لا عمل… لا ماستر في الخارج… ولا من يستوعبهم
طلاب تخرجوا من الجامعات بـ”حلاوة الروح” أنهوا سنتهم أونلاين بامتحانات مشكوك بصدقيتها. حلم التخرّج الذي جهدوا من أجله سنوات بات باهتاً رمادياً لم يتلوّن بألوان الأمل وطريق المستقبل الذي رسموا محطاته في ذهنهم ضبابياً مرصوفاً بالخيبات التي يتوعدهم بها واقع وطن يتلذذ بتيئيس شبابه. ما الذي ينتظرهم بعد التخرج ؟ وظائف، دراسات عليا، تخصص في الخارج؟ كلمات تبدو وكأنها من زمن آخر في وطن آخر. لأجلهم نحاول مع المختصين فتح نافذة على المستقبل.
في نظرة الى واقع الحال يتبين لنا كم صارت أهداف الخريجين وحقوقهم المشروعة تطلعات بعيدة المنال تكاد تلامس الحلم او ذكرى بلد كان يوماً خزان أدمغة للشرق والعالم.
سوق العمل جامد، والبطالة كانت قبل ازمة كورونا والأزمة المصرفية المالية قد وصلت الى مستويات قياسية. ففي مسح للقوى العاملة والأوضاع المعيشية أصدرته المديرية العامة لإدارة الإحصاء المركزي عن الفترة الممتدة بين نيسان 2018 وآذار 2019 تبيّن أن معدّل البطالة في لبنان وصل الى نسبة 35% بين الشباب من حمَلة الشهادات الجامعية، وبحسب المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين يعاني سوق العمل في لبنان من أزمة بنيوية تاريخية مزمنة، إذ لا يقدم سوى 3 آلاف فرصة عمل جديدة سنوياً بالاضافة إلى استيعابه 9 آلاف فرصة عمل قديمة، في حين يزيد عدد طالبي العمل عن 40 ألف سنوياً ولا سيما من خريجي الجامعات. فالجامعة اللبنانية وحدها بلغ عدد المنتسبين إليها للعام 2017-2018 حوالى 72850 طالباً وفق احصاءات المركز الوطني للبحوث والإنماء فيما بلغ عدد طلاب الجامعات الخاصة مجتمعة 110175 طالباً. ما يعني أن أعداداً كبيرة من الخريجين في العام 2020 سوف تجد نفسها في مواجهة سوق ليس قادراً اصلاً على استيعابها في الأوضاع العادية.
قطاعات تغيب واختصاصات تندثر
لا شك أن نسب البطالة هذه قد تصاعدت بشكل كبير بعد انتفاضة 17 تشرين الأول، ثم ارتفعت بشكل مخيف بعد الأزمتين الأخيرتين وباتت قطاعات كثيرة شبه متوقفة عن العمل، فقطاع الخدمات السياحة في غيبوبة تامة، وقطاع الأعمال يسير على رجل واحدة بانتظار جلاء سعر الدولار، أما القطاع المصرفي فمجهول المصير ويحكى عن عمليات دمج للمصارف تطيّر مئات الوظائف. وحدث ولا حرج عن ضيق إمكانات القطاعات المنتجة الأخرى. حتى الواسطة لم يعد بإمكانها إيجاد فرصة عمل للشباب بعد “إقفال باب التوظيف” في القطاع العام إقفالاً محكماً في انتظار الانتخابات المقبلة ربما. أما العمل في بلدان الخليج فدونه صعوبات شتى، سياسية واقتصادية، ولم يعد الخريج اللبناني قادراً على فرض شروطه هو الوافد من بلد مأزوم يحتّم عليه ان يرضى بما هو متوافر.
