Site icon IMLebanon

إيران ما لم تردّ..

 

توثيق الغارات الاسرائيلية التي استهدفت مواقع وأهدافاً في سوريا قبل اندلاع الثورة وبعده، مهمّة قد تبدو سهلة للوهلة الأولى. لكنها ليست فعلاً كذلك. فمن الغارات ما خفي أو خفيت دائرة استهدافه فضلاً عن النتيجة. هناك ما يتّصل بالبرنامج النووي السوريّ المرتبط بالبرنامج النووي الايرانيّ. وهناك ما يتّصل بشبكة الامداد الصاروخية لـ «حزب الله». وهناك ما يتّصل بالشبكة الصاروخية نفسها للحزب وحرس الثورة، التي باتت تمتد على جانبي الحدود اللبنانية – السورية، وتفرض وضعاً جديداً في المنطقة «الواصلة الفاصلة» بين مناطق تمركز القوة الدولية الفاصلة في مرتفعات الجولان وبين القوة الدولية في جنوب الليطاني. ورغم الصخب الاسرائيليّ المتمثّل باستعراض ابعاد سيطرة وتوسع «جبهة النصرة» على المناطق القريبة المتاخمة لمنطقة الفصل الدولية في الجولان، الا أنّ الحسابات الاسرائيلية معنية أساساً بصراع المواقع والملفات والحملات، غير المباشر في أغلب محطاته، والمباشر في لحظات بعينها، مع ايران، على ما حدث في الهجوم الأخير. 

توثيق الغارات مسألة مضنية. توثيق ردّ فعل النظام السوريّ فضلاً عن مختلف أطراف النزاع السوريّ مسألة أسهل. لكنها الى حد كبير مضيعة وقت. بعمقه، يبدو النزاع السوري «غير مبالٍ« جدّياً بالغارات الاسرائيلية. يودّ أنْ لا يَراها ولا أن يرى مسألة الاحتلال الاسرائيلي للهضبة الآن الا من زاوية دعائية استهلاكية بحتة، وهامشية بين كل عناوين الصراع الدائرة رحاه في سوريا اليوم. 

وانّها لمفارقة غير قليلة، ان يكون هناك سجل متتابع يمتد لسنوات الى الوراء، من الغارات الاسرائيلية الاستهدافية للنظام السوري او لـ«حزب الله» في سوريا والآن للايرانيين في سوريا، وهو سجل متسارع الايقاع والخطورة في المدة الأخيرة، وليس فقط مع الغارة الاخيرة، في حين ان حرباً، أميركية وأطلسية وعربية، ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» انطلقت منذ اشهر، بالتوازي. وفي الحالتين، حتى الغارة الاخيرة في القنيطرة، كان السائد، حرص النظام السوري على التعايش مع الغارات الاسرائيلية كمسألة اجرائية، وجرعات ادارية، ينبغي ان لا يُكرّس لها وقت كثير، وكذلك حرص تنظيم «داعش» على انْ التعامل مع الغارات المستهدفة لها كقضية «غير مصيرية» بالنسبة إليه، وغير جديدة أساساً، ما دامت «دولة العراق الاسلامية» لم تولد سابقاً في جزيرة نائية، بل في العراق المحتل اميركياً، وسط الهجمات والغارات. 

فمن بعيد، ستبدو الحرب السورية الآن كحرب يسترسل فيها جهاديون سنّة من تشكيلات مختلفة وجهاديّون شيعة من تشكيلات لبنانية وعراقية في «حرب أهلية داخل الحركة الاسلامية» تتقاطع مع الحرب الأهلية السورية بين الأكثرية السنية المشطّرة، والأقلية العلوية الحاكمة المنكمشة على بعضها البعض. وبالتوازي، تصيب الغارات الأميركية تنظيم «داعش» وتصيب الغارات الاسرائيلية المقلب الآخر، لكن النزيف الدموي الجهادي – الجهادي لا يتوقف. 

فهل ثمة متغيّر جديّ يقلب هذا المشهد بعد الغارة الأخيرة؟ لا يتعلّق هذا السؤال بردّ الفعل الايراني على الفعل الاسرائيلي فقط، بل على الفعل الاسرائيلي القادم أيضاً، فالغارة الأخيرة سبقتها غارات، وليست تطرح نفسها أبداً كغارة أخيرة، وفرضاً «احتفظت» ايران بحق الردّ هذه المرة، فهي ليست كالنظام السوري كي يمكنها تخزينه في كل مرة، خصوصاً وانّ النظام السوري حين لا يردّ فالغارات على مواقعه لن تتبدّل نوعياً بسبب من احجامه عن ردّه، واذا تبدّل نوعها فلأسباب أخرى. أما ايران، اذا لم تردّ، فان الغارة الاسرائيلية المقبلة يمكن ان تصل الى الداخل الايراني نفسه.