تنظر «القوات اللبنانية» بقلق الى ما يحصل في الخارج، لأنّ النموذج المقدّم، من اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة أبدية لاسرائيل، الى اعترافها بسيادة اسرائيل على الجولان السوري المحتل، ينطوي على مؤشرات غير مطمئنة الى مستقبل الوضع في لبنان والمنطقة.
كذلك تنظر «القوات» بحذر الى النزاع الجديد والكبير الدائر بين واشنطن وطهران، ومردّ حذرها هذا، هو الخوف من توريط لبنان في هذا النزاع، الامر الذي يستدعي في رأيها، الالتزام الصارم بسياسة «النأي بالنفس» والتصرّف بوحي المقولة الشهيرة: «عند تغيير الدول إحفظ رأسك».
ترى «القوات»، حسب مصادرها، أنّ لبنان يمرّ في مرحلة حسّاسة جداً، تستدعي إبعاده عن نزاع المحاور والتزام سياسة داخلية تقودها الدولة اللبنانية، أي الحكومة التي تمثل جميع القوى السياسية، بما يمكّن لبنان من عبور هذه المرحلة الساخنة. إذ لا يمكنه، بسبب وضعه المالي الدقيق، أن يتحمّل اي انخراط في نزاعات أكبر من امكاناته وقدراته. كذلك لا يتحمّل عودة الانقسام العمودي على خلفية نزاعات كبرى «لا ناقة له فيها ولا جمل». وبالتالي المطلوب تركيز كل الجهود من اجل إنقاذه اقتصادياً ومالياً، لأنّ الوضع الذي وصل اليه على هذا المستوى هو وضع غير مسبوق منذ زمن طويل.
ولذلك، تقول المصادر «القواتية»، إنّ «أي انخراط في نزاعات كبرى وفي انقسامات عمودية سيؤدي الى سقوط البلد في الهاوية. ويُخطئ من يعتبر انّ الوضع الحالي هو كالذي كان سائداً في مراحل سابقة، فهو لا يتحمّل أي مجازفات ويُفترض حصر الاهتمام بإنقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً». وتعتبر، «انّ التزام سياسة «النأي بالنفس» يشكّل مصلحة لجميع اللبنانيين من اجل اجتياز العاصفة الدولية ـ الاقليمية».
وفي هذا الوقت، تضيف المصادر ايّاها، «تثمّن «القوات» الجهود التي بذلها وزير المال علي حسن خليل وفريق عمله في إعداد الموازنة، ولكن موقفها النهائي من هذه الموازنة، التي كان لها في صددها مداخلات واسعة، بل مساهمات في محاور نقاط عدة فيها، ستؤجّله في انتظار صدورها في صيغتها النهائية، لأنّها تعوّل كثيراً على العناوين الكبرى التي يجب على الحكومة مقاربتها، وفي طليعتها إقفال المعابر غير الشرعية، حيث لا يجوز ان يكون هنالك نحو 150 معبراً غير شرعي، وعلى الحكومة أن تتعهّد بإقفالها وان تتعهّد ايضاً بضبط الوضع الجمركي والتهرّب الضريبي واتخاذ خطوات جريئة من قبيل إشراك القطاع الخاص في قطاعي الاتصالات والمرفأ، بغية توفير الموارد اللازمة وترشيد الإدارة.
ففي هذه المرحلة الصعبة اقتصادياً يجب الابتعاد عن جيوب الناس الذين يعانون أساساً من الأزمة الاقتصادية ومقاربة العناوين الكبرى بديلاً الزامياً لوضع حدّ للفلتان والتسيّب والفساد وتحقيق قيامة الدولة الفعلية».
وفي اعتقاد «القوات»، انّ «هذا الواقع الاقتصادي الضاغط قد يشكّل فرصة لمصلحة لبنان اذا عرفت الحكومة كيف توظّفها لمعالجة قضايا مزمنة لم تُقَارب يوماً، وبالتالي يمكن تحويل هذا الواقع السلبي واقعاً ايجابياً إذا أحسنت الحكومة إدارة الدولة في الشكل المطلوب».
