ثلاثة عوامل تدفع في اتجاه تأليف الحكومة: التصنيف المالي السلبي الذي يؤشر إلى كارثية الوضع واتجاهاته المستقبلية، الاستنفار أو الاستفزاز الإسرائيلي لإيران واستطراداً «حزب الله»، ومؤتمر وارسو. ولكن في المقابل لا مؤشرات عملية الى إمكان تجاوز العقدة الحكومية.
الكلام عن الحقائب هو مجرّد تفصيل في المشهد الحكومي، إلّا في حال تمّ تجاوز عقدة «اللقاء التشاوري» وبدأ العمل على وضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الحكومية قبل إعلانها، خصوصا انّ التوزيعة الراهنة كانت نالت موافقة الأطراف المعنية، فيما لا يبدو انّ العقدة الأساسية قد حُلّت بعد.
فالاحتمال الوحيد للحلحلة المستجدة هو، إمّا ان يكون الوزير جبران باسيل قد تراجع عن «الثلث المعطّل»، ولا يبدو كذلك، وإمّا ان يكون «حزب الله» قد قرّر غض النظر عن نيل باسيل هذا الثلث، بسبب خشيته من تطورات المنطقة وانتزاعه تعهداً من باسيل بأن يتولى، بنحو أو بآخر، دور وزير خارجية الممانعة في هذه المرحلة التي يشعر فيها الحزب بأنّها من الأدق في حياته السياسية.
فخارج هذا الاحتمال أو ذاك، لا يبدو انّ هناك أي حلحلة للعقدة الحكومية، وبالتالي التساؤل مشروع عن أسباب إعادة الالتزام بتواريخ قريبة لولادة الحكومة، إلاّ في حال قرر الرئيس المكلّف سعد الحريري التنازل من حصّته تحت شعار «أم الصبي»، ولكن لا مؤشرات إلى ذلك أيضاً، خصوصاً أنّ أي تنازل من هذا النوع ينعكس سلباً على وضعية الحريري داخل بيئته من زاويتين: مبدأ التنازل في حد ذاته، والخلل في التوازن بين الرئاسات.
قد تكون هناك ورقة مخفية، ولكن في الصورة الإجمالية الأمور ما زالت على حالها وستبقى كذلك إلّا في حال شعر «حزب الله» أنّ ولادة الحكومة أصبحت ملحّة وضرورية له قبل مؤتمر وارسو، وفي هذه الحال لن يتوقف كثيراً أمام الشكليات وسيتولى بنفسه إيجاد المخرج الملائم، خصوصاً انّه في العمق لا يخشى من الثلث الذي يبحث عنه باسيل، الذي سيبقى في حاجة إليه في معركته الرئاسية، ولا يستطيع حتى الذهاب بعيداً في مواجهة الحزب، ليس فقط في الملفات الاستراتيجية، بل أيضاً في الملفات التكتية.
وفي كل الحالات، الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتبيان ما إذا كانت المحاولة الثالثة ثابتة، أم أنّها ستلقى مصير سابقتيها. وفي هذه الأثناء، يحاول باسيل ان يقول لـ«حزب الله» انّ الدور الذي يستطيع تأديته لا يجوز وضعه في الميزان مع توزير «اللقاء التشاوري»، الذي لا يقدّم ولا يؤخّر في هذه المرحلة، التي أصبحت فيها التحدّيات الخارجية أهم بمئات المرات من الحسابات الداخلية، على أهميتها، ولكن المرحلة الراهنة خارجية بامتياز، وورقة «التشاوري» يمكن الحزب ان يلعبها ساعة يشاء في الملعب الداخلي في مواجهة تيار «المستقبل»، فيما هو بالذات في حاجة الى الحريري كرئيس للحكومة، وعبّر المعاون حسين خليل عن ذلك صراحة بقوله انّ الحريري هو «رئيس حكومة المرحلة».
