IMLebanon

الذكرى الـ15 لأحداث السابع من آب

الذكرى الـ15 لأحداث السابع من آب

عن نعيم «المقدام» وطوني «الآدمي».. وزياد «المنظّم»

تحفر ذكرى يومي 7 و9 آب 2001 عميقاً في الوجدان العوني. لهم معها شريط من الصور والأخبار والذكريات. بعضها مؤلم وبعضها الآخر يفيض عنفواناً وفخراً. كأنها معمودية انتسابهم الى حزب هو أكبر من أن تحدّه هيكلية وأصغر من أن تذبحه تشوّهات السلطة ومفاسدها وإغراءاتها.

في الذكرى السنوية الخامسة عشرة لهذه المحطة، وقفة عند مفارقة أن تشمل أول إجراءات عقابية في «التيار الوطني الحر» ثلاثة من رموزه كانوا من صنّاع تلك المحطة المفصلية بصرخاتهم وتضحياتهم في ميادين الاعتراض والاعتصامات في شوارع العاصمة بيروت.

نعيم عون

بقدر الضوضاء التي أثارتها إطلالتا نعيم عون، عبر شاشتي «الجديد» و«ام. تي. في»، بقدر ما تباهى رفاقه ومؤيدوه ليكرروا في ما بينهم: هذا هو «نعيمُنا». صحيح أن الرأي العام اللبناني يتعرف إليه حديثاً، لكن نعيم الياس عون في قلب الحالة العونية يعني باختصار: «التيار الوطني الحر».

هو من لحم ودم القائد ميشال عون. الحامل لاسمه. المشاغب، المقدام، الحامل للقضية منذ نشأتها، الحاضر دوماً حتى وإن اعتصم بالصمت في «صومعته»، ولطالما فعلها. حائط مبكى رفاقه حيناً وملجأهم حيناً آخر. مستمع جيد حين يكون متحدثه شاكياً، ويفيض في تعابيره وتوصيفاته وخططه «الإستراتيجية» حين يكثر المسـتمعون من حوله. الجامع بين الطيبة والقساوة. صريح وواضح. شفافيته فجّة لا يجمّلها أي مجهود للمسايرة.

بين نعيم الشاب «الطحّيش» ونعيم الرجل المنظّم الأفكار والمنطق، ثمة سمة لم تتغير فيه: جريء ومندفع الى الأمام خصوصاً اذا كان الرفاق على المحكّ. كان يرمي نفسه بشاحنات القوى الأمنية حتى يكون مع بقية الشباب الموقوفين. وحين يكون الاعلام متبلّداً تجاه قضية بعض المعتقلين، كان نعيم يخترع «مشكلاً» ليدخل السجن ويجلب معه الأضواء!

يصعب وضع تاريخ يحدد علاقته بالتيار. هو الذي رافق عمّه العماد ميشال عون مذ أن كان الأخير قائداً للواء الثامن ومن ثم قائداً للجيش. مع النفي إلى العاصمة الفرنسية، لعب دوراً مزدوجاً: ملازمة عمّه على مدى أربع وعشرين ساعة لمدة عامين في الـ haute maison، ودينامو العلاقة بين القائد وجنوده الطلاب الذين تبرعوا بمتابعة «ثورتهم السلمية» في بيروت.

إلى منزل والده «أبو نعيم» كان يلجأ الشباب، وهو المنزل الذي عاش فيه «الجنرال» بعض سنيّ الثمانينيات وكان نعيم في مقتبل عمره. في زوايا هذا المنزل، كانوا يخطون المناشير الممنوعة. له في سجل الاعتقالات صولات وجولات، وفي 7 آب كان آخر العائدين إلى الحرية.

لطالما ابتعد عن الأضواء فخبّأ سلاح الشاشة الصغيرة الأبيض الى يومه الأسود. من القلة النادرة التي عملت في الظل ومن دون «لقب». كتوم مع أنّ بمقدوره أن يحكي لساعات حتى يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن عمّه، ولكن ثمة شيئاً لا يفصح عنه. غرامه في أن يلعب دور المرشد، وهو سلوك ورثه عن والده وعمّه. لا تعنيه التفاصيل الصغيرة. حدّثه دوماً عن الإستراتيجيات، المصلحة الجماعية، الفائدة من أي خطوة وحساباتها وأثمانها…

قد تجد بين رفاقه من يشكو من طباعه الحادة، ولكن لن تجد من يرميه بتهمة «الوصولية المبتذلة». والأكيد انهم يجمعون على منحه ثقة عمياء لقيادة «المعركة»، وهم الذين اختبروه في أقسى المفاصل. هو أكثر من يعرف نبض «التيار» ويحفظ تفاصيله.

