IMLebanon

ذلك الثلث الضائع

قد يفاجئ اللبنانيون أنفسهم وحتى زعماءهم بمدى تقبلهم لما لا يُقبل. فشلٌ كامل في إدارة شؤون الدولة وتوفير الخدمات والحقوق الاساسية والطبيعية في شتى المجالات: إدارة المال العام، الكهرباء، التعليم، التغطية الصحية الشاملة وضمان الشيخوخة، ومؤخرا الاستهتار بصحة وبيئة الناس عبر تراكم النفايات. ولكن، ما زال هناك من يصطف وراء زعيم وكأن ذلك قدره. مخطوفون نحن عاشقون وممتنون لمن خطفنا. محبطون نحن وشاكرون من أحبطنا.

من تريد رئيسا؟ هل هذا هو السؤال الأساس؟ شيعي أنت، سني، أم مسيحي؟ هل يليق هذا بنا؟ من أرغمك على الإجابة؟

منذ العام ١٩٩٥ و «الدولية للمعلومات» تسأل، ويرصد الباحث نشوء التجاذبات وتكوين الاصطفافات. فمن تأييد راجح للزواج المدني الى تراجع ملموس، ومن تردد أو تمنع لذكر الطائفة الى إفصاح فخور. كنّا نرتب الاجابات وفقا للعمر والجنس ومستوى التعليم والدخل، فأصبحنا نظهرها وفقا للطائفة. مسيحي، أم مسلم كانت كافية. الآن، سني، شيعي، روم، ماروني…الخ.، والحبل على الجرار. أستاذ جامعي، محام، مهندس، طبيب، تاجر، نجار، عاطل عن العمل، أمي، غني، فقير، لا يهم، فالإجابات تتشابه أو تختلف وفقا للطائفة التي أزالت الجغرافيا والمعطيات الاجتماعية والاقتصادية. ولكن، هل نحن طائفيون؟ مستسلمون ربما، مغلوبون مرغمون ربما، مستهترون ربما، ولكنّ المشكلة «ليست في طائفيتنا» فربما لسنا طائفيين. اذا من نحن او ماذا نحن؟

الجواب البديهي: مواطنون، ولكننا لسنا كذلك الآن. اذا لم نكن جزءاً من الطائفة او من الدولة فمن أو ماذا نكون إذاً الآن؟ الجواب العلمي والمدعّم بعشرات الاستطلاعات والدراسات: نحن أتباع الزعيم، وراءه نسير، وهو يقول لنا ماذا يجب أن يكون الجواب. وإلاّ كيف نفسر الاصطفافات الحالية؟ حرب أهلية، هجرة وعوز، خوف وترهل. أي معنى للسياسة وأي معنى للزعامة؟ هل نستفيق؟ فليتبصر الزعماء أن نحو 70% من المستطلَعين يعتبرون أن تفاهمات جعجع وعون وكذلك الحريري وفرنجية ليست طويلة الأمد.

هناك بصيص من نور، يراه الباحث منذ التسعينيات، يخفت حيناً ويتوهج احياناً. ذلك الثلث العابر لتصنيفات الطوائف والخارج عن المتوقع والمألوف هو اليوم على انخفاض. هناك نحو 15% – 20%‏ يقول: «غير معني» او «لا احد». كانت هذه النسبة تتوهّج أحياناً فتصل الى 40%‏. هل ستتكون من هؤلاء نواة لشيء ما؟ هل سيجلس الزعماء او بعضهم ليقولوا: نحن مسؤولون؟ إن لم يحدث هذا او ذاك، فليكن الاستطلاع المقبل لعينة من ستة زعماء فقط يختصرون خمسة ملايين لبناني!