يشعر جواد ظريف٬ وزير الخارجية الإيراني٬ بالغضب في الوقت الراهن؛ بسبب أن بعًضا من جيرانها العرب٬ ناهيكم عن كثيرين من السياسيين والصحافيين في الولايات المتحدة٬ يعتقدون أن إيران من البلاد المعتدية٬ وغير جديرة بتلقي الاستثمارات الدولية وغير مؤهلة للدخول إلى المجتمع العالمي. وهي أمور كافية لإلقاء القبض على أحد رجال الأعمال الأميركيين بتهم تجسس زائفة٬ ولكن ظريف رجل عاقل؛ ولذلك فقد انتقل إلى صفحات جريدة «واشنطن بوست» ليعرض عليها قضيته أنه على الرغم من اختبارات الصواريخ الباليستية الإيرانية٬ والخطابات المفعمة بالتهديدات والكراهية من قبل المرشد الإيراني٬ ودعمها المباشر للديكتاتور السوري.. فإن بلاده تسعى فعلًيا ولا تريد إلا السلام والوئام.
فكل تلك الأمور نابعة من سوء تفاهم بسيط٬ كما يقول السيد ظريف؛ إذ كتب يقول أثناء المفاوضات النووية مع مختلف القوى الدولية «تؤكد بلادي في كل منعطف على أن دفاعاتنا غير مطروحة للنقاش على طاولات المفاوضات».
يقول السيد ظريف إن ذلك يعود إلى فترة الحرب العراقية الإيرانية واستخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية. وكتب ظريف أيًضا يقول إن الغرب «يمنع إيران فعلًيا من الوصول إلى وتأمين الضرورات الدفاعية الأكثر بدائية».
وهذه العبارة غير صحيحة جملة وتفصيلاً٬ ففي حين أن الولايات المتحدة فرضت حظًرا على الأسلحة حيال إيران في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979. وبعد احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين رهائن في طهران٬ كانت إدارة الرئيس السابق ريغان تعمل في سرية تامة على تسليح إيران بالصواريخ المضادة للدبابات٬ التي وفرتها إلى النظام الإيراني من خلال إسرائيل. ولقد كانت تلك الأسلحة هي الثمن المسدد لإيران من أجل الإفراج عن الرهائن المحتجزين في لبنان بواسطة تنظيم حزب الله اللبناني الموالي لطهران.
كان السيد ظريف طالًبا في الولايات المتحدة في الوقت الذي افتضح فيه أمر هذه القصة. وكانت تعرف وقتئذ إعلامًيا باسم فضيحة إيران – كونترا؛ بسبب أن أرباح مبيعات الأسلحة إلى إيران كانت تذهب لتمويل المتمردين في نيكاراغوا والمعروفين باسم متمردي الكونترا.
استخدم السيد ظريف في مقالته الافتتاحية تاريخ الحرب بين إيران والعراق لتبرير ما يسميه بتطوير القدرات الدفاعية الأصلية في بلاده٬ ولكن هذا الأمر مضلل؛ بسبب مواصلة إيران إجراء اختبارات الصواريخ الباليستية٬ التي يمكنها حمل الرؤوس النووية المدمرة٬ وتلك الصواريخ ليست من الأسلحة الدفاعية بأية حال٬ مثل الصواريخ التي باعتها الولايات المتحدة إليها عبر الإسرائيليين.
وبالحديث عن إسرائيل٬ فإن الدولة اليهودية يساورها قلق خاص بشأن الصواريخ الباليستية الإيرانية؛ بسبب أن بعًضا من هذه الصواريخ يحمل كلمات باللغة العبرية تعد بمحو إسرائيل من على وجه الأرض. ولا يبدو ذلك دفاعًيا للغاية٬ أليس كذلك؟
ولكن ذلك ليس حتى العنصر الأكثر إثارة للحنق في مقال السيد ظريف الافتتاحية. فبعد استرجاعه للتاريخ الإيراني واستعراضه للحرب بين إيران والعراق٬ والشكوى من رؤساء الولايات المتحدة عبر 37 عاًما مضت٬ يقول السيد ظريف «الخيارات كافة مطروحة على الطاولة» عندما يتعلق الأمر بمواجهة العدوان الإيراني؛ حيث يستطرد الرجل فيقول: «إن تلك الكلمات لن يتردد صداها مع الإيرانيين أيًضا».
«لن يحدث مرة أخرى» بطبيعة الحال هي أكثر ارتباًطا بمنع حدوث محرقة جديدة بحق اليهود. فتلك العبارة هي العنوان الذي اختاره مارتن غيلبرت في كتابه حول تاريخ تلك الجرائم. والسيد ظريف هو الواجهة الخارجية لنظام لا يهدد فقط بإزالة الدول اليهودية من على وجه البسيطة٬ ولكنه ينفي حدوث تلك المحرقة في المقام الأول. في يونيو (حزيران)٬ سوف تعقد إيران مسابقة تمنح فيها جائزة مقدارها 50 ألف دولار لرسام الكاريكاتير الذي يصور بالرسم أفضل سخرية ممكنة منى الإبادة الجماعية النازية بحق اليهود.
تلك هي إيران التي يشكو السيد ظريف من تعرضها للطعن والتجريح ظلًما من قبل الغرب. يكفي أن نجعل مواطًنا واحًدا يقدر الفظاظة التي يتعامل بها قادة إيران المتعصبون في بلادهم٬ فعلى الأقل إنهم هناك يقولون فعلاً ما يقصدون.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