هو و «الجنرال» يعرفان كيف يتفاهمان ويتناغمان فكرياً، وكيف يخاصمان بقساوة الصخر… نقطة قوته أنه ليس من جماعة الانشقاقات وهو لا يريد شيئا لنفسه، سواء في قيادة «التيار» أو في أي مقعد نيابي أو غير نيابي. لو رغب بذلك، لكان قد تجاوب مع عروض وإغراءات، لكنه ظل متمسكاً بالقضية.. ولو أنه لا يضمن دائما النتيجة.

انطوان نصرالله

قد لا يصدّق البعض أن طوني نصرالله محامٍ ممارس للمهنة وحائز على شهادة في العلوم السياسية وثانية في التاريخ. يعرفه كثر بوصفه المسؤول الإعلامي لـ «التيار الوطني الحر»، ولا شيء غير ذلك. التصق اسمه بالتواصل مع الاعلاميين مذ كان رئيساً للجنة الإعلام، قبل أن يتمّ تنحيته إثر «الثلاثاء الأسود» من العام 2007… ولكن من دون أن يفقد هذه المكانة لدى عارفيه بقي رئيساً للاعلام في الظل، بعدما عجز كل من أتى من بعده على أن يملأ الحد الأدنى من المساحة التي شغلها هذا القيادي الناجح.

في العام 1989 كانت البداية من أمام السفارة الأميركية حيث اعتصم بعض الطلاب دعماً لـ «حرب التحرير» التي يقودها «الجنرال»، فبدأت مسيرة عمر كرّسه الطالب المتحمس لقضيته الوطنية، ليصير فيما بعد مسؤولاً للجنة الطلاب، ومن ثم رئيساً للجنة المحامين (يوم اعتقاله في 7 آب 2001).

حينها كان الاعتقال بالنسبة اليه قدراً طبيعياً، وأكثر ما عزّ عليه دموع والده حين أتاه زائراً في السجن. سمي طوني عضواً في لجنة الاعلام قبل أن يترأسها، لينهي مشواره الحزبي بتقديم ترشحه عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة المتن الشمالي… اسم على لوائح لم تر النور.

هو من جيل نعيم عون، زياد عبس، طانيوس حبيقه، زياد مونس، ايلي بيطار، رمزي كنج، طوني حرب وكل أولئك الذين شاركوا في الخلوات التنظيمية الأولى لـ «التيار»، ومن صاغوا أولى الهيكليات. من وزّعوا المناشير وركضوا في الاعتصامات واعتُقلوا وأطلق سراحهم ولم يبارحوا الميدان. واحد ممن عرفوا كيف يتسللوا الى السياسة باكراً من خلال اللقاءات الطلابية التي كانت تعقد مع «منظمة الشباب التقدمي» (زمن وائل أبو فاعور). مع الشيوعيين، القوميين، حركة «الشعب»، «حزب الله». حتى أنّ أحد رفاقه يجزم أنه كان عرّاب أول زيارة قام بها نهاد المشنوق الصحافي (في «السفير») الى الرابية.

يذكر نصرالله جيداً أول رحلة له خارج البلاد في العام 1998. الى باريس طبعاً. وقد اختار الشباب الخطوط الصربية تخفيفاً للأعباء المالية. يستعيد بنشاط شريط الساعات السبع التي أمضوها في المطار الصربي قبل انتقالهم الى باريس ليستقلوا القطار قبل أن يطرقوا باب الـ haute maison.

