في ستيّنات القرن الماضي، أصدر المربّي والشاعر والصحافي المرحوم والدي سليمان ابو زيد كتاباً من جزئين عالج في الجزء الاول منه العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة الاميركية والكيان الاسرائيلي حمل عنوان «واشنطن في تل ابيب» وحمل الجزء الثاني عنواناً استشرافياً هو «هنا كانت اسرائىل» وخلاصة الكتاب انه اذا كانت بريطانيا خلقت اسرائيل دملاً في قلب العالم العربي، فان الولايات المتحدة، أمّنت لها الرعاية والحياة بجميع الوسائل، ولكن منطق العدل والطبيعة والتاريخ، يقول ان اي جسم غريب، لن تقيّض له الحياة، مهما قصرت او طالت، لأن إرادة العدل والطبيعة والشعب لا بدّ وان تلفظ هذا الجسم يوماً ما نتمناه قريباً.
يمكن القول ان الشعب الفلسطيني ومعه جميع الشعوب العربية، دخلت صراع الحياة والموت مع الكيان الاسرائيلي والدول الداعمة منذ العام 1948، وهذا الصراع خلّف مئات الوف الشهداء والجرحى والمعوقين، وتأكيداً انتج بصورة مباشرة وغير مباشرة ارضاً خصبة لنموّ التنظيمات الاسلامية المتشددة جنباً لجنب مع حركات المقاومة الوطنية، وكل ذلك بسبب تخاذل الانظمة العربية من جهة، ووحشية الكيان الاسرائيلي وداعميه من جهة ثانية، وعلى الرغم من تغيّر الرؤساء في الولايات المتحدة، الا ان دعم اسرائيل وحمايتها لم يتغيّرا يوماً، ومع أسف لم تلعب الدول الاوروبية ادواراً حاسمة في وجه الولايات المتحدة واسرائىل، مثلها مثل الدول العربية والاسلامية، ومع ذلك لم يتجرّأ اي رئىس اميركي على الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ولا على اعطاء اوامره بنقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس، ولكن دونالد ترامب فعلها، على الرغم من معارضة الفاتيكان والدول الاوروبية وغير الاوروبية، وعلى الرغم من قرارات الامم المتحدة ومجلس الأمن التي تعتبر الوجود الاسرائيلي في القدس والضفة الغربية وغزة «احتلالا» وليس وجوداً شرعياً، من هنا يعتبر قرار ترامب قراراً غير شرعي وغير منطقي وغير حكيم، بل هو قرار غبيّ ومتهوّر، ويحمل بذور قلاقل وانتفاضات واعمال عدائىة ستطول مصالح الولايات المتحدة في اي مكان في العالم، ولذلك فهذا قرار لا يصبّ في مصلحة الشعب الاميركي الطيّب المعطاء.
***
انا شخصيا اشكر الرئىس ترامب على اخذه هذا القرار، لأنه قد يكون فاتحة لوقف الصراعات والخلافات الفلسطينية والعربية، وتوحيد الصفوف ليس فقط لمنع تهويد القدس، المدينة المقدسة للمسيحيين والمسلمين في العالم، بل لزعزعة عواميد الكيان الاسرائىلي، واعادة الحق الى اصحابه، في دولة فلسطينية سمحة ومعتدلة، يعيش فيها الجميع بسلام وامان، أليست هي مدينة السلام، وحوّلها الاسرائىليون الى مقبرة وجبهة حرب.
قد يكون في ما اقوله، الكثير من الاحلام، ولكن الفلسطيني ما زال منذ 70 سنة يحمل مفاتيح بيته ويحلم بالعودة الى فلسطين، ويورّث هذا الحلم لاولاده واحفاده واحفاد احفاده.
وقد تتحرّك النخوة العربية لدى 390 مليون عربي هو تعداد سكان الدول العربية، ويعرفوا انهم ان لم يكونوا رجالا في هذه الايام الحاسمة، سيكونوا في نظر العالم اصفارا على الشمال ليس الاّ.
على الاقل في هذه المرحلة، لتعلّق العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة وتتوقف محاولات التطبيع مع اسرائىل، واي علاقة اقتصادية، وتستعمل مختلف الاسلحة التي تزعج الولايات المتحدة واسرائىل وتتضايق حركتهما في العالم العربي ودول العالم.
ليكن معلوما ان التاريخ والاجيال لن يرحـما اي وقفة تخاذل.