وقدّم باسيل للحزب «بروفا» في الأيام الأخيرة عمّا يستطيع تأديته لجهة التطبيع مع سوريا ليس لبنانياً فقط، إنما عربياً أيضاً، وأنّه تجاوز كل الاعتراضات على هذا الدور من «المستقبل» إلى «القوات اللبنانية»، ويستعد لزيارة بشار الأسد مستظلاً «الفتحة» العربية عليه من أجل تأدية دور يتقاطع فيه مع أكثر من خط دولي وعربي يعمل على إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، محاولاً استعادة أدوار الرئيس الشهيد رفيق الحريري على هذا المستوى، الأمر الذي يمكنه، في رأيه، من ان يكسب على الخطين معاً، أي خط محور الممانعة الذي يحتاج إلى صلة وصل مع العالم الخارجي في لحظة أزمته الكبرى وسياسته القديمة – الجديدة، في محاولة كسب الوقت وتقطيع «المومنتوم» الحالي، والخط الغربي والعربي، بإقناعه انّه يقوم بهذا الدور، ليس بكونه جزءاً لا يتجزأ من هذا المحور، بل حفاظاً على الاستقرار في لبنان الذي يشكل مصلحة دولية وعربية ولبنانية.
فباسيل لا يريد ان يخسر الممانعة ولا المجتمعين الدولي والعربي. ويدرك تماماً انّ تمحوره كلياً مع هذا المحور أو ذاك يُفقده حلمه الرئاسي، ولذلك قرّر اللعب على الخطوط، على خطورته، في مرحلة تحتمل دخول أكثر من وسيط على الخط، وهذا ما يفسِّر مثلاً موقفه لجهة حق إسرائيل في الأمن، حيث انّ موقفاً من هذا النوع يُسمَع أميركياً جيداً، فيما يُقنع «حزب الله» بأنّه ضرورة للعب دوره في «الدفاع عن حق الحزب في المقاومة».
ولا ريب انّ المنطقة دخلت في مرحلة جديدة، بدأت معالمها مع العقوبات على إيران وتُتوّج في مؤتمر وارسو على وقع استدراج إسرائيلي لطهران إلى الحرب. لأنّه لا يمكن تفسير هذا الاستفزاز اليومي إلاّ بأنّ تل أبيب تريد ان تُحرِج طهران وتُسقط مقولة الرد في الوقت المناسب أو توازن الرعب الذي تستطيع الثورة الإيرانية توفيره.
فالاستهداف الإسرائيلي السابق كان يقع تحت عنوان تدمير الأسلحة المخلّة بالتوازن والتي تشكّل خطراً عليها، فيما الاستهداف الحالي يندرج تحت عنواني إخراج طهران من سوريا واستدراجها للحرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نجح باسيل في تصوير نفسه أنّه في حاجة الى «حزب الله» اليوم في مرحلة شديدة الخطورة خارجياً ويحتاج الحزب فيها الى دور باسيل الخارجي والى دور الرئيس ميشال عون الداخلي، من موقعه كرئيس للجمهورية، بتوفير الغطاء المطلوب له؟
وبالتالي هل انطلاقاً من هذه الحاجة سيسهِّل الحزب ولادة الحكومة وحصول باسيل على «الثلث المعطّل»، وكل ذلك قبل مؤتمر وارسو الذي يمكن ان تتجمّد كل الأمور بعده؟
وقد يقول قائل، إنّ الخاسر الأكبر في هذا المشهد سيكون « اللقاء التشاوري»، ولكن بالنسبة إلى «حزب الله» فإنّ موقفه أوجد هذا «اللقاء» وصنع حيثيته، وهو قادر في أي لحظة على تعويمه، إنما أولويات المرحلة الراهنة تدفعه إلى تبدية أولوية على أخرى ربطاً بمصالحه الوجودية. فيما عون وباسيل، بالنسبة إلى الحزب، فهما الرسالة جيداً، بأنّه بين حجزه للحكومة وبين إحباطه القمة العربية، قادر على شلّ العهد عند أي تعارض مصلحي معه.