نصر الله عاشق للكلمة، قراءة وكتابة، معروف عنه أنه دمث الأخلاق، «آدمي» وفق توصيف رفاقه، ما يفسر ميله دوماً الى الجلوس في حضرة الرهبان ورجالات الكنيسة. نشيط، طيب القلب ولو أنّ عصبيته قد تخرجه أحياناً عن طوره. اختار العمل النضالي بمشيئته وهو الخارج من بيت بحمدوني غير حزبي، وحين كان يواجه بمقولة إن الأحزاب وجوه متعددة لعملة واحدة تستغل طاقات شبابها لترميها عند اول مفترق، كان جوابه إن الجنرال يمثل ثورة على كل الموروثات… ولكن يبدو اليوم أنه أعاد النظر بموقفه، فـ «التيار» بنظره «يتجدد اليوم بالأشخاص الخطأ.. وبالتوقيت الخطأ».

زياد عبس

لعل أكثر ما يميز زياد عبس عن غيره من رفاقه في «التيار»، قدرته على التنظيم، لكأنه خُلق لأجل هذه المهمة. يسجل له عارفوه أنّه عاشق للعمل ضمن مجموعة. يعرف كيف يستفيد من هذا المفهوم. كل شيء من حوله منظّم: رؤيته لموقعه، مستقبله، تواصله مع الناس، شغله الخاص، أوقاته مع عائلته ورفاقه. لكل شيء وقته وخطة عمله وبرنامجه.

يعرف كيف يحسب خطواته بالمسطرة والقلم. يحرص على ترك خط للرجعة. براغماتيته تطغى في كثير من الأحيان على حماسته، فتلجمه حين يلزم وتحوله من طالب مشاغب قصد يوماً قصر بعبدا سيراً على الأقدام طمعاً بلمحة عن بُعد من «القائد»، الى سياسي يعرف كيف يقتنص الفرص ويلعب على التناقضات ويتخذ الموقف المناسب في اللحظة المناسبة.

مع خروج عبس من «التيار» الذي أمضى حياته في صفوفه، تبيّن لراصديه أنّه قادر على محاكاة الرأي العام والتأثير به، بعدما كانوا خبِروا قدرته على تنظيم «مجموعته» البيروتية التي له تدين بالولاء، وهذا ما حوّله الى «هدف» مطلوب رأسه حزبياً وانتخابياً!

مسيرته «البرتقالية» تنقلّت بين الشارع والصالونات السياسية. فهو من الذين كانوا يوفدون في بداية التسعينيات للقاء وليد جنبلاط على الرغم من حداثة تجربته وسنّه. كان من أوائل الأشخاص الذين ناقشوا مع العماد عون فكرة الحوار مع «الآخر».

قبيل عودة «الجنرال» تولى إجراء الاتصالات السياسية مع الكثير من القوى. عرض على رفيق الحريري فكرة المؤتمر الوطني لتأمين انسحاب لائق للسوريين، كما شارك في لقاءات البريستول قبيل زلزال 14 شباط 2005 وبعده. دوّن اسمه 28 مرة على سجل «الاعتقال الذهبي».

خاض زياد عبس مع «حزب الله» تجربة «وثيقة التفاهم»، بشراكة كاملة مع رفيقه جبران باسيل من «التيار»، ومع غالب أبو زينب ومحمود قماطي من قيادة «حزب الله».

لطالما اعتقد المناضل العتيق أنّ مهمته ستنتهي مع خروج الجيش السوري من لبنان. لم يخطر بباله أّنه سيكون حاضراً في «مسيرة التحرر بعد التحرير». ولكن في أحد الأيام، وقع التحدي: «حين سمعت أحد السياسيين الذي كان يناقشني مراراً في جدوى المقاومة والاستمرار بتأييد العماد عون «الذي انتهى ولن يعود أبداً الى لبنان»، ينصحني بالتخلي عن هذه المسيرة وتأمين مصالحي الشخصيّة، لأنّه حتى لو انسحب السوري لن يكون هناك مكاناً لك ولرفاقك. فقررت أن أثبت له العكس…»

اليوم انتقل زياد عبس من الحالة البرتقالية التنظيمية الضيقة، الى الحالة العونية الواسعة. لا يندم على تاريخه أو حاضره. أسفه الوحيد أنه كان بمقدوره أن يمضي وقتا أكبر مع عائلته الصغيرة. لعله يعوّض ذلك في الآتي من الايام.