قضايا عدة استحوذت على اهتمام «حزب الله» عام 2018، توزعت بين ما هو محلي واقليمي. وإذا كان الشائع انّ اولويات «الحزب» تتصل بالنزاعات الكبرى الممتدة من لبنان الى الاقليم، إلّا أنّ تعديلاً جوهرياً طرأ على جدول أعماله، مع قراره سنة 2018 بإيلاء ملف مكافحة الفساد الأهمية القصوى وتعيين النائب حسن فضل الله مسؤولاً عنه، تحت إشراف مباشر من الأمين العام السيد حسن نصرالله.
وعليه، أين اصبحت تحضيرات «الحزب» لخوض هذه المعركة الاصلاحية، وما المُتوقع منه عام 2019؟
بعيداً من الضوضاء والأضواء، يتابع «حزب الله» استعداداته لمواجهة «ذئاب» الفساد المتفشي التي تلتهم جسم الدولة اللبنانية ومقدّراتها، مدركاً انّ هذه المعركة هي أصعب من تلك التي خاضها ضد الاحتلال الاسرائيلي، وهو يتجنّب الادّعاء بأنّه سيقطع رأس الفساد وسينجح في اجتثاثه من جذوره، لكنه يؤكّد انّه اتخذ قراراً حاسماً بوقف تمدّده وبتجفيف ينابيعه الاساسية.
و«الحزب»، الذي يملك تقارير مفصّلة عن حقيقة الواقع الاقتصادي والمالي ووضع الادارة العامة، بات على إقتناع بأنّ الدولة لم تعد تتحمّل أعباء الفساد، وهو يعتبر انّ السكوت يعني استمرار التدهور وصولاً الى الانهيار الشامل، الذي من شأنه أن يحقق لأعداء مشروع المقاومة وبيئتها ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب.
ويعلم «الحزب» جيداً، انّ شريحة واسعة من الجمهور انتخبت لوائحه في الانتخابات النيابية لانّها تراهن على صدقية السيد نصرالله في حربه على الفساد، والأكيد انّ نصرالله ليس في وارد أن يخذل هذه الشريحة التي اعتادت على الوثوق في كلامه.
وفيما كان «الحزب» ينتظر تشكيل الحكومة لينطلق رسمياً في رحلة الألف ميل، دفعه تعثر الولادة الحكومية الى محاولة التخفيف من خسائر الوقت الضائع، عبر فتح مسار نيابي لطرح بعض المشاريع الإصلاحية وتقديم اقتراحات قوانين تصبّ في خانة لجم الفساد وإقفال مزاريبه. ويتولى نصرالله شخصياً الاشراف على هذا المسار، علماً انّه كان قد تواصل مع الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري لتسهيل اقرار اقتراح قانون ضبط المناقصات، الذي يشكّل واحداً من ابرز مصادر الفساد والهدر.
وقرار «حزب الله» بتفعيل وتيرة عمله التشريعي أتى بعد مراجعة تجربته خلال الدورات النيابية السابقة، حيث توصل الى استنتاج، بأنّ حضوره التشريعي كان باهتاً واهتمامه بتقديم اقتراحات القوانين كان متواضعاً، بفعل عدم انتظام نبض مجلس النواب من جهة وعدم إيلاء «الحزب» الأولوية لهذا التحدّي الداخلي من جهة أخرى.
وعلى الصعيد التنفيذي، وضع «الحزب» منذ الآن خطة متكاملة، لطريقة التعامل سنة 2019 مع ملفات وزارة الصحة التي سيتولاها في الحكومة المقبلة، حيث أنجز خطة اصلاحية تتضمن تخفيض اسعار الدواء والفاتورة الصحية وتفعيل المستشفيات الحكومية وعدم السماح بموت مريض على ابواب المستشفيات، على ان يُباشر في تنفيذ الخطة فور تسلم وزير الحزب حقيبة وزارة الصحة.
ويعتزم «الحزب» صبّ جهده على مواجهة قضايا الفساد الكبرى التي تصنع معالجتها فارقاً ملموساً وحيوياً، بمعنى انّه سيتفادى الاستغراق في مستنقعات صغيرة، قد تستهلك منه كثيراً من الوقت والجهد، من دون ان يكون المردود بالمقدار المطلوب.
كما انّ «الحزب» أقرّ تصوراً لنمط التعامل مع الحلفاء، على قاعدة عدم التغاضي عن أي إرتكاب قد يتورط فيه شخص محسوب على فريق حليف، وعدم الإساءة في الوقت نفسه الى التحالف الاستراتيجي مع هذا الفريق. وترجمةً لهذه المعادلة، سيتوجه «الحزب» عندما تدعو الحاجة الى المرجعية المسؤولة تنظيمياً أو معنوياً عن المُتهم بالارتكاب، ويضع في تصرفها الملف الموجود بحوزته ويطلب منها المساعدة في معالجته ومحاسبة الفاسد، من دون أن يلجأ الى التشهير، خصوصاً انّ حلفاءه يؤكّدون اصرارهم على محاربة الفساد.
وضمن آلية العمل، لن يركن «الحزب» الى القيل والقال في تحديد «إحداثياته»، بل هو سيستند الى إدلة ووثائق في فتح الملفات وملاحقة المرتكبين، بعيداً من الفرضيات والاتهامات.
وتبعاً لهذه الآلية، سيخفف «الحزب» من الاستعراض في سلوكه، وسيستخدم الاستراتيجية المعتمدة في عمل المقاومة: عدم الإعلان عن العملية إلاّ بعد تنفيذها. وهكذا في ميدان محاربة الفساد، لن يعلن الحزب عن «عملياته» الّا بعد اتمامها.
يعرف «الحزب» انّ مهمته لن تكون سهلة، وانّ من صنّفه منظمة ارهابية واتهمه بتجارة المخدرات لن يسمح له بأن يكون بطلاً في التصدّي للفساد وتطهير الدولة اللبنانية من تراكماته. كما انّ الفاسدين الذين يشعرون أنّ مصالحهم مهدّدة سيحاولون حمايتها، إضافة الى أنّ بعض القوى السياسية المتخاصمة مع الحزب قد لا يناسبها أن يربح هذا التحدّي الكبير.
امام كل هذه التحدّيات، تواصل نصرالله قبل نحو شهرين مع نواب «الحزب» وقال لهم: «لا تتأثروا بالاتهامات والحملات المُغرضة. المهم ان يكون ضميركم مرتاحاً وان تتقيّدوا بالمعايير الأخلاقية والقانونية وبالضوابط الدينية والشرعية في كل ما تفعلونه. نحن نريد رضى الله سبحانه وتعالى والدخول الى الجنة».