اختصاصات اختارها شبابنا عن وعي واقتناع منذ ثلاث أو أربع سنوات بهدف دخول هذه القطاعات صارت اليوم مجهولة المصير. الماستر والدراسات العليا أقساطها مخيفة في الجامعات ولم يعد الأهل قادرين على تأمينها ولا الطلاب يجدون أعمالا يسددون بها اقساطها. إكمال التخصص في الخارج حلم صعب المنال في ظل صعوبة او استحالة التحويلات مهما برر مصرف لبنان الأمر بتعاميمه المصرفية. ما الحل إذا أمام خريجي العام 2020 المشؤوم؟ أن يعملوا في المحطات والبيوت كما أوحت به إحداهن وأن يتخلوا عن أحلامهم؟ أو أن يصمدوا ويواجهوا التحديات في انتظار الفرج؟
Digital Thinking التفكير من خارج الأطر المألوفة
د. دانيال خليفة فريحة عميدة كلية إدارة الأعمال في جامعة الروح القدس تنظر الى وضع الخريجين من منظار مختلف، لا يكتفي برؤية الحاضر بل يفتح الآفاق على المستقبل وما يحمله من متغيرات. لا شك أن التحديات هذا العام كانت كبيرة جداً تقول د. فريحة لكنها أجبرتنا كجامعة وكهيئة تعليمية على مواكبة التطور الحتمي لطرق التعليم والدخول في عصر الديجيتال بصورة اسرع. أمور كثيرة تغيرت على الطلاب، من التعلّم أونلاين الى مواجهة أزمة اقتصادية ضاغطة حدّت بشكل كبير من فرص العمل المتاحة أمامهم. فالطلاب الذين اختاروا اختصاصاتهم منذ ثلاث او أربع سنوات على اساس ان يجدوا سوق العمل مفتوحاً أمامهم وجدوا أمامهم واقعاً سوداوياً لا يحاكي طموحاتهم وأحلامهم. أمامه لا يمكنهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي محبطين يلومون انفسهم او المحيط، ولا بد من العمل على الاستفادة منه لتحويله الى محطة إيجابية رغم صعوبته. التحدي الأكبر هو ان يتمكنوا من خلق فرص جديدة من رحم هذا الوضع السيئ وان يجدوا حلولاً غير تقليدية لأزمة البطالة التي تواجههم.
هل هذا يعني أن خريجينا ليسوا حقاً امام حائط مسدود وهل ما زال بإمكانهم أن يحلموا بغد افضل؟
بالطبع تجيب د. فريحة فالمستقبل متحرك واعد لكن ما يجب ان يدركه الطالب المتخرج أن عليه التعامل معه بشكل مختلف عبر رسم استراتيجية جديدة تقوم على الخطوات التالية:
اولاً، على الخريج في الوقت الحاضر أن يخفف من توقعاته، فهو حتماً لن ينال اليوم الراتب الذي كان يحلم به، بل إنه مضطر أن يدخل سوق العمل براتب أقل من توقعاته او أن يدخل حقلاً مختلفاً عن مجال اختصاصه الأساسي. المهم ان يجعل هذه الفترة الصعبة تمر بشكل إيجابي يعود عليه بالفائدة يغني سيرته الذاتية فلا يبقى جالساً في البيت منتظراً الوظيفة المثالية بل ينشئ لنفسه شبكة علاقات تعود عليه بالفائدة في ما بعد.
ثانياً، ان يستغل هذه الفترة لتحسين مهاراته التكنولوجية وتعميق معرفته بها عبر طرق مختلفة مثل السعي لأخذ دروس في هذا المجال او نيل شهادات جديدة فيه بحيث يمتلك الى جانب اختصاصه الأساسي مهارات يطلبها الاتجاه الجديد في سوق العمل. فالسوق غربل اختصاصات كثيرة جعل بعضها غير مطلوب ابداً فيما شرع الباب واسعاً امام عالم الديجيتال والتكنولوجيا بحيث صار من يمتلك هذه الخبرات قادراً على الاستجابة لمتطلبات السوق ومرغوبا فيه. أما تلك الاختصاصات القديمة فيمكن ان تبقى كثقافة عامة يدرسها الطالب كاختصاص جانبي مع اختصاصه الأساسي المطلوب في سوق العمل.
ثالثاً، إن السعي وراء هذه الخبرات التكنولوجية ليس سعياً مكلفاً بالضرورة إذ إن المعلومات كلها باتت متوافرة اليوم أمام الطالب لكن عليه هو ان يبذل جهداً في اتجاه الحصول عليها. من جهة أخرى ثمة جامعات ومراكز في لبنان وخارجه او اونلاين تؤمن له هذا التعلّم بكلفة بسيطة جداً. يبقى عليه ان يفتش بنفسه عن متطلبات السوق ليعمل على اكتساب المهارات الإضافية التي تجعل منه قيمة مضافة في الوظيفة التي يتقدم إليها.
رابعاً، معظم خريجينا باتوا يدركون أن العالم صار قرية كونية وأن لبنان ما هو إلا شارع في هذه القرية لذا على الطالب أن يمتلك المهارات والخبرات والانفتاح الذي يعدّه ليكون قادراً على تلبية متطلبات اسواق العمل الخارجية. نحن في جامعة الروح القدس نعدّ طلابنا لهذا التوجه من خلال برامجنا المطابقة للبرامج العالمية عبر سعينا لتزويدهم بثقافة خبرة عالمية تخولهم التعاطي مع التحديات التي تواجههم أينما كانوا في العالم.
