IMLebanon

هل يصلح تكتيك السلطة في حراك 2015 مع ثورة 2019؟

 

تجاهلت الحراك ثمّ ركبت موجته ثمّ “حطّمت ركابه

 

كأننا عدنا خمسة أعوام… الى الوراء كأننا عدنا أربعة عشر عاماً… كأننا عدنا الى ما قبل قبل الإستقلال… مئة عام الى الوراء… الى كلِّ الغضب والرفض ومرادفات الثورة وأشكالها. اللبنانيون، كل اللبنانيين، في الشارع. مشهدٌ أعادنا سنوات كثيرة الى مشاهد فيها كثير من الشعارات وقليل قليل من الإيمان والثقة بدولةٍ لبنانية صارت لكثرةِ ما أنهكت شعبها شاحبة متهالكة نافرة وبشعة.أمس، بينما كان الشعب “يتنفس” صراخاً وغضباً وحرق دواليب وقطع طرقات، ازدحمت من جديد صور تظاهرات غاربة، أقربها تظاهرات حراك 2015… أتتذكرون حراك “طلعت ريحتكم” و”بدنا نحاسب” و”عالشارع” و”شو ناطرين” و “بدنا رئيس”… اليوم يوجد رئيس دولة لكن ماذا عن غضب أهل الدولة؟

“طلعت ريحتكم” طلعت من جديد من خبايا السنين مستعيرة مرادفات قديمة تحت هاشتاغ “لبنان_ينتفض، متوجة حراكها بمطالب: رفضاً للضرائب الجائرة ورفضاً للسياسات الاقتصادية الظالمة ورفضاً لسياسة المحاصصة والفساد في كل شيء. ممتاز. مطالب شعبية يتشارك بها كل من نزلوا وينادون بدولة، لكن ألا يخاف من صنعوا بالأمس القريب، في 2015، ثورة شعبية تحت نفس التسمية من هلاك الثورة الجديدة؟

 

أسعد ذبيان، أحد أبرز الناشطين في “طلعت ريحتكم” موجود اليوم خارج لبنان، في تونس، لكن “قلبه” هنا. هو سيعود يوم الإثنين المقبل ليلتحق بركاب “الثائرين” القدامى والجدد. فهل نفهم من هذا ان “الثورة” مستمرة؟ يحاول أسعد الإجابة لأن من يملكون الحراك على الأرض اليوم يملكون جواباً أكثر وضوحاً. لكن كم تشبه الثورة الجديدة سالفتها؟ يجيب: أمس، في 2015، كان العنوان أزمة النفايات أما اليوم فهي فرض ضرائب غير عادلة. والشبه، بين الإثنتين، هو هذا الكمّ من النقمة على السلطة من كل الطوائف وفي كل المناطق بشكلٍ عفوي. ويستطرد: ستستخدم الدولة اليوم ما استخدمته أمس وهو يندرج في ثلاث نقاط: التجاهل، ثم ركوب الموجة، ثم محاولة “تكسير” المتظاهرين. لكننا نتمنى أن يكون الناس قد تعلموا الدرس.

 

“بكير عن جدّ” التفسير والتحليل في الثورة الجديدة. هو رأي أحد رواد ثورة 2015. لكن هل كان سيرفع ذبيان يافطة “فلتسقط الحكومة” لو كان هنا؟ هو يجد الحلّ في مكان أوسع: في تغيير النظام اللبناني كله. أليس مطلباً شبه مستحيل في هذه اللحظة؟ يجيب: مريض السرطان لا تنفع معه إبر المورفين وحبوب البانادول.

