Site icon IMLebanon

المسيحيون والحكم الذاتي

 

عند كل مناسبة يعود فيها طرح إلغاء الطائفية السياسية كان يُقال «يجب إلغاؤها من النفوس قبل النصوص»، وتظهر مجموعة من الأحداث المتعاقبة أنّ النفوس محقونة بالطائفية لا بل بالمذهبية وأنّ الكلام المنطقي في لبنان هو أنّ إلغاء الطائفية ليس وارداً أبداً وليس ممكناً، وهي حقيقة يجب أن يعترف بها الجميع وإلّا استمروا في عملية تكاذب جديدة تضاف إلى ما سبقها حول الوحدة الوطنية والعيش المشترك.

 

في لبنان ما هو قائم حالياً أنّ فئة تريد فرض سيطرتها وخياراتها على البلد وهي ليست في وارد التخلي عن السيطرة هذه ولذلك تعرقل كل الحلول وكل المحاولات لإعادة إحياء الدولة، وترفض أي طروحاتٍ تتعلق بنظام إداريٍ أو سياسيٍ جديد يتيح للمجموعات اللبنانية نوعاً من الحكم الذاتي بحجة أنّها طروحات «صهيونية» في حين أنّ هؤلاء يمارسون أكثر أنواع الحكم الذاتي تطرفاً.

 

في هذا الجو لا يستطيع المسيحيون الاستمرار في هذا البلد لأنّ عملية تهميشهم وتدجينهم مستمرة، ومشكلة المسيحيين أن بعضاً منهم ولغايات غير مفهومة، يتحالف مع أصحاب مشروع السيطرة الكاملة على البلد ولا يستفيق على المواجهة إلا متأخراً أو إذا هددت مصالحه الشخصية، ولا يتجرأ هؤلاء على اتخاذ قرار الطلاق عن مشروع السيطرة على البلد لأنهم ما زالوا يرون فيه تحقيقاً لبعض مصالحهم.

 

إنّ المسيحيين في لبنان ومع سقوط الدولة وعدم وجود نيةٍ لإنهاضها من جديد، ومع استفحال مشروع السيطرة على البلد، لا خيار أمامهم سوى المواجهة وإطلاق معركة الحكم الذاتي المقونن أو المفروض بحكم الأمر الواقع، وكل كلام خارج هذا الإطار هو مضيعة للوقت ويشكل مزيداً من الإستنزاف للمسيحيين ولقدراتهم في هذا البلد.

 

إنّ كل الطروحات السياسية التي يتقدم بها اللبنانيون المسيحيون تواجه باتهامات مغرضة أقلّها أنّها تصب في خانة العدو الإسرائيلي وأنّها تنهي وجود لبنان، وكأنّ لبنان بالسياسات المطبّقة حالياً لا يزال موجوداً وفاعلاً، فهو أقل ما يقال فيه إنّه دولة فاشلة معزولة مدمرة وكل ذلك ناجم عن عناوين وممارسات أطلقها من هم في السلطة تبدأ بالديمقراطية التوافقية ولا تنتهي بالميثاقية.

 

إنّ هذه العناوين كانت تغطيةً لعملية محاصصة في السلطة والمزيد من الإمساك بما تبقى من موارد مالية، ولم تكن يوماً محاولة لشراكةٍ حقيقيةٍ في الحكم أو لبناء دولةٍ فعليةٍ وسيادة القانون ومكافحة الفساد، وهي من أصعب التحديات التي يواجهها اللبنانيون المؤمنون ببقاء لبنان وتعدديته في مقابل لبنانيين آخرين تركوا مصير لبنان لمشاريع لا تمتّ لهويتنا بصلة.