وفي هذا السياق، تستغرب «القوات اللبنانية» ان يتقدّم الوزير جبران باسيل بمجموعة اقتراحات وافكار مالية واقتصادية في الجلسة الثانية عشرة من جلسات مجلس الوزراء التي خُصِّصت للموازنة، بدلاً من تقديمها في الجلسة الاولى أو الثانية على الأقل، خصوصاً أنّ الجميع كانوا يستعدون ومنذ أسابيع للشروع في درس الموازنة، وبالتالي كان لديهم متسع من الوقت لتقديم مثل هذه الأفكار والمقترحات. فالعمل الجدّي يستدعي من كل طرف ان يقدّم أفكاره ومقترحاته، وخطوة باسيل كان يمكن لها ان تكون موضع ترحيب لو أنّه طرحها في الجلستين الاولى والثانية من جلسات الموازنة في السراي الحكومي، لأنّ معظم الافكار التي تقدّم بها كانت قد نوقشت أساساً، وبالتالي، فإنّ خطوته أدّت الى تأخير إضافي في إقرار الموازنة.
و»طالما انّ الشيء بالشيء يُذكر، تقول مصادر «القوات» إنّ «باسيل كان يشن الحملات على «القوات» بحجة تدخّلها في ملف الكهرباء، هذا الملف الذي ارهق المديونية العامة ويعتريه الفشل منذ عقود، وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة. فلماذا يلوم «القوات» على تدخّلها في هذا الملف ولا يلوم نفسه على تدخّله في ملف الموازنة والمالية العامة، اذا كان منطقه يقول إنّ «على كل وزير أن يهتم بوزارته»، وبالتالي، فإنّ باسيل أسقط بنفسه منطقه، لأنّ الحكومة مجتمعة مسؤولة عن مقاربة كل الملفات والقضايا، وما على الوزارات المعنية إلاّ تنفيذ السياسة الحكومية وترجمتها، وخلاف هذا تصبح كل وزارة حكومة بعينها وبالتالي، شكراً للوزير باسيل الذي أعطى «القوات» حقّها وأظهر نفسه أنّه على غير حق».
على انّ «القوات»، وحسب مصادرها، تأسف «لأنّها في كل مرة تعالج موقفاً سياسياً بموقف مقابل، يشنّ باسيل حملة شعواء عليها من دون التركيز على الملف المُختَلف حوله بين «القوات» و»التيار الوطني الحر»، وذلك اعتقاداً منه أنّه من خلال هذه الحملة يتمكن من «شد العصب» وتحقيق شعبية. ولكن ما يجهله هو انّ الناس في حال قرف، والعودة 40 عاماً الى الوراء هي آخر همومهم، وإن جلّ ما يريدونه هو من يعالج حاضرهم ويوفّر الأمان لمستقبلهم ومستقبل أولادهم في هذا البلد. ويُخطئ باسيل إذا اعتقد انّ الطريقة التي يعتمدها ستثني «القوات» عن انتقاد ما يجب انتقاده والتنويه بما يجب التنويه به.
وهي لم تتأخّر في الاشادة بأداء وزيرة الطاقة ندى البستاني وأداء وزير البيئة فادي جريصاتي، كذلك لم يتأخّر الدكتور سمير جعجع عن المشاركة في الإفطار الرئاسي، في رسالة تؤكّد دعم دور رئيس الجمهورية والتمسّك بالتسوية السياسية، وبالتالي فإنّ «القوات» تحصر انتقاداتها في ملفات ومواقف محدّدة على غرار ملف الكهرباء في الحكومة السابقة، ومواقف الوزير الياس بوصعب المتناقضة بين دعمه لحصرية السلاح بالجيش وبين ترحيله هذه الحصرية حتى انتفاء التهديدات الاسرائيلية، هذه التهديدات التي نشأت مع نشوء الكيان الاسرائيلي ولا أحد يعلم الى متى ستبقى، وبالتالي كأن بوصعب يقول انّ حصرية السلاح ستبقى مؤجّلة حتى إشعار آخر».
وتضيف مصادر «القوات»، انّها «في كل مرة تثير نقطة محددة تبدأ ردود «التيار الحر» عليها بنبش القبور. وهذه السياسة، في حال أراد ا»لتيار» الاستمرار فيها كفيلة بإنهاء ما تبقّى من شعبية له، لأنّ الناس ملّوا من الانقسامات والسجالات التي لا طائل منها، ويريدون من يوفّر لهم مستلزماتهم الحياتية الضرورية، ويستطيع ان يحدثهم عن لبنان 2030 وليس لبنان عام 1980».
ولكن «القوات»، وفق مصادرها تؤكّد «تمسّكها بالمصالحة مع «التيار» والتعاون بالقطعة مع جميع القوى السياسية، وذلك تحت سقف المؤسسات الدستورية، وهي لا تخجل من التأكيد انّ صحة التمثيل السياسي ما كانت لتتحقق لولا التعاون بينها وبين «التيار» ولولا وجود الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا».