IMLebanon

انتخابات 2018 والندوب النازفة بين «حزب الله» و«التيار العوني»

انتخابات 2018 والندوب النازفة بين «حزب الله» و«التيار العوني»

لجوء الأحزاب إلى العائلات، لا سيما المسيحية يكشف حالة العجز.. وبعلبك – الهرمل في عين العاصفة

 

 

 

«التوجس مستمر من أداء باسيل والأخير لم يستسغ ترشيح زعيتر في جبيل – كسروان»

قد يكون من المبكر قراءة معاني ودلالات كثرة المرشحين إلى الانتخابات النيابية، والذين لامسوا الألف، بينهم 111 مرشحة. لا شك أن النسبية التي ارتكز إليها القانون، وما رُوّج لها من أنها تضع حداً لـ«المحادل» وتكسر الاحتكار وتفتح الباب أمام التنوع السياسي, وتعطي فرصة لشرائح واسعة من المجتمع للانخراط في الحياة البرلمانية وظهور وجوه شابة جديدة،  شكلت  كلها عوامل دفع لمن يتعاطى في الشأن العام  والمجتمع المدني والإعلام لخوض غمار هذه التجربة. لكن التعمّق قليلاً في تركيبة القانون وشروط اللوائح والصوت التفضيلي الذي يُحوّل المعركة بين مرشحي اللائحة ذاتها إلى «معركة كسر عظم»، ويحمل في طياته «نفحة» القانون الأرثوذكسي المرتكز على أساس الاختيار المذهبي، يجعل من طفرة المرشحين دليل ترف وتشتت وحتى شوفانية، ودليلاً صارخاً على غياب القدرة لصوغ مشاريع وطنية خارج «الأنا».

الترف والتشتّت والتشرذم ستعود كلها، مرة جديدة، لتخدم الأحزاب والتيارات السياسية التي تمتاز بإمكاناتها المالية والتنظيمية وماكيناتها الانتخابية وجيش المندوبين والحضور القوي لها في كل منطقة وبلدة وحيّ وزاروب، وتلك التي تمتاز بكل هذا إضافة إلى سطوتها وقبضتها على ببيئاتها الحاضنة وعلى البيئات الأخرى بفعل مفاعيل «فائض القوة»، ووسائل الترغيب التي تأتي لتخدم المشروع الأساس. هنا الحديث يتناول من دون لَبْس «حزب الله» الذي يدخل المعركة لتحقيق مشروعه منذ أن أبصر النور، وعمد إلى انتهاج اللغة والخطاب والسبل التي تراعي بشكل مرحلي طبيعة وتركيبة لبنان إلى أن نجح في تمكين نفوذه.

وعلى أهمية استئثاره و«حركة أمل» بالمناطق ذات الثقل الشيعي بشكل كلي، أو شبه كليّ، تاركاً حيزاً للحركات الاعتراضية التي لا تصل إلى أي نتيجة فعلية، بل تؤمن متنفساً مدروساً، وعلى أهمية دعمه للحلفاء الخالصين الملتزمين كلياً بمشروعه من السنة أو الدروز ويدورون في فلكه، أو المسيحيين الذين ينضوون في «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، فإن ثمة معركة مهمة يخوضها «الحزب» في هذه الانتخابات تحمل دلالات جديدة، لا بل رسائل للداخل والخارج.

كان واضحاً نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم حين اعتبر أن المعركة هي معركة تثبيت شرعية «حزب الله»، حيث أن العالم بأجمعه لا يمكنه أن يتجاهل النائب المنتخب، وبالتالي فإن التصويت بكثافة لمرشحي «المقاومة» ونجاحهم سيجعل الآخرين مرغمين على الاعتراف بتمثيلهم الجامع لأبناء طائفتهم ومناطقهم. فـ«حزب الله» يقارب هذه الانتخابات بمنطق مختلف لمقاربته السابقة للاستحقاقات النيابية منذ العام 1992. فهو اليوم يتعرّض لهجمة خارجية تهدف إلى تحجيمه واستهدافه، وهو يريد تعزيز شرعيته عبر صناديق الاقتراع لا عبر قوة سلاحه في إطار مواجهة تلك الهجمة، إنما بهدف تجيير النتائج لخدمة مشروعه الأكبر، سواء في إطاره الدفاعي أو الهجومي.

من هنا تكتسب المعركة التي يخوضها «الحزب» في دائرة جبيل – كسروان أهمية كبرى. فتلك المنطقة تعتبر عرين الموارنة، (دائرة كسروان تضم خمسة نواب موارنة، ودائرة جبيل تضم نائبين مارونيين إلى نائب شيعي بفعل الحضور الشيعي في بلاد جبيل الذي لا يتجاوز العشرة بالمئة من الناخبين). صحيح أن الكتلة الشيعية الناخبة المتراصّة شكّلت في الانتخابات السابقة رافعة أساسية للتيار العوني في جبيل، كما في جزين وبعبدا، مَكّنته من أن يتقدم على غيره من القوى المسيحية، لكنها جاءت في إطار قرار استراتيجي لـ«الحزب» جسّده «تفاهم مار مخايل»، وشكّل آنذاك غطاء مسيحياً له ببعده الداخلي في وجه ما كانت «قوى الرابع عشر من آذار» تُشكّله من وحدة إسلامية – مسيحية.