خامساً، لا يمكن للطالب ان يعتبر انه أتم سعيه بنيله إجازة، فالتعلم المستمر هو الحل في هذا الظرف المتغير باستمرار. الطالب الذي يجد مثلاً ان اختصاصه بات اليوم غير مطلوب يمكنه أن يتحول نحو فرع آخر من ضمن الحقل نفسه او ان يتابع الماستر في اختصاص مطلوب اكثر من اختصاصه الاساسي.
دعوة أخيرة توجهها د. خليفة للخريجين: بأيديكم انتم رغم الصعوبات يمكنكم ان تنتصروا في التحدي الذي يواجهكم. اعتمدوا التفكير التقني Digital Thinking كونوا جاهزين للتأقلم مع الواقع الجديد للشركات والمصارف والأعمال الذي يتطلب مهارات تكنولوجية جديدة.
لا شك هذه نظرة أكاديمية متفائلة، لكن في جولة على أكثر الاختصاصات التي يتجه نحوها طلابنا نجد ان الاقتصاد و إدارة الأعمال والعلوم المالية المصرفية هي التي تستقطب ثاني أكبرعدد طلاب في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة بعد الحقوق والعلوم السياسية وفق احصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء للعام 2017- 2018. فعدد الطلاب في هذه الاختصاصات بلغ 7291 طالباً في الجامعة اللبنانية فيما طلاب العلوم التكنولوجية لم يتعد 1045. فهل يحتمل سوق العمل هذا العدد من خريجي الأعمال من الجامعة اللبنانية وحدها دون ان نحتسب باقي الجامعات أم أن الحل يكون بالدمج بين الاختصاصين للحصول على المهارات المطلوبة؟
في بلد الخدمات الذي طالما تغنينا به يطرح المستقبل الكثير من علامات الاستفهام حول مصير هذا القطاع والعاملين فيه ومصير خريجي اختصاصات الخدمات في لبنان مثل العلوم الفندقية والسياحية في وقت بدأت الفنادق تقفل ابوابها والمطاعم تبدو في حالة موت سريري؟
نتوجه الى د. طانيوس قسيس عميد كلية السياحة وإدارة الفنادق في جامعة الحكمة وهي كلية متوأمة مع كلية لوزان الاشهر في العالم لهذه الاختصاصات، لنسأله عن واقع هذا القطاع الذي يعيش اقسى أزمة عرفها في تاريخه وعن حال خريجيه لا سيما دفعة العام 2020 التي وجدت نفسها فجاة تتخبط أمام أفق مجهول..
يبدو د. قسيس متفائلاً رغم صعوبة الأوضاع وضبابيتها، يرفض مقولة الحائط المسدود. نحن نعدّ طلابنا ليعملوا في كل بلدان العالم، ومستقبلهم ليس محصوراً في لبنان.الإجازة التي ينالونها من كليتنا هي جواز سفرهم العلمي والمهني الى كل البلدان. الطالب اللبناني مرغوب في كل العالم لامتلاكه مهارات لغوية وعلمية عالية المستوى وهو قيمة مضافة أينما حل. لا شك أن دفعة 2020 هي دفعة للتصدير لكن هذا لا يخيفنا بل على العكس إنه يجعل طلابنا يخرجون الى العالم ينفتحون على أفكار حديثة يكتسبون خبرة عالمية ثم يعودون حتماً الى لبنان لوضع ما اكتسبوه في خدمة بلدهم. لا شك ان من ليس قادراً على السفر سوف يمر بصعوبات لا ننكرها قد تمتد لبعض الوقت ويواجه تحديات صعبة كما كل القطاع السياحي لكننا في لبنان اعتدنا على التحديات لا أعتقد ان القطاع السياحي غير قادر على مواجهتها إنما يجب التعامل معها بطريقة مختلفة. فلا باس مثلا في تشجيع السياحة الداخلية او استخدام المنتجات المحلية بدل المستوردة للمطاعم واعتماد أفكار تسويقية جديدة. الأزمة موجودة لكن بوعي الناس وصبر اصحاب الفنادق والمطاعم وبمساعدة الدولة وتقديمها التسهيلات للقطاع يمكننا تخطيها. فاللبناني يحب الحياة وسيعيد إنتاجها من جديد في القطاع السياحي. أزمتنا ليست أزمة سياحية بقدر ما هي أزمة ثقة وخيارات سياسية، فسياحة لبنان شئنا أم ابينا قائمة على السياح العرب وهو قطاع يدخل ما بين 7 الى 10 مليار دولارات نقداً الى لبنان ويمكن ان يساهم بتحسين الاقتصاد اللبناني أكثر من الزراعة والصناعة التي مهما حاولنا لا نستطيع ان ننافس بها تركيا مثلا. على دولتنا أن تعيد الثقة بلبنان ليعود المغتربون والسياح ويُدخلوا معهم الـ”فريش موني” التي يحتاجها نظامنا المالي اليوم، ومتى عادت الثقة عاد الازدهار معها بـ 24 ساعة. لدينا نِعَم كثيرة لا يملكها أي بلد في العالم لكن لا يمكننا البقاء في منطقة رمادية تضع مستقبل بلدنا وأولادنا في خطر، فأمورنا الاقتصادية والمصرفية والسياحية هي رهينة أوضاعنا السياسية.
