Site icon IMLebanon

شكراً للصهر!

 

 

 

وفق المرحلة الأولى من «صفقة القرن» التي يروّج لها صهر الرئيس الاميركي ومستشاره جاريد كوشنر، سيحصل لبنان على استثمارات بنحو ستة مليارات دولار لمدة عشر سنوات من أصل الخمسين ملياراً التي ستتوزّع على الضفة الغربية وقطاع غزة ومصر والاردن. مؤدّى هذا «العرض التجاري» الفجّ انه سيقود رسمياً الى توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين يستضيفهم لبنان، وشطب حق عودتهم الى أرضهم، مع ما يعنيه ذلك من تصفية لقضيتهم، وعبث بالمعادلة الديموغرافية المرهفة التي ترتكز عليها التوازنات الداخلية.

 

هكذا، وبقليل من «البقشيش» وكثير من «الإنكار» للواقع، يريد كوشنر من لبنان ان يتحمّل أعباء التوطين، وأن يدفع من «لحمه الحَي» ثمن تسوية غير عادلة للصراع العربي – الاسرائيلي. هي سمسرة مالية – ديبلوماسية تختصر «قضية القرن» بصفقة يجري ترتيبها وفق «قواعد البزنس»، التي تعتمد على «تقريش» الأرض المحتلة، وتتعامل مع اللاجئين كأرقام.

 

ولعل لبنان سيكون من بين الأكثر تضرراً ضمن دول الجوار من صفقة القرن، بحُكم وضعه الهَش الذي لا يتحمل ضغطاً إضافياً بحجم توطين الفلسطينيين. وبالتالي، فهو معني مباشرة بمنع فرض أي امر واقع عليه، والحؤول دون تفصيل حل لا يتناسب مع «مقاسه» ومصالحه.

 

لكن، وعلى رغم من المخاطر التي يختزنها طرح كوشنر، إلّا انّ الرجل يُشكر على انه أسدى في الوقت ذاته خدمة للبنان، ولو من دون ان يشعر او يقصد، بعدما نجح في توحيد القوى السياسية – المعروفة بانقساماتها وتبعثرها – حول موقف مشترك عابر للاحزاب والطوائف في رفض مقايضة التوطين ببضعة مليارات من الدولارات الاميركية.

 

وإذا كان من الطبيعي ان يتصدى الرئيس نبيه بري و«حزب الله» والجهات المتحالفة مع المقاومة لـ«صفقة القرن» وأدبيات كوشنر، فإنّ اللافت هو انّ حلفاء أو أصدقاء أو أنصار للولايات المتحدة في لبنان لم يتمكنوا بدورهم من هضم ما أدلى به صهر ترامب، بل جاهروا في الإعتراض عليه.

 

من حزب «الكتائب» الى «القوات اللبنانية» مروراً برؤساء الحكومات السابقين وغيرهم، امتدّت مساحة الرفض لطرح كوشنر، فيما كان لافتاً أنّ لهجة بعض المعترضين في صفوف ما كان يُعرف بـ«14 آذار» لم تختلف كثيراً عن تلك التي يعتمدها خصوم واشنطن، بحيث قصرت المسافة بين موقف سمير جعجع وسامي الجميّل على سبيل المثال، وبين خطاب مكونات محور المقاومة والممانعة في هذا الجانب تحديداً.

 

وحتى الجهة المتهمة ضمناً من قبل البعض بأنها صاحبة مصلحة في التوطين لأنه يمنحها أرجحية عددية وديموغرافية على الطوائف والمذاهب الاخرى، لم تستطع ان تتساهل مع طرح كوشنر، فبادَر رؤساء الحكومات السابقين الى إصدار رَد عليه، أتبعَه الرئيس سعد الحريري بالتأكيد من مجلس النواب انّ الحكومة والمجلس وكل لبنان ضد صفقة القرن، وانّ الدستور يمنع التوطين «ولا يزايدنّ أحد علينا في ذلك».

 

إنها واحدة من المرات القليلة التي يحصل فيها مثل هذا التقاطع اللبناني العريض على معارضة السلوك الاميركي، إنما من دون أن ينفي الإجماع «الموضعي» ضد مبدأ التوطين وجود خلاف حول طريقة مواجهة خطره والخيارات الواجب اعتمادها على هذا الصعيد، بل ربما تكون أيضاً لكل طرف اعتباراته وحساباته التي انطلق منها في الاحتجاج على مشروع كوشنر. لكن، ومع ذلك، لا بأس في قليل من الاضاءة على الجانب المليء من الكوب، بمعزل عن مساحة هذا الجانب، والدوافع التي أنتجته.

 

ولئن كان البعض يعتبر انّ توطين الفلسطينيين بات عملياً أقرب الى «القدر» الذي لا يُرد، حتى لو انّ الدستور يمنعه والأصوات تعلو ضده، غير انّ هناك وجهة نظر أخرى لا تقلل من أهمية التمسّك بالموقف المبدئي والموحّد ضد هذا المشروع، مهما اشتد الترهيب أو الترغيب.

 

ويلفت أصحاب هذا الرأي الى أنّ لبنان يملك سلاحاً حيوياً يتمثّل في قدرته على إعطاء الشرعية للتوطين أو حجبها عنه، وبالتالي هناك فارق كبير بين سَعي البعض في الخارج الى فرض التوطين إستناداً الى عامل تَقادم الزمن ورفض الاحتلال الاسرائيلي الاعتراف بحق العودة، وبين أن يقرر اللبنانيون أنفسهم منحه الشرعية القانونية والدستورية وما ترتّبه من مفاعيل على كل المستويات.

 

وانطلاقاً من هذه المقاربة، ليس هناك من خيار أمام اللبنانيين سوى الثبات على تلك الـ«لا» التي واجَهوا بها «الرشوة» التي قدّمها كوشنر، وهذا هو أضعف الإيمان.