لئن كانت جلسة الانتخاب الـ 12 حافلة بالمؤشرات التي تستحق التشريح، الا انّ الأهم يبقى في استخلاص العبرة الاساسية منها، وهي ان ميزان القوى الحالي في المجلس النيابي لا يسمح بفوز عددي لأيّ اسم، وانّ المطلوب استبدال القطيعة بين فريقي سليمان فرنجية وجهاد أزعور بتَقاطع بينهما على مرشح متوافَق عليه.
تفسيرات كثيرة أُعطيَت لجلسة 14 حزيران ولنتائجها المطّاطة التي وجد فيها كل من طرفي «المنازلة» الانتخابية نصراً له ونكسة للآخر. إنها جلسة الموناليزا التي تمنح كل طرف انطباعا بأنه رابح تِبعاً للزاوية التي ينظر منها الى الأرقام.
لكن وبمعزل عن انحياز العواطف السياسية الى هذا الاتجاه او ذاك، فإن الأكيد هو ان جبهة سليمان فرنجية حققت اكثر مما كان يُتوقع لها، فيما حصلت جبهة جهاد أزعور على أقل مما كانت تفترضه بموجب حسابات الورقة والقلم.
والواضح ان القوى الداعمة لأزعور بالغت في الصخب والضجيج قبل جلسة الانتخاب انعكاساً لثقة زائدة في النفس من جهة وترجمة لحرب نفسية شنّتها على خصومها وحتى على النواب الحياديين من جهة أخرى، فرفعت سقف التوقعات مسبقاً ربطاً ببوانتاجات غير دقيقة، الى درجة ان البعض بدأ يروّج مبكراً لفوز أزعور بـ65 صوتاُ في الدورة الاولى، وصولا الى التلويح باحتمال إعلانه رئيسا للجمهورية ارتكازا على اجتهاد دستوري «غب الطلب».
في المقابل، لجأ «التحالف» المؤيد لفرنجية الى تطبيق تكتيك مُغاير، فاعتمد قاعدة «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، ونشط بصمت وبصبر في الكواليس، بعيدا من الاضواء والضوضاء، لرفع حاصل مرشحه الى ما فوق الخمسين صوتاً، تاركاً للطرف المنافس ان يسرح ويمرح، على اساس ان المهم هو من يضحك اخيراً.
وبهذا المعنى، كان لافتا في الحسابات السياسية انّ الـ51 صوتا التي نالها فرنجية بَدَت من حيث الدلالات وكأنها أكثر من الـ 59 صوتا التي حصل عليها أزعور، والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى استعجال «محور التقاطع» في الترويج لقدرته على القفز فوق حاجز الـ60، فلمّا عجز عن فعل ذلك ظهر وكأنه مُنكسر.
وبعد جلسة تظهير الاحجام وتثبيت التوازنات، قرر قيادي بارز في الثنائي الشيعي ان يمضي صباح اليوم التالي على طريقته الخاصة، وان يُعطي إشارة الى ارتياحه الكبير بعد نتيجة جلسة 14 حزيران، فارتأى ان يخصص جزءا من وقته لحل شبكة الكلمات المتقاطعة في إحدى الصحف، انسجاماً مع «موضة» المرحلة، قائلاً: على الاقل، التقاطع هنا له معنى وجدوى.
واذا كان كلّ من معسكرَي فرنجية وازعور يجد في حصيلة الجلسة مكسباً ما، فإنّ الثابت هو ان النواب التغيبريين الذين صوّتوا لأزعور خرجوا بهزيمة كاملة، إذ انهم خسروا أنفسهم وصدقيتهم من غير أن يربحوا الرهان على أزعور.
ووفق اوساط مراقِبة، لقد تبين ان هؤلاء بلا «رْكاب» وسريعي العطب، فخضعَ جزء منهم للضغط والتنمر واضطر الى تجرّع الكأس المرّة او السامّة، فيما انقلبَ جزء آخر باسم الواقعية على ادبياته السياسية وعلة وجوده عبر الاقتراع لاحد رموز ما تسمّى «المنظومة» التي يفترض ان انتفاضة 17 تشرين كانت موجهة ضدها.
خلاصة الأمر، أن لا فائز في جلسة امس الأول بالضربة القاضية التي لا يملك احد أصلاً القدرة على توجيهها مهما كانت عضلاته النيابية مفتولة، ذلك أن الديموقراطية التوافقية التي يفرضها النظام الطائفي، وبمعزل عن مساوئها، تُلزم الجميع في نهاية المطاف بأن يذهبوا الى التسوية التي هي ممر الزامي لإنجاز الاستحقاقات الوطنية، مع الأمل في أن لا تكون كلفة الإقرار بهذه الحقيقة مُكلِفة هذه المرة أيضاً