في إطلالته الإعلامية الأولى منذ انتخابه رئيساً عاماً للرهبنة اللبنانية المارونية عام 2010، اختارَ إبن لحفد الجبيليّة، الأباتي طنوس نعمة صحيفة «الجمهورية» ليؤكّد أنّ الجيش الأسود، أيْ الرهبان، هو أخطر جيوش العالم ويعمل على الأرض في لبنان، وسيُحدث التغيير، وأنّ لبنان باقٍ، والموارنة لن يرحلوا عن هذا البلد المميّز، لأنّ له رمزية خاصة عندهم، وأرضه غالية عليهم، داعياً الى الايمان بالمسيح والتجذّر في لبنان، فلو لم يكن للأرض أهميّة، لما كان اختار الرب فلسطين برمزيتها التاريخيّة، ليُرسل إبنه الوحيد إليها.
يتمَّسك الرئيس العام للرهبنة اللبنانية المارونية الأباتي طنّوس نعمة بالإيمان الماروني، ويفتَخر بانتمائه الى لبنان الرسالة، وهو الذي يَضع الأرزة التي تتوسّطها صورة العذراء والصليب على عنقه، والعلم اللبناني في مكتبه، ويُقبّله بعفوية.
لا تعني له الاماكن شيئاً، ومستعدّ للعودة الى وادي قنوبين للصلاة لخلاص لبنان. وبعفويّته، يُجيب عندما تسأله هل سيزول لبنان وسط إعادة رسم خريطة المنطقة: «فَشَروا» لبنان أكبر من أن يبتلعه أحد، وهل تصدّق يا «خرفان» أنّ البلد الذي خرج منه القديس شربل، سينتهي؟
الرهبنة والرئاسة
يظهر جلياً تأثير الرهبنة المارونية في الحياة الإجتماعية والدستورية والسياسية اللبنانيّة، إذ إنّ تاريخ لبنان الحديث والقديم إرتبط باسمها، فبعض الأعراف الرهبانية طبع المؤسسات، وعلى رأسها المؤسسة الأولى، إذ تبلغ أيّ ولاية رئيس للجمهورية ستّ سنوات، وهذه الفكرة أخذها الموارنة عن مدّة ولاية الرئيس العام للرهبنة المارونية، الذي يجلس على كرسي الرهبنة 6 سنوات.
لبس المقرّ العام للرهبنة المارونية في دير مار مطانيوس- غزير ثوب العيد. هناك يجلس الأباتي نعمة، وهو الذي لا يحبّ الإعلام، ويعتبر أنّ الرجال يصنعون الكراسي وليس العكس.
ويروي قصّة إبتعاد الرهبان عن السياسة بعدما كانوا لاعبين أساسيين في الحياة الوطنيّة إبّان الحرب الأهلية، في فترة رئاسة الأباتي شربل قسّيس، والأباتي بطرس قزي والأباتي بولس نعمان، ويقول لـ»الجمهورية»: «البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، يتكلّم باسمنا جميعاً في الشأن السياسي، ونحن اختَرنا الصلاة والصمت السياسي لأنّ كثرة الكلام والمتكلّمين في هذه المرحلة يضرّ».
ويؤكّد «أننا نحن الجيش الأسود، أخطر وأقوى جيش، وموجودون على الأرض، ونعمل تحت راية البطريرك، وقادرون على تغيير كلّ شيء وسنُغيّر في لبنان، مستخدمين سلاحَ الصلاة والإيمان، وقريباً جداً سيرى الجميع ماذا سنفعل».
ويضيف: «نحن نصلّي للبطريرك لينجح في مهماته، ومن ضمنها إنتخاب رئيس للجمهورية، وبالتأكيد سينجح لأننا ندعمه، وقوّة الجيش الأسود مستمَدّة حالياً من الصلاة والعمل بصمت، لأنّ الصراخ لا ينفع، فالبطريرك يحمل الصليب، وعلى رغم حملات التخوين والهجوم اللاأخلاقي عليه، فهو سيخلّص لبنان، بمساعدة يسوع ومار شربل».
مركزية الكنيسة
يؤمن الأباتي طنوس بالمركزية في المؤسسة الكَنَسية، فيُشير الى أنّ «كلّ المؤسسات المارونية يتكلّم باسمها الراعي، ولا مجال الآن لكثرة المرجعيات».
ويسأل: «تاريخياً، يُطبع إسم الموارنة بالانقسامات، فهل نريد أن نُحدِث إنقساماً داخل الجسم الكَنَسي؟ نحن نتبع إدارياً الفاتيكان، وليس بكركي، لكنّ الكنيسة معروفة بانضباطها، من هنا قلت منذ إنتخابي عام 2010، إنني لن أتعاطى في الشأن السياسي، وعمّمتُ هذا الأمر على كلّ الرهبان، وإلتزموه».
