Site icon IMLebanon

ثائر العجلاني؛ لحظة التغيير

 

ارتقاء الإعلامي السوري، الشهيد ثائر العجلاني، الجارح للقلب، يمكن أن يكون الثمن الذي تدفعه الحساسية الإعلامية الجديدة، لكي تهيمن على الإعلام السوري، وتنوّره، وتفعّله، وتحييه في العقول والقلوب، العطشى لخطاب يعيد التواصل مع الوطن من موقع إنساني، مفعم بالصمود والضحكة والبراءة والأمل.

لا أحد، مثل ثائر العجلاني، سجّل لحظات الحرب القاسية، ولا أحد، مثله، أبدع أرشيفاً إنسانياً لبطولات مقاتلي الجيش العربي السوري؛ لكن، الأهمّ، في تجربة العجلاني، هي حساسيته لاستلهام نبض البلد والناس، وتحويله إلى مشاهد وكلمات، بسيطة متدفقة حسّاسة، تدفعك، على «حياديتها» السياسية، إلى حَمْل السلاح، دفاعا عن «ليل حبيبة» ×، أجمل الحبيبات، دمشق.

كل مشاهد القتل والدمار في سوريا، لا تحرق القلب، مثل دمعة طفل التقطتها كاميرا العجلاني، طفل جائع لا يجد ثمن ربطة خبز، سيأكل خبزه الحاف من مؤونة الجيش؛ للفقراء المقاتلين عن جمهورية الكادحين والعشّاق، قلوب تحنّ على الفقراء؛ المجد لكم يا جنود سوريا، أيها المنزرعون على الجبهات، أبطالا وشهداء، بلا وجبة ساخنة، ولا حنان إمرأة، ولا إجازة في حضن أم، ولا استراحة محارب؛ لكم المجد، سوريا لكم، ولذويكم الكادحين، ولابتسامة ثائر العجلاني، الهازئة بالحرب وبالنخب والموت، هي ابتسامة الحياة التي لا يستطيع أحد أن يقهرها في الشام.

ما برهن العجلاني، عليه، هو (1) أن السوريين يحتاجون إلى إعلام مختلف نابع منهم، قريب من معاناتهم ولغتهم، وطني ومتحرر من الكليشيهات، معا؛ وأنهم يثقون بمن يثق بهم وبعقولهم، ويعيش بينهم، ويحبهم، في واقعهم الفعلي لا في صورة مفترضة،(2) وأن القفزة الإعلامية اللازمة لسوريا المكافحة، لا تحتاج إلى امكانيات وموازنات وتجهيزات؛ كل ما تريده، كاميرا وطنية صادقة منطلقة حرة، محبة للحجر والبشر، تسجّل حركة التاريخ في أبسط التفاصيل اليومية، (3) وأن سوريا لا تحتاج إلى كوادر إعلامية، وإنما تحتشد بكوادر تحتاج إلى الفرص؛ بل إن أفلام الحرب القصيرة، الأجمل والأكثر فعالية، لم تنتجها التلفزيونات الرسمية، بل كاميرات الهواتف النقّالة؛ أذكّر، هنا، بفيلم أنتجه طلاب جامعيون، وموضوعه كيف يمكنك أن تقضي يوما كاملا جميلا في دمشق/ الحرب، بألف ليرة فقط؛ كان هذا الفيلم القصير، بالنسبة لي، دليلا على إرادة الحياة والنصر، أكثر من مئات البرامج السياسية.

لا أبخس الإعلام السوري حقّه؛ فقد قاتل إعلاميو وإعلاميات الفضائيات السورية، بشجاعة وصلابة ومهنية، وإنما في إطار قيود ما تزال تعرقل النبض الحيّ، وشللية من شأنها تيئيس الأفضل وإبراز الأسوأ، وقيادات إعلامية تعتقد أنها تعرف ما لا يعرفه اعلام القطاع العام، وقطاع عام ما يزال قراره، غارقا في الروتين الاعتيادي، رغم أن الحرب في سنتها الخامسة.

