IMLebanon

في أن العرب غائبون

لم تكن إيران تنتظر تصريح أوباما، ولا الرؤساء الأميركيين قبله، كي تعمل لتكون قوة إقليمية. سعت إلى ذلك منذ إطلاق الخميني ثورته. ورث قادة الثورة هذا الموقع من الشاه الذي أطاحوه. عملوا جاهدين للمحافظة على الإرث، مستفيدين من علاقاتهم الدينية والمذهبية وموقع بلادهم الجيواستراتيجي، ومن وقوفهم إلى جانب الفلسطينيين. بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة. انتقلوا من عباءة واشنطن إلى العباءة الدينية. أقاموا علاقات مع كل الذين عاداهم الشاه، من سورية حافظ الأسد إلى الحركات والأحزاب الناقمة على حكوماتها. ولم تستطع الحرب مع عراق صدام حسين ثنيهم عن هذا السعي. وكان الحصار المضروب عليهم، منذ الثورة، لمصلحتهم، في معنى ما. فقد استطاعوا التكيف مع الواقع الجديد، مفضلين العمل مع الإدارات الأميركية حيث تتقاطع المصالح (في أفغانستان والعراق والحرب على الإرهاب) على تنفيذ ما يريده البيت الأبيض.

من هنا استعداد أوباما للسماح لإيران بالتحول إلى «قوة إقليمية ناجحة جداً» إذا توصلت إلى «اتفاق بعيد المدى» مع الغرب على الملف النووي الذي ستليه اتفاقات أخرى تعطي «القوة الإقليمية» حصتها في الشرق الأوسط، وتعيد إليها دورها الإمبراطوري أيام الشاه. ما لم يقله الرئيس الأميركي أن هذا الدور سيثبت نفوذها في العراق ومحيطه، وفي لعب دور أساسي في «الحل السياسي» في سورية. وتقاسم هذا النفوذ مع تركيا باعتبارها الوجه الآخر للإسلام السياسي. فالدولتان استطاعتا، على ما تؤكد مسيرتهما، دمج الأيديولوجيا الدينية (الشيعية والسنّية) مع الأيديولوجيا القومية. ولا شك في أن هذه المسيرة تشبه مسيرة إسرائيل التي حولت اليهودية من دين إلى قومية. والتجارب الثلاث تختلف عن تجربة الإسلام السياسي العربي، ففي مصر، على سبيل المثال، ما أن تسلم «الإخوان» الحكم حتى لجأوا إلى أنقرة لعقد تحالف معها ضد الدول العربية الأخرى. و»إخوان» سورية لجأوا إلى أنقرة «لإنقاذهم» من النظام. وكذلك فعل الإسلام السياسي الشيعي العربي الذي لجأ إلى طهران، قبل الاحتلال الأميركي للعراق وبعده. أي أن العروبة لا تعني للإسلاميين شيئاً. بل هم أعداؤها، في الحكم كانوا أو خارج الحكم. إيران وتركيا تختلفان مع الولايات المتحدة، من موقعهما القومي والإستراتيجي. وتتفقان معها على أساس المصلحة القومية لكل منهما، بينما الإسلام السياسي العربي يتحالف معها على أساس اجتثاث القوميين وتهميشهم، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية والقومية.

انهيار النظام العربي، وتقسيم دول على أسس مذهبية وطائفية وإثنية (سورية والعراق واليمن) أتاح لإيران، وتركيا أيضاً، الدخول إلى المشهد لإقامة نظام جديد على جسد العروبة المحطم. عبر عن ذلك نائب القائد العام لـ «الحرس الثوري» حسين سلامي عندما قال في ندوة خاصة الأسبوع الماضي إن طهران تسعى، مع حلفائها، إلى إقامة هذا النظام، شاءت الولايات المتحدة أو أبت، مؤكداً استمرار إيران في دعم حلفائها لتحقيق هذا الهدف وأنها النموذج في المنطقة.

لا تنتظر إيران هبة أميركية كي تسعى إلى تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط. وقد تتفق معها على حساب المصالح العربية، طالما أن العرب غائبون تحركهم العصبيات (بالمعنى الخلدوني) الطائفية والقبلية والشخصية.