ليس في الميدان سوى النفايات، فكلُّ الملفات تراوح مكانها، على الأقل في العلن، ليتقدَّم ملف النفايات، على اعتبار أنَّ حكومة تصريف الأعمال لا تنجح سوى في الترحيل:
ترحيل الآمال، ترحيل الفرص، ترحيل الإستثمارات، وأخيراً وليس آخراً، ترحيل النفايات.
***
غداً 17 كانون الأول، نطوي الشهر الخامس لأزمة النفايات التي اندلعت في 17 تموز الفائت، في ذلك التاريخ تمَّ إفراغ آخر برميل في مكانه المقرر، ومنذ ذلك التاريخ يتمُّ الإفراغ في الشوارع وعلى الطرقات وفي الوديان وتحت الجسور وعلى الجدران، غرق البلد بالنفايات ولم يحصل أيُّ شيء سوى حراك وفوضى واعتكاف وزير البيئة، وهو اعتكاف أقرب إلى التلكؤ منه إلى أيِّ شيء آخر.
أُجريت مناقصات وتبيَّن أنَّها فدرالية نفايات لتوزيع أنصبة أرباحها لكنها سقطت بعدما فُضِحت أرقامها والتي جاءت في بعضها أعلى سعراً من سوكلين التي هي أصلاً مرتفعة السعر.
***
سقطت المناقصات وتبعثرت أوراقها ورُميَت في مكبات النفايات العشوائية ولم تعد صالحة لأن تعود من جديد، فكان آخر الدواء الترحيل.
***
الترحيل، على عكس ما قبله من مقترحات، يُحاط بسريَّة مطلقة، فبعدما كانت مناقصات الشركات تصل أوراقها إلى الرأي العام وإلى مواقع التواصل الإجتماعي، فإن مقترح الترحيل يُحاط بعناية فائقة داخل أسوار السراي الحكومية، وكأن هناك شيئاً ما لا يجوز الإطِّلاع عليه، فما هو هذا الشيء؟
الأَكلاف، والبلد الذي سيتم الترحيل إليه:
لجهة الأكلاف فإنَّ كلفة الطن لا تقل عن 250 دولارا أميركيا، وهذا المبلغ سيُدفَع من جيب المكلَّف اللبناني باعتبار أنَّ أموال البلديات سبق أن صُرِفَت على سوكلين ولم يعُد هناك من أموال في صندوق البلديات.
بهذا المعنى فإن النعمة ستهبط على شركات بسبب الترحيل، فالشركات التي ستقع القرعة عليها هي شركات محظوظة ولا تخرج عن فلك الشركات التي شاركت أصلاً في المناقصات السابقة، كلُّهم يدورون في الفلك ذاته:
شركات، مسؤولون، وكأنَّ البلد أصبح مقاصَّة يتم فيها تبادل الأوراق والأسهم والشيكات، ربما لهذا السبب تدور الإجتماعات داخل أسوار الصمت ولا يخرج منها شيء إلى العلن.
لقد اكتشف المسؤولون أنَّ الشفافية مؤذية بالنسبة إلى الحاكم، ومفيدة بالنسبة إلى الناس، فعملوا على القضاء عليها، لذا جاءت اجتماعاتهم بعيدة كل البعد عن الشفافية. وهذا ما كان يجري في السراي الحكومية وفي مجلس الإنماء والإعمار:
شركات محظوظة، أكلاف مرتفعة، والأسماء بإنتظار البدء بتسريبها.
***
ولكن ماذا عن الدولة التي ستستقبل نفاياتنا؟
إذا كانت هذه الدولة موقِّعة على إتفاقية بازل التي تُعنى بمراقبة حركة النفايات ولا سيما الخطرة منها، فإن نفايات 17 تموز حتى اليوم لن تكون مشمولة بإتفاقيات الترحيل، فلبنان موقِّع على هذه الإتفاقية منذ العام 1994، وربما لو كان يعلم أنَّه سيصل إلى هنا لَما كان وقَّع ربما.
إذاً، ما هو المخرج؟
ربما يكون هناك ترحيل للنفايات الحالية إلى إحدى الدول الأفريقية غير الموقِّعة على إتفاقية بازل، وهذا هو المخرج الوحيد للتخلص من النفايات الراهنة، وعليه فكيف ستبرر الحكومة هذا التصرف الذي لا يرقى إلى مصاف الدول التي تحترم نفسها؟