طلابنا لا خوف عليهم سواء بعد جائحة كورونا أو الأزمة الاقتصادية فهم مستعدون للتحديات الجديدة لا بل هم رواد في هذا المجال يستطيعون من خلال ما تعلموه في الجامعة تأمين الوعي الصحي للقطاع السياحي ليواجه أزمة كورونا، ويمتلكون المهارات التكنولوجية التي تؤهلهم لابتكار حلول تحاكي متطلبات العصر الجديد. العنصر الشاب اللبناني هو عنصر شغوف مستعد أن يعمل يكدّ يحقق نفسه ويصل الى مراتب عالية. لست خائفاً على شبابنا، فأبرز الفنادق والمؤسسات السياحية في الدول العربية تقصدنا لنزودها بالعنصر اللبناني الخلاق، والدليل على تفاؤلي ان لدينا طلبات انتساب جديدة للعام المقبل هذا دليل على ثقة الاهل والطلاب بمستقبل القطاع الفندقي السياحي في لبنان والعالم العربي.
كلمة أخيرة يقولها د. قسيس لخريجيه إياكم واليأس، المستقبل يشرع ابوابه أمامكم حتى لو انتظرتم اشهراً او سنة، إنها مرحلة انتقالية سوف تعبر تمنح العالم من بعدها انطلاقة جديدة المهم ان تكونوا مستعدين للتعامل معها.
تخبط وزاري
وزير التربية منهمك بإصدار قرارات ومن ثم التراجع عنها، تعقيدات الوضع التعليمي ومصير السنة الدراسية امور ألقيت على عاتق الوزير الآتي من عالم القضاء بحيث لم يعد التفكير بمصير خريجي الجامعات وما ينتظرهم من خيبات بعد التخرج من أولوياته. الوزير مشغول لكن مصدر مطلع في وزارة التربية يقولها لنا صراحة ان لا تصور واضحاً عندنا بالنسبة إلى وضع الجامعات، لكننا ما زلنا نتابع الاجتماعات والوزارة همها اليوم أن تعمل على عدم انهيار القطاع التربوي.
نحن في ورطة يقولها المصدرالكل يتخبط: دولة ووزارات وجامعات ومدارس،لا نعرف حقاً مَن سيساعد مَن؟ ننتظر كسوانا النتائج التي سيفرزها الوضع الحالي. أكيد ان لوزارة التربية سلطة على المدارس الرسمية الخاصة لكن لا سلطة لها على الجامعات فحتى جامعة الوطن الجامعة اللبنانية لها استقلاليتها. كل جامعة لها وضعها الخاص بالنسبة لإنهاء العام الدراسي والامتحانات وترفيع الطلاب ولم يطلب ممثلو الجامعات اي اجتماع مع الوزير حتى اليوم كما حدث في التعليم الخاص.
نسأل المصدر أليس لدى وزارة التربية تصور بشأن حاجات سوق العمل وما يتطلبه من اختصاصات ؟ أليس من واجب الوزارة رسم خطة توجيهية تقود الطلاب الى اختيار الاختصاصات التي يحتاج اليها سوق العمل؟ لسنا بحاجة الى سماع الجواب! فكلنا نعرف أن التوجيه الرسمي للطلاب غير موجود كما في بعض الدول العربية المجاورة، كما أن الأزمة المالية الاقتصادية باتت اكبر من حمل الوزارة. لكن المصدر المطلع في وزارة التربية يقول إن ثمة مشاريع عدة مع منظمة العمل الدولية وهناك اتفاقيات تعاون لا سيما بالنسبة للتعليم المهني. لكن اسم الوزارة هو وزارة التربية والتعليم العالي فمن هو المسؤول عن جامعات لبنان وخريجيها؟
مجلس التعليم العالي هو أعلى مرجعية في التعليم الجامعي يترأسه الوزير مع عدد من ممثلي الجامعات، هو سلطة تملك صلاحيات كبيرة لتنظيم القطاع ووضع التشريعات والقوانين له ورفع التوصيات الى مجلس الوزراء بهذا الشأن. لكن في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة التي تعصف بمستقبل الطلاب وتضعه في مهب الريح، هل يستطيع هذا المجلس اتخاذ تدابير بهذا الشأن أم أن ابوّته تنتهي صلاحياتها مع بلوغ الطلاب آخر مراحل الدراسة وبعدها فليقلعوا شوكهم بأيديهم.