 

ثورة 2015 فشلت فلنعد الى ثورة 2019

 

اللبنانيون مشوا، مثل السيول الجارفة، الى الساحات والمفارق والطرقات العامة. نزلوا مجدداً، من كل الأعمار والطوائف والمناطق والتبعات والإنتماءات. اللبنانيون، إطمأنوا بالأمس أنهم قادرون على الإجتماع تحت مطلب الإقتصاد والضرائب والمعيشة والفقر والعوز و”الشحار” والتعتير. لكن، حين وصل الموسى الى إسقاط أسماء تحت شعار “كللن يعني كللن” انتفضت وجوه. ها هم اللبنانيون، من جديد، ينقسمون (أو بعضهم) في بعض المطارح على زعامات!

 

طيّب، كيف يمكن أن يحققوا مطالبهم إذا اختلفوا على أسماء؟

 

ثورة، ثورة، ثورة… هتاف طغى. اللبنانيون، غالبية اللبنانيين المتظاهرين، وعوا لهذه النقطة وغضوا النظر عمّن انضووا في قنواتهم الضيّقة في ثورة يُراد لها أن تنجح لأنها قد تكون الحلّ الوحيد والخيار الأخير.

 

أيها اللبنانيون ما هي مطالبكم اليوم؟

 

الواتساب هو المدخل لكن وراء المداخل والأبواب كمّ من المطالب تبدأ من الخبز وتمرّ بضمان الشيخوخة ولا تنتهي حتى عند إسقاط السلطة، كل السلطة، وربما النظام. ها هي الشعارات تتسّع من جديد، كما في 2015، والخوف، كل الخوف، أن تنتهي مثلها.

 

نجول بأعينينا في الأرجاء، في بيروت بالتحديد، وفي الطرقات المؤدية الى “أم الدنيا” بيروت. نفرح لاستفاقة شعب أم نحزن لكلّ أشكال الخراب في بعض المطارح؟ مشاهد توجع القلب. هذه هي الثورة؟ في ثورة “السترات الصفراء” الفرنسية آلمتنا قلوبنا أيضاً على ما عاثه “الثوار” الذين انطلقوا احتجاجاً على الضرائب المتفاقمة على المحروقات والغذاء ورفع الإنفاق الحكومي وانتهوا بالمطالبة باستقالة إيمانويل ماكرون.

 

حراك 2015 في بيروت ضاع هو أيضاً، في ذاك اليوم، بين المطالب الكثيرة التي سُيّست فرُفعت شعارات “لتسقط سوليدير”، “ليسقط النظام الطائفي”… ودونت على الجدران “خرطشات”: “سوليدير زبالة”، “طفح الكيل”، “الشعب قادم”، “على دينتي الجميع”… وحُطمت واجهات و”قُبعت” أعمدة ومقاعد وشتول… ويومها سألنا: الثورة مطلب لكن لماذا كل هذا الحقد على بيروت؟

 

الثورة ليست لعبة. وكل اللبنانيين، من أصغرهم الى أكبرهم، مشحونون بغضبٍ لم يشهدوه في ثورة 2015 ولا قبلها. بدليل أن هناك، في موازاة من أصرّ على حماية “الزعيم”، مَن “عربش” وأسقط صوَر الزعماء. لكن، هل من أسقط صوَر زعيم معيّن ينتمي، “بالقلب والروح والدم” الى ذاك الزعيم؟

 

“دعونا نتريث”. هذا ما ردده لنا كلّ من طرحنا عليهم أسئلة من هذا النوع. فليثر العالم. هذا حقهم. وحين تقود الحكومة الشعب الى الخراب بشتى الوسائل والإمكانات، يُصبح عصيان كل فرد من أفراد الشعب حقاً من حقوقه بل واجباً وطنياً.

 

فلنطالب ولنصرخ من أعماقنا: ثورة، ثورة، ثورة.