«بكركي هي كلّ الجيش الأسود»، بهذه العبارة يختزل نعمة التركيبة الكَنَسية الحالية، ويقول: «بكركي أمّ الدنيا، وستُحدث التغيير»، موضحاً أنّ «الجيش الأسود هو أكبر فاعل على الأرض وليس في الهواء»، نافياً مقولة إنه «جيش «مضبوب» في الثكنات، فظروف عمل الرهبان خلال هذه المرحلة تختلف عن أيام الحرب».
وسط ما يعانيه المسيحيون من تهجير في الشرق، يعتبر نعمة أنّ «قدرنا في هذا الشرق هو حمل الصليب والشهادة بالمسيح، ونحن نُضطهد لأننا مسيحيون مؤمنون، وهذا شرف لنا، وسنواجه المضطهدين في الشرق بالتمسّك بالمسبحة والعذراء، وسننتصر».
ويصرّ عندما تسأله عن إنقاذ المسيحيين على العودة الى الصورة المثبتة على حائط مكتبه، والتي يغرق فيها تلاميذ يسوع في البحر، والمسيح نائم. ليؤكد أنّ «المسيح سيخلّصنا في الوقت المناسب مثلما إستفاق وخلّص تلاميذه».
يسخر الأباتي نعمة من مقولة إنّ الموارنة والمسيحيين على شفير الإنتهاء في لبنان والشرق، ويعود الى الحقبة التركية حيث تراجع «عددنا الى مئة ألف نسمة، لكننا نهضنا وتكاثرنا، والله ينتظر اللحظة المناسبة لإنبعاثنا مجدّداً».
العمل الإجتماعي
«أديارنا في تصرّف الناس، وهي بيوتهم»، من هنا ينطلق نعمة لتأكيد أنّ الرهبنة هي في خدمة الناس، «فإذا كانت غائبة عن السياسة فهذا لا يعني أنّها لا تتعاطى الشأن العام المتشعّب، وتساعد الفقير والمحتاج، أما عدم الإضاءة على هذا الموضوع، فهو لأنّ عمل الخير يكون بصمت، وأكثر من يُحاضرون عن العفّة هم مَن يقومون بأعمال الرذالة».
الجذور اللبنانية والسريانية
ويعبّر نعمة عن «تمسك الرهبنة المارونية والموارنة بلبنان»، مؤكداً أنّ «الموارنة هم الأرزة، ولن ينتهوا، وكلّها مقولات خرافية، فمن أنجَب مار شربل الذي يتفوّق على كل أطباء العالم، لا يزول، ونحن عندنا قديسون ومتمسكون بالجذور السريانية، وأكبر دليل على إستمراريتنا هو وجود 35 راهباً مبتدئاً و48 يدرسون اللاهوت في الدير».
أما بالنسبة الى الحقد الموجود بين الموارنة، فيؤكّد أنه سيزول بالصلاة، «والموارنة معروفون بانقساماتهم الدائمة، وهم روّاد تطوّر وحضارة وسيستمرّون»، لكنّه ينتقد «بعض المظاهر غير الحضارية التي لا تعبّر عن ثقافتنا الحقيقية، وتتمثّل في الإنحلال الأخلاقي».
لا تعطي الرهبنة المارونية إهتمامها لمنطقة على حساب أخرى، لأنّ الموارنة هم سكّان جرود، ويوضح نعمة أنّ «تمركز المؤسسات المارونية في كسروان لا يعني أننا نهمل بقية المناطق، فالرؤساء العامون من كلّ المناطق، ومؤسساتنا منتشرة في كلّ لبنان».
أما في الموضوع التعليمي، فيقول: «إذا ألغت الرهبنة الأقساط المدرسية لسنة، فستنهار مؤسساتنا التعليمية؟ من هنا فإنّ بقاء الأقساط على حالها، يساعد على استمرارية المؤسسات المارونية، لكننا في المقابل نساعد أيّ تلميذ يطلب المساعدة».
وبالنسبة الى مشكلة السكن في المناطق المسيحية، يوضح نعمة أنّ «هذا الملف في عهدة الراعي، وهو شكّل لجاناً من اجل حلّه، وستظهر النتائج قريباً».
نخرج من دير مار مطانيوس وكلنا أمل في أن يستجيب الربّ لصلاة الرهبان لإنقاذ لبنان من التخبّط الذي يعانيه، ويعود الجميع الى إنتمائهم الوطني اللبناني، لأنّ كلّ التسويات لن تنفع إذا لمّ تتكلّل بحب لبنان والدفاع عن القوميّة اللبنانية، كما أرادها الجيل الأول من الرهبان المؤسسين.