دفعة خريجي هذا العام ستحمل الإجازة بيدها دون حفل تخرج لكن إجازتها لن تكون للاسف جواز السفر الذي سعى إليه طلاب الدفعة للانطلاق نحو مستقبل آمن يحقق طموحاتهم وأحلامهم.
أحلام الخرّيجين المتكسّرة
كيف ينظر الخريجون الى الفترة المقبلة؟ هل يشاركون اساتذتهم التفاؤل؟ أم أنهم ينظرون بحسرة الى مستقبل أنفقوا من عمرهم سنوات يبنونه حجراً حجراً فيما جهد أهلهم وجمعوا القرش فوق القرش لتسديد أقساط دراسة جامعية وعدت بغد مفروش بالزهر لأبنائهم.
يوسف خريج قسم الاقتصاد من إحدى الجامعات الخاصة، كان قد رسم مساره بدقة: بعد التخرج سيتقدم بطلبات انتساب الى عدة جامعات أوروبية معروفة ليلتحق بالتي تقبله فيكمل الماستر في الخارج وبعدها يتقدم الى شركات عالمية ليبدأ مساره المهني في إحداها. لكن الرياح جرت عكس ما تشتهي سفينته وبات غير قادر على تأمين أقساط الجامعة والسكن والمعيشة في اوروبا. تغيرت أحلامه وتكسرت على صخرة الواقع. اليوم يقول يوسف أنتظر ان ترسو الجامعة اللبنانية على برّ في مقرراتها لأتقدم بطلب لدراسة الماجستير فيها. وبعدها لكل حادث حديث.
غابريال اختار اختصاصاً غير تقليدي، اختار أن يدرس الملاحة البحرية في معهد العلوم البحرية ليكون ربان سفينة، لكن التخرج يفرض عليه الخضوع لدورة تدريبية في جزيرة مالطا تبلغ تكلفتها 4000$. المبلغ غير متوافر معه نقداً والمصرف لم يؤمنه لأنه ليس قسطاً جامعياً يُحوّل الى الخارج. وجد غابريال نفسه في مأزق خانق فلا التخرج دون الدورة التدريبية يفيده ولا الدورة ممكنة في هذه الظروف إلاّ إذا ارتضى ان يشتري الدولار بـ 4000 ليرة لبنانية او اكثر ويدفع بدل ستة ملايين 16 مليوناً كلفة الدورة او اكثر إذا ما اخذنا بالاعتبار الارتفاع المستمر لسعر الصرف في السوق السوداء. وبحرقة يقول: «يقف ابي كالمتسول يومياً على باب المصرف علّ مديره يتحنن عليه وعليّ ويعطينا المبلغ كاملاً، وبالانتظار يبقى مستقبلي معلقاً على مبلغ كان معنا وما عاد معنا…».
ليني صبية تخرجت هذا العام من قسم الترجمة في جامعة خاصة، تعرف جيداً انها لن تجد عملاً في لبنان وتفكر جدياً بالتحول الى دراسة إدارة المواقع الالكترونية وكتابة المحتوى لأنه الاختصاص الوحيد الذي له مستقبل كما تقول. أما هاني خريج الهندسة الكهربائية فقد صارت حقيبته جاهزة وما ان يتلقى اي جواب عن طلبات التوظيف الكثيرة التي ارسلها الى عدد من بلدان العالم سيكون جاهزاً للرحيل ما إن تفتح المطارات من دون نظرة الى الخلف. وفدى التي درست علوم التأمين بدأت العمل لتسويق فكرة زميلها فراس صاحب الفكر التكنولوجي والتجاري المتقدم الذي يعمل على إطلاق تطبيق جديد على الهواتف الذكية يحدد المتاجر التي تبيع بأرخص الأسعار في هذا الزمن الذي يبحث فيه كل لبناني عن السعر الأوفر.