون محوراً أساسياً، ليس فقط تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني أو انسجاماً مع طبيعة لبنان، بل أيضاً تماشياً مع تطور نظم الحكم في العالم».

اختصر ميشال عون العناوين الكبرى لعهده الرئاسي بالقول ختاماً: «أرغب صادقًا بأن يكون عهدًا تتحقّق فيه نقلة نوعية في إرساء الشراكة الوطنية الفعلية في مختلف مواقع الدولة والسلطات الدستورية، وفي إطلاق نهضة اقتصادية تغيّر اتجاه المسار الانحداري، وفي السهر على سلامة القضاء والعدالة، ما من شأنه أن يمهّد السبيل إلى قيام دولة المواطنة، بعد أن يكون كل مكوّن قد اطمأن إلى يومه وغده ومصيره في لبنان».