حاملة توصية من الأمين العام السيد حسن نصر الله بالوقوف على خاطر «الجنرال» والإستعداد لتلبية كلّ ما يرغب، زارت كتلة «الوفاء للمقاومة» الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون. اللقاء كان جيّداً. في أماكن معينة تبنّى عون حديث رئيس «التيار» جبران باسيل ومواقفه. إنتهى اللقاء بتأكيد الطرفين إستمرار العلاقة بينهما. إذاً، بدفع معنوي من السيد والجنرال يصمد تفاهم مار مخايل في ذكراه. يذهب باسيل بعيداً في مواقفه ويغازل الخارج بحثاً عن مخرج للعقوبات المفروضة عليه لكنّ مصلحته تقتضي إستمرار تحالفه مع «الحزب».
بالصمت المتبادل يحتفل «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» بذكرى سبعة عشر عاماً على تفاهم مار مخايل. صمت يوحي بالكثير من الكلام الذي باحوا ببعضه ويكتمون بعضه الآخر. هي الذكرى الأولى بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. ولاية تعرّض فيها الرئيس وتيّاره في السنوات الثلاث الأخيرة لحملات عنيفة، من دون أن نغفل أنّ جوهر المعركة الحقيقية كان يستهدف خيارات التيار الاستراتيجية الكبرى، أي تحالفه مع «حزب الله». وبالتالي كان «التيار» و»الحزب» يواجهان وكل من موقعه هذه الحملة.
عجز ميشال عون في تحقيق الآمال التي عقدت على وصوله، والفشل في تحقيق الأهداف التي حدّدها التفاهم أصابا بيئة عون و»التيار» بخيبة أمل فراحت هذه البيئة تضغط باتجاه يمكن تلخيصه بالآتي: «حزب الله» لم يساعدك على مشروع بناء الدولة. أولويته وأولوية مجتمعه قد لا تكونان أولويات مجتمعنا نفسها. مسألة تظهير الخلاف على الأولويات بين ما يمكنه «التيار» وبين ما يمكنه «حزب الله» جرى اللعب عليها كثيراً لتغذية الفوارق.
وجد «التيار» نفسه مضطراً من جهة للحفاظ على تفاهمه مع «حزب الله» ومن جهة ثانية أن يرفع الظلم اللاحق به لفشله في بناء الدولة، فراح يرفع الصوت عالياً، ليظهر أنه التقط الإشارات، ويُسمع شريكه أن عليه أن يتحرك. هنا اصطدمت أولوية المجتمعين أو الأسلوب بين من يقول نحن مضطرون أن نصارح مجتمعنا بما يجري، ومن يقول نحن نحبّذ معالجة مشاكلنا أو علاقتنا داخل الغرف المغلقة، فكان الخلاف بين ثقافة النقاش العلني لإقناع الرأي العام وثقافة «إستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». بين مقاومة أولوياتها حماية نفسها وحماية شعبها وأرضها واضطرارها لتقديم تنازلات داخل البيئة الشيعية، وبين طموحات «التيار الوطني الحر» الذي يظن أنه بالدعم الشعبي الذي يملك والرؤية التي يملك هو قادر على تلبية طموح جمهوره بقيام دولة بعدما أقنعه بوجوب الإنخراط في لبنانيته ومشرقيته.
كان «التيار» يعتقد أنّه قادر أن يقطف ثمار خياراته. لم تكن ساعتا «التيار» و»الحزب» منضبطتين على توقيت واحد. في العمق يدرك الطرفان أن تلاقيهما هو حاجة وضرورة لكلّ منهما. أكثر ما أضرّ بهما هو رفع سقف الأمنيات من جانب «التيار» وانخفاض سقف التجاوب من قبل «حزب الله»، وأكثر ما أضرّ بهما أيضاً هو أنهما وبسبب العجز الذي فرض على الطرفين جرى تسويق مجمل العلاقة على أنها أنتجت فشلاً وخراباً، وكان في المرصاد من يتربّص ويتحيّن الفرص لتزكية هذا الإفتراق في الوقت الذي لو نظرنا فيه الى السنوات الماضية من عمر العلاقة فإن بإمكاننا أن نسجل لمصلحة لبنان و»التيار «و»الحزب» الكثير من الإيجابيات التي تحقّقت.