 

لكن فلنتعلّم من أخطاء الماضي كي لا “يضحكوا” علينا ونخرج من الميدان بسلل فارغة. يُقال إن الثورات لا تتحرك إلا بكبسة زرّ. وإن الثورات تُحسب غالباً على السنتيمتر، تخدم أطرافاً وتنفذ مآرب أطراف وتناسب أطرافاً. هذه المقولة طبعاً موجعة ولا نريد تصديقها. ثورة 2015 بدأت عفوية ثم حُرّكت بالريموت كونترول. من قادوا تلك الثورة يعرفون هذا تماماً. لوسيان بو رجيلي قال: لا يوجد وراء هذه الثورة أحد “وراها 30 سنة دعس لأبسط حقوق المواطنين”. وحذر أحزاب لبنان: إياكم ومحاولة ركوب موجة التظاهرات. ألاعيبكم مكشوفة وكلكم دافنينو سوا. أحدهم (داني ديب) ردّ عليه: اللهم ان لا تركبوا أنتم أيضاً الموجة و”تخربوها” مثلما فعلتم في حراك الزبالة”.

 

هم، ساهموا ايضاً في خرابها في 2015. نحن اليوم في 2019.

 

جبران باسيل أطلّ. ألصق التهم بكلِ الآخرين. وحكى عن طابور خامس (معروف ومجهول) حاضر للشغب. لحظات و”قامت القيامة” بين “ثوار” وعسكر. ورمى من رمى قنابل “مولوتوف”. يبدو أن ذاك الطابور الخامس كان ينتظر الإشارة. ثمة مقولة نتذكرها الآن: سخرية القدر أن تتدهور أحوال الناس بعد ثورة شعبية وتتحسن أحوال المسؤولين عن النظام.

 

هل سيُحطم اللبنانيون هذه المرّة هذه المقولة؟

 

تطور المشهد. والهرج والمرج في 2015 ها هو يتكرّر في 2019. ويبدو أن الأيادي الخبيثة تنغل دائماً وهناك، في كلِ مرة، من يستغلّ مشهدية الثورات الجميلة في أهدافٍ محددة.

 

ماذا يعني كل هذا أن “نهمد” ولا نثور ونغضب ونقول بصوتٍ عالٍ جداً: لا؟

 

لا، اللهمّ أن يبقى اللبنانيون متكاتفين. تشكون؟ كثيرون مثلكم فالطابور الخامس يعرف متى يُرسل أدواته وهم بأشكال وأسماء وموصفات. هؤلاء، دحرجوا ثورة 2015 وهؤلاء سيسعون، بحسب معنية في شؤون الحراك، الى دحرجة الثورة الجديدة.

 

ما هي مطالب أبطال “ثورة الشعب” في 2019؟

 

الواتس آب؟

 

ماذا كانت مطالب الثوار في 2015؟

 

النفايات؟

 

هكذا انطلقوا في 2015 وهكذا عادوا وانطلقوا اليوم. إشكالات حدثت وتحدث. هناك من يعتدي على الأملاك العامة اليوم كما بالأمس؟ حراك 2015 اتهم السلطة الحاكمة بأنها هي من عاثت خراباً لإلصاقه بالحراك. وغداً لناظره قريب.

 

حراك 2015 سقط. حراك 2019 وُلد. المطالب كثيرة، بقدرِ وجع الناس، الذين شتموا، كما لم يفعلوا يوماً، وخرجوا من ثيابهم كما لم يفعلوا يوماً. هل تحرّك أمس بريء؟ الثابت أنه بدأ بريئاً. فلننظر الى أنفسنا. نحن، هو الشعب الذي انتفض مرات مع كلّ قرار مجحف ومع كل تلكؤ وتخاذل ومع كل محاولة لتحميلنا ما لم نعد نحتمل. حراك أمس بدأ بريئاً نظيفاً ناصعاً. فلننتظر بعد غد وما بعد بعد الغد. ثورة 2019 على المحك. فلنترقب منهجية السلطة مع الثائرين: أولاً، التجاهل. ثانياً، ركوب الموجة. وثالثاً، تحطيم الثورة.

 

فهل سيكون لحم الثوار في 2019 كما لحم ثوار 2015… طريّاً؟