اليوم ثمّة تحوّل نوعي لـ«الحزب»، وإن كان لصيقون به يقولون أن الحزب لم يُخطّط له بل فرضته طبيعة القانون. هذا التحوّل يكمن في القرار شبه النهائي بأن يؤلف  مرشح «الحزب» الشيخ حسين زعيتر لائحة تضم إليه وجوهاً مارونية من جبيل وكسروان، يشكل هو الرافعة الفعلية لها كونه القادر على رفدها بكتلة الأصوات الشيعية الذي ستوفر له الصوت التفضيلي، فيما تمنحه هذه اللائحة أصواتاً تمكنه من ضمان الحاصل الانتخابي. في المحصلة، فإن مَن سيفوز في هذه اللائحة هو المرشح الشيعي وحده دون سائر المرشحين الذين يدخلون اللائحة لضمان فوز مرشح «حزب الله»، في رسالة جليّة بأن الناخبين في عرين الموارنة، خصوصاً إذا ضمّت اللائحة أسماء وازنة، هم أيضاً يمحضون «الحزب» شرعية. رسالة جليّة بأنهم تطوّروا مِن كونهم «كتلة ناخبة» إلى «مرشحين» فـ«مهندسي لائحة». هي تعبير عن تمدّد حجم النفوذ والتأثير ليس فقط في بيئتهم الحاضنة حيث الأمر طبيعي، بل في أكثر بيئة تمثل عصب الموارنة.

فالحزب كان بإمكانه أن يُراعي طبيعة المنطقة التي يخوض فيها معركته ويُرشّح شخصية قريبة منه، لكنه قرّر تجاوز حال المراعاة إلى المُجاهَرة، وبرز هذا في كلام الشيخ قاسم، يوم أطلق الماكينة الانتخابية لجبل لبنان. في رسالته للداخل، وللمنطقة أولاً، جاء اختيار زعيتر مُعبّراً. هو النموذج الأفضل الذي يعكس بوضوح عقيدة «الحزب» وسياسته ومشروعه وحساباته. ورغم محاولة العارفين «ببواطن الحزب» الإيحاء بأن  ما يجري في دائرة جبيل – كسروان ليس تعبيراً عن سياسة جديدة بل ضرورة انتخابية، فإن فوز زعيتر – إن حصل – سيكون فوز «النموذج»  بأصوات اللائحة التي شكّلها، ولو ترأسها ماروني، من دون الحاجة إلى مظلة «التيار الوطني الحر» الذي كان يُوفّر المظلة المارونية للمرشح الشيعي، والذي في المرات السابقة اختاره التيار وبارك «الحزب» هذا الاختيار، لكن في هذا الاستحقاق الانتخابي فإن «الحزب» اختاره من بين  كوادره، وبالرمزية التي يُشكّلها ليكون في كتلته الحزبية وليس في كتلة التيار.

هذا الأمر لم يَستحسِنه «التيار الوطني الحر» كثيراً، ولكن لا يبدو أن «الحزب» يأبه لهذا الأمر، على أقله راهناً. فتحوّله النوعيّ يؤشر إلى جملة من الوقائع، أولها أن ندوباً حقيقية تصيب العلاقة السياسية بين «حزب الله» وحبران باسيل، وإن كان «الحزب» حريصاً على التأكيد أن وجود الجنرال ميشال عون على رأس الدولة يمثل ضمانة له على المستوى الاستراتيجي. فـ«الحزب» أصابته «نقزة» كبيرة من طريقة تناول باسيل لحليفه في «الثنائية الشيعية» نبيه بري، وفي تطاوله عليه بما يمثله من موقع في سدّة الرئاسة الثانية، الأمر الذي خلق حالاً من التوجّس لم يتبدّد حتى الآن في ظل الإشارات التي تصل  «حارة حريك» عن  استمرار باسيل في لعب دور سلبي حيال بري لدى الدوائر الخارجية، هدفها التحضير لمعركة انتخابات رئاسة المجلس والتي تدل – حسب رأي هؤلاء العارفين – على جهل رئيس «التيار» بموقع بري في المعادلة الشيعية، وبما يُشكّله من خلال موقعه، من ضمانة لـ«الحزب» ومظلة له أمام المجتمعين العربي والدولي.

أما ثاني هذه الوقائع، فهي تدل على مدى ضعف الأحزاب المسيحية الرئيسية التي تبدو عاجزة عن تشكيل لوائح حزبية تخوض فيها الانتخابات، فيما هي تفتش عن العائلات للتحالف معها من أجل رفد تلك اللوائح بأصوات إضافية لتأمين الحاصل الانتخابي وحتى الصوت التفضيلي.

وقائع لا تنحصر فقط بالأحزاب المسيحية، بل تنسحب أيضاً على غيرها من القوى الأخرى في دوائر ثانية، إذ تدخل الانتخابات بعلامات من الإرباك في تحالفاتها الانتخابية التي ستنعكس لاحقاً على تحالفاتها السياسية في المجلس النيابي، فيما «الثنائي الشيعي» ولا سيما «حزب الله» مرتاح إلى وضعه مع حساباته التي تضمن له الحصول على «الثلث المعطل» في البرلمان، غير أن عينه تبقى على دائرة بعلبك – الهرمل كي لا يَنفُذ منها الآخرون لتسجيل خرق انتخابي في أحد المقاعد الشيعية، والذي لن يكون – إذا حصل – من حصته، بل من حصة «أمل»، أو الإطاحة بـ«المرشح اللغز»… جميل السيد!

رلى موفّق