Site icon IMLebanon

شكراً “حزب الله”

 

يحق لمؤيدي مشروع «حزب الله» كما لمعارضيه على السواء أن يقولوا له شكراً. فلكل من الفئتين أسبابه في ابداء الشكر والامتنان. أما المؤيدون، باستثناء بعض من يتعبّدون للمقاومة كمذهب او دين، فهم لن يكونوا بحاجة الى جهد كبير ليقتنعوا بأن مناورة الحزب الاخيرة هي من أعادت للبنان حقوقه في الغاز، وبأن اتفاق الترسيم هو انتصار الهي جديد ووعد صادق، ممهور هذه المرة بانتعاشة اقتصادية مستدامة.

 

أما الحق بإبداء الشكر الذي سيصدر عن معارضي مشروع «حزب الله»، فله اسبابه المختلفة، لكن في كل الأحوال سواء صدر الشكر من موقعين متناقضين، فهذا لن يحجب القراءة في عمق اتفاق الترسيم، وفي مرحلة ما بعد الترسيم وهي الأهم.

 

لماذا يفترض تقديم الشكر لـ»حزب الله»؟ الجواب على هذا السؤال ينطلق من رحلة الترسيم البحري والبري الذي بدأ عملياً بعد الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000، فاستكملت في البر مع بعض التحفظات على النقاط النهائية للخط الازرق، وبدأت في البحر، وتولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي فاوض منذ 14 سنة، مع الموفدين الاميركيين السابقين، ومنهم فريدريك هوف، الذي رسم خطاً عرف باسمه، توقفت المفاوضات ووضعت في الادراج بطلب من «حزب الله»، ونامت لأكثر من عشر سنوات لتستفيق اليوم على اتفاق وشيك للتوقيع.

 

في هذه الرحلة التي التزم فيها «حزب الله» دور الوصي على التفاوض، تم تجميد المفاوضات على ايقاع حسابات كثيرة داخلية وإقليمية، والتجميد أصاب الرئيس نبيه بري، الذي كان مستعجلاً للترسيم، وفق خط هوف، لكنه صبر الى ان أتت الساعة، وأفرج الحزب عن المفاوضات لحسابات تتصل بالوضع الداخلي، وأتى الضوء الاخضر الايراني بالافراج عن ملف الترسيم، ويمكن بعد كل ذلك أن نشهد على تحولات كبيرة وغير معلنة، سيكون عنوانها الاستخراج الآمن للغاز على ضفتي الحدود البحرية التي تم ترسيمها.

 

الشكر لـ»حزب الله» مرده الى مرحلة الهدوء الطويل والثابت الذي ستنعم به الحدود، من دون ضجيج ولا صخب ولا كلام عن التطبيع، ولكن أيضاً من دون تجاهل ان اتفاق الترسيم، يلغي عملياً وجود اي نية بالتصعيد او التحريك العسكري ولو بحده الادنى، وهنا تكمن براعة الحزب الذي يقدم نفسه محرراً للثروة الغازية، والذي هو أول من يعرف بأن تشديده على دخول الشركات والاستثمار، يعني حكماً انه قدم الضمانات المطلوبة وغير المعلنة بأن الهدوء والاستقرار سيعمان على طرفي الحدود.

 

سيكون الجنوب للمرة الاولى منذ الصراع العربي ـ الاسرائيلي، نقطة جاذبة للاستثمار، بوجود ترسانة سلاح ليست للاستعمال الا لتأكيد استمرار المقاومة واعلان الانتصارات الالهية دورياً، ولكن في المقابل بات ارباب السلاح يدركون انهم اضطروا لوضع رجلهم في مسار لن يستطيعوا التحكم به طويلاً، فالاتفاق الذي سيوقع ولو كان بالمراسلة عبر الامم المتحدة والوسيط الاميركي، هو اتفاق ناجز يتجاوز التفاهم في العام 2000 الذي انتج ضماناً لأمن الحدود حتى العام 2006.

 

من هنا يمكن ان نشهد بعد التوقيع على هذا الاتفاق سباقاً على التنقيب، على طول الشاطئ اللبناني، وستكون بلوكات الجنوب الاولى في السباق نظراً لحاجة «حزب الله» والرئيس نبيه بري الى المباشرة في ترجمة الوعد الصادق الى افعال، اي الى بدء استخراج الغاز من الجنوب.

 

ويبقى الشكر موصولاً لأن «حزب الله» جلس هذه المرة وراء المقود من دون مواربة، ولم يأبه لأتباعه وهم يرقصون على مسرح الترسيم رقصات الكومبارس، وهذا الوضوح يكفي ولو لمرة واحدة، لتأكيد مشهد لم يعد فيه شك، وهو أن ايران عبر «حزب الله» لم تبذل عناء لإخفاء وصايتها على قرار لبنان.