بصفتي اشتراكيا، فأنا مع سيطرة الدولة الوطنية على الموارد والعملية الانتاجية، سوى أنني أدعو إلى تحرير الانتاج الإعلامي والثقافي من التبعية للقطاع العام، على أن يمنح القطاع العام قدراته لتجارب ابداعية وشعبية، لا للقطاع الخاص. أقلّه، أقترح إنشاء فضائية ــــ تموّلها الحكومة ــــ وتديرها وتنتج موادها، مواهب إعلامية وثقافية، وطنية… ولكن مستقلة، تتمثّل تجربة ثائر العجلاني؛ كما أنه آن الأوان لفضائية يديرها الجيش، وترافق عملياته، وتعرض بطولاته، وتصوّر احتياجات أبطاله، وتربط الجنود بذويهم، وتعبّر عن صوت الدفاع عن سوريا؛ وأخيرا، فإن تعاظم وجود التيار المشرقي العلماني (السوري القومي وسواه) في وعي الوطنيين السوريين، أصبح بحاجة إلى فضائية تعبّر عنه، كما أن هناك فضائية مدللة تعبر عن التيار الديني.

الإعلام، بمعناه الشامل، هو واحد من المجالات المضطربة المرتبكة في كفاح الشعب السوري المجيد؛ فهنا لا يوجد خطاب ولا تعددية ولا مناخ للإبداع ــــ بما يوازي حجم الحرب وعظمة التضحيات ــــ على أن الأزمة الأساسية، تظل أزمة الخطاب التي بحلها، جذرياً، ينفتح الباب، تلقائيا، للتعددية والإبداع، في سياق الخطاب الوطني الواحد.

أزمة الخطاب: وتتبدى هذه الأزمة في غياب الإجابات عن الأسئلة المصيرية الآتية، ويلخّصها السؤال الكبير: ما الذي يقاتل السوري من أجله؟

ــــ هل ينفع الخطاب الديني المعتدل لتفكيك وهزيمة الخطاب الديني الطائفي والمذهبي والفاشيّ، أم أن السجال، داخل الديني نفسه، يقود، بانتظام، إلى إعادة انتاج العقلية التكفيرية الفاشية؟ هل يمكن تجاوز هذه المأساة، من دون خطاب علماني صريح، يفكك الخطاب الإقصائي التكفيري، جذرياً؟ وما هي صفات العلمانية الوطنية المتوافقة مع الاحتياجات السورية؟ وكيف يمكن انتاج المقاربات، الفكرية والثقافية والإعلامية، الخاصة بها؟

ــــ هل ينفع الخطاب الوطني ــــ القومي التقليدي في استنهاض السوريين للانخراط في الحرب الوطنية العظمى التي تخوضها سوريا؛ أم أننا نحتاج إلى خطاب جديد يجسّد الهوية الوطنية السورية ـــــ المعبرة عن تحالف الفئات الاجتماعية المنتجة، في الجمهورية العربية السورية ــــ وتشكّل الرابط المحلي الضروري لتجاوز الانقسامات الطائفية والاتنية والجهوية؟

ــــ هل يمكن تجاوز الممارسة الإعلامية النقدية (للفساد وسوء الإدارة وتجار الحرب وتنامي الفوارق الطبقية وتزايد المصاعب المعيشية الخ) في خلق الثقة بين الإعلام والناس؟

ــــ وما هي صورة سوريا الغد التي نقاتل من أجلها؟ ما هي مسارات إعادة البناء؟ وهل ستكون سوريا للذين قاتلوا من أجلها، كما قال الرئيس بشار الأسد، أم للذين نهبوها؟ هل نمضي نحو صيغة اشتراكية حديثة، أم سنقع ، مرة أخرى، في براثن النيوليبرالية؟