مع وصول دونالد ترامب، الغريب الاطوار، الى الرئاسة في الولايات المتحدة، بدا ان خيار التصعيد الاميركي- الاسرائيلي ضد ايران و«حزب الله» قد تقدم الى الواجهة مجددا، على ايقاع لعبة حافة الهاوية التي تبين انها من «هوايات» الرئيس الجديد.
ولكن، هل يمكن لترامب وحليفه بنيامين نتنياهو ان يذهبا في «المقامرة» الى حد الاندفاع نحو مغامرات عسكرية اقليمية، ترمي الى محاولة إعادة ترسيم التوازنات في المنطقة؟
يقول دبلوماسي غربي في بيروت لـ«الديار» ان مشكلة ترامب تكمن في انه لا يزال يتصرف، بعد انتخابه، كمقدم برنامج تلفزيوني كما كان يعمل في الماضي، وليس باعتباره اصبح رئيسا لدولة كبرى، مشيرا الى ان نهجه أنتج ازمة ثقة واضحة بينه وبين العديد من دوائر المنظومة الاميركية الرسمية.
ويشير هذا الدبلوماسي المعتمد في احدى السفارات الغربية، الى انه من الصعب توقع سلوك ترامب وما يمكن ان يفعله، ملاحظا انه لا يقيس جيدا تصرفاته والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها، بل هو شخص انفعالي يُسبب القلق للكثير من حلفائه المفترضين قبل خصومه المعلنين.
لكن، وبرغم اندفاعات ترامب غير المحسوبة في الكثير من الاحيان، فان الشخصية الدبلوماسية الغربية تستبعد ان يبادر الرئيس الاميركي قريبا الى نقل سفارة واشنطن من تل أبيب الى القدس، كما سبق ان وعد خلال الحملة الانتخابية، مبدية اعتقادها بان الاسرائيليين أنفسهم قد لا يكونوا متحمسين ضمنا لمثل هذه الخطوة، لانها ربما تشكل شرارة لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة وواسعة، تحاول اسرائيل ان تتفاداها.
ولئن كان ترامب قد استهل ولايته بحملة سياسية عنيفة على ايران، إلا ان الشخصية الدبلوماسية لا تتوقع ان يتطور الموقف نحو صدام متفلت من الضوابط، باعتبار ان اولوية الرئيس الاميركي الاساسية في هذه المرحلة، على المستوى الخارجي، انما هي لمحاربة تنظيم «داعش»، وبالتالي من المستبعد ان يخوض مواجهة شاملة على جبهتين في وقت واحد، لا سيما في ظل التعاون الوثيق بين موسكو وطهران، وحرص ترامب على بناء علاقة جيدة مع القيادة الروسية.
ويستبعد الدبلوماسي الغربي ان تشن اسرائيل حربا على لبنان في المدى القريب، برغم ارتفاع لهجة التهديدات المتبادلة بينها وبين «حزب الله» مؤخرا، على وقع تصريحات الامين العام للحزب وبعض المسؤولين الاسرائيليين، واضعا ما يجري على هذا الصعيد في اطار الحرب النفسية التي يشنها كل طرف على الآخر.
وتعتبر الشخصية الدبلوماسية ان التلويح بالحرب من قبل الطرفين هو لمنع وقوعها، وليس لاستعجالها، مشيرة الى ان هناك حسابات دقيقة لديهما تقلص هامش الانزلاق الى مغامرة عسكرية غير محسوبة، ولافتة الانتباه الى ان التوازن الحالي بين اسرائيل والحزب يكاد يشبه، من حيث النتائج لا الحجم، التوازن النووي الذي كان قائما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحال دون اصطداهما عسكريا.
ويرى الدبلوماسي الغربي إياه ان اسرائيل ليست واثقة في قدرتها على حسم اي حرب مقبلة ضد «حزب الله»، مرجحا انها لن تستطيع ان تنهيها في وقت قصير، مع ما سيرتبه ذلك من تداعيات على جبهتها الداخلية التي ستتعرض لاستهداف واسع النطاق، خصوصا ان قدرات الحزب تطورت بشكل كمّي ونوعي، منذ عام 2006.
ويضيف: صحيح ان البنية التحتية في لبنان ستُدمر إذا وقعت المواجهة، ولكن الصحيح ايضا ان الداخل الاسرائيلي سيصاب باضرار جسيمة، وهذا يعني ان حكومة بنيامين نتنياهو ستكون عرضة للضغط والمساءلة من الرأي العام، لان هناك ديموقراطية حقيقية في اسرائيل.
وتلفت هذه الشخصية الدبلوماسية الانتباه الى انه ربما يكون بعض كبار الضباط الاسرائيليين متحمسين لشن حرب على «حزب الله»، في هذا التوقيت، مفترضين ان وجود ترامب في الرئاسة الاميركية واستنزاف الحزب في سوريا يشكلان فرصة ثمينة لخوض هذه الحرب بأفضل الشروط، لكن هؤلاء لا يزالون حتى الآن اقلية.