مستقبل العلاقة
ماذا عن مستقبل العلاقة؟ في قاموس «التيار» فإن «الأهم والأساس هو ما قام به «التيار» و»الحزب» من حيث أنهما أسّسا عميقاً لثقافة القبول والوعي لموضوع الحاجة والتسليم بالتعاون بالدرجة الأولى بين الطائفتين الشيعية والمسيحية. ما أرساه «مار مخايل» على صعيد إعادة الثقة بين الطائفتين هو أهم بكثير من علاقة التيارين السياسية.
لا يرى التيار»موجباً للإنفصال الدراماتيكي» غير أنّ «العلاقة لا تزال تحكمها البرودة ما يستوجب إعادة التفكير بالأولويات وإعادة حياكة العلاقة وترميم نسيجها على أسس جديدة وهذا أمر محتوم ويجب أن يحصل».
لا يعني واقع العلاقة الراهن أنها «محكومة بالذهاب من الزواج الماروني إلى الطلاق بالثلاث. بين هذين الحدين هناك إمكانية لإعادة صياغة عقد الزواج القائم بينهما». هذا العقد الذي وقع في تفاهم مار مخايل وكانت جرت محاولات عدّة لتقييمه ولسدّ الثغرات فيه ولمراجعته ولإجراء جردة حساب حوله وقد انطلقت هذه القراءة التي كلفت بها شخصيات من الطرفين لولا أن مسار التطوّرات والأحداث فرمل خطواتها دون التوصل الى النتائج المرجوة. يؤكد الطرفان أنّ البرودة بينهما «لن تبلغ حدّ المخاصمة»، لكن إذا استمرّ «حزب الله» في طرح ترشيح سليمان فرنجية فهناك احتمالان لا ثالث لهما من وجهة نظر «التيار»: فإمّا أن يصبح «حزب الله» شريك «القوات اللبنانية» الموضوعي ويتفق معه على فرنجية، وإما أنه لا يتفق معه ويستمرّ باسيل على رفضه وعندها لن يتمكن «حزب الله» من إيصاله. ويعني ذلك أن التفاهم صار بحاجة الى إعادة نظر.
ذلك أنّ قول النائب علي حسن خليل بالقبول بانتخاب فرنجية بغالبية 65 صوتاً من دون الكتلتين المسيحيتين فيه من الخطورة ما يكفي لأن يهدد مسألة الشراكة في قاموس «التيار الوطني». ومثل هذا الأمر كفيل أن يعيد عقارب الساعة الى زمن الرئيس رفيق الحريري يوم كان انتخاب النواب المسيحيين محصوراً فيه وهو صاحب المقولة الشهيرة «أوقفنا العد». يأمل «التيار» ألا تصل الأمور مع حليفه إلى هذا المستوى ما يعطي الحجة القوية للمطالبين بالتقسيم ويلتزم حينها باسيل الصمت وورقة سليمان سقطت وثمنها صار غالياً جداً وإلا إذا كان باسيل أراد المقايضة خلف الأبواب المغلقة لفعل. الفوارق بالشكل والمضمون تحكم العلاقة بين الحليفين ولكنهما يحاذران الإنزلاق إلى الأخطر وهو ما يفسّر الكلام الخطي للنائب محمد رعد وكأنّ «حزب الله» يستدرك الوضع لكي لا تتفاقم الأمور واللعب على عامل الوقت، يلاقيه باسيل على الأسلوب نفسه وهو الذي طالب باتفاق جديد مع «حزب الله». المطلوب من «حزب الله» حسب «التيار»، المراجعة في ضوء ما يحصل والمطالبات بالتقسيم التي يتردّد صداها فضلاً عن عظات البطريرك بشارة الراعي التي يفهم منها وكأنها تطالب رئيس «التيار» بالضغط على حليفه لكي لا يُحرَج المسيحيون أكثر.
الحليفان في حالة ربط نزاع حالياً. يسيران في حقل ألغام يستوجب عليهما التنبّه لأي دعسة ناقصة. حريص «حزب الله» على عدم فرط عقد التحالف مع «التيار» عملاً بتوصية أمينه العام السيد حسن نصر الله. لا مصلحة لكليهما بالخروج والإبتعاد عن الآخر وتمايز جبران يفهم طالما لا يصل حدّ التجريح. يعلم «حزب الله» أنّ القشة التي يمكنها أن تقصم ظهر البعير هي إعلان ترشيحه فرنجية وهي خطوة لن يقدم عليها طالما لم يتأمن إنتخابه بعد ومتى تأمّن فلكل حادث حديث.