Site icon IMLebanon

غياب مكافحة الفساد ومحاسبة السارقين جعل الإثراء غير المشروع مشروعاً…

لو كان في لبنان مساءلة ومحاسبة للفاسدين والمختلسين كما في دول أخرى لما كان يشهد اليوم أزمة نفايات كما شهد ولا يزال منذ سنوات أزمات مياه وكهرباء ومعيشة.

الواقع أن ليس في لبنان وحده فساد وفاسدون ومختلسون، إنما هذا موجود في دول كثيرة مع فارق أن القضاء المستقل والعادل فيها يذهب بالسارق الى السجن. أما في لبنان فيذهب الى بيته مكرماً ومن دون محاكمة، ما شجع الفساد وجعل عدد الفاسدين لا يحصى.

إن القوانين التي أقرها لبنان لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين منذ الاربعينات الى اليوم كثيرة، وأهمها قانون الاثراء غير المشروع، أو قانون من أين لك هذا، لكنه ظل حبراً على ورق ولم ينفذ بحق أي فاسد أو مختلس لمعرفة من اين صار هذا المسؤول أو ذاك وهذا النائب أو ذاك غنياً. وآخر القوانين التي اثبتت عدم جدواها في مكافحة الفساد والفاسدين هو القانون الذي يطلب من الرؤساء والوزراء والنواب والموظفين الكبار تقديم تصاريح بممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وعندما لا يعود هؤلاء في مركز المسؤولية، فمطلوب منهم التقدم بتصاريح جديدة للمقارنة بين ما كانوا يملكون من أموال منقولة وغير منقولة وما صاروا يملكون لمعرفة ما إذا كانت هذه الأموال زادت أم نقصت، ولا يحق الاطلاع على مضمون أي تصريح مشكوك فيه إلا باقامة دعوى لدى النيابة العامة.

هذه الطريقة – المهزلة لم تحل دون حصول ثراء غير مشروع، لا بل فاحش، لأن أحداً لا يستطيع التحقق من صحة ما يتضمنه التصريح الموضوع في ظرف مقفل ما دام مقدمه، وعلى ذمته، يذكر ما يملك من عقارات وأموال منقولة وغير منقولة، ولا أحد يعرف عند تقديمه تصريحاً آخر حين ينتهي عمله في الموقع الذي يكون فيه، ما اذا كانت ثروته قد زادت أم نقصت إذا لم يكن لأحد مصلحة في التقدم بدعوى لمعرفة ذلك. فمنذ بدء تطبيق قانون الاثراء غير المشروع بالطريقة التي تعتمد تقديم تصاريح الى المجلس الدستوري بالنسبة الى الرؤساء والوزراء والنواب، والى مصرف لبنان المركزي بالنسبة الى الموظفين الكبار، لم يتقدم أحد بدعوى ضد أي منهم لمعرفة ما إذا كان أحد منهم قد أثرى اثراء غير مشروع لمحاسبته ومحاكمته، فأصبح تقديم التصاريح مجرد عمل روتيني لا جدوى منه ولا فائدة في التوصل الى مكافحة الفساد والفاسدين مكافحة صحيحة وبوسائل عملية. وكان العميد الراحل ريمون إده أول من اقترح بديلاً من طريقة تقديم التصاريح غير المجدية، رفع السرية المصرفية عن كل من هو في مركز المسؤولية، كبيراً كان أم صغيراً، لمراقبة تحرك حجم ودائعه وممتلكاته، معتبراً أن السرية المصرفية التي كانت من انجازاته لم يكن الهدف منها تغطية الفساد والفاسدين ومرتكبي أعمال النهب والسرقة، ولا لحماية تجار المخدرات أو الفساد السياسي أو الارهاب، بل من أجل المحافظة على المال العام وعلى الأموال النظيفة للمودعين ومنع الاثراء غير المشروع. وقد أيد عدد من رجال السياسية والاقتصاد اقتراح إده، إلا أنه لم يترجم على أرض الواقع فعسى أن يترجم اليوم بعدما دعا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الى رفع السرية المصرفية لمعرفة كل مسؤول عن أزمة النفايات وما حقق من كسب غير مشروع.

وكان ثمة من اقترح انشاء دائرة خاصة في وزارة المال لمراقبة حسابات كل من يعمل في ادارات الدولة ومؤسساتها، ونمو ثروته وممتلكاته بحيث انها اذا لاحظت ان موظفاً براتبه المعروف بات يملك سيارات فخمة واملاكاً وأبنية، فان من حق هذه الدائرة أن تسأله عن ذلك وتتحقق من أقواله. وكان العماد ميشال عون قد اقترح أيضاً في حينه اعتماد الـ”Auditing” لاظهار المسؤولية لدى من يديرون المال والتصرف به وللتثبت من الشفافية.

لقد حذر رئيس البنك الدولي قبل سنوات لبنان من عواقب استمرار تفشي الفساد، ووصف الوضع الاقتصادي بالسفينة المثقوبة. ومنذ توجيه ذاك التحذير الى اليوم والثقوب في السفينة تزداد ويتعذر سدّها رغم تكرار الكلام على مكافحة الفساد وتطبيق قانون الاثراء غير المشروع الذي حوّل عدم تطبيقه الاثراء مشروعاً… وصار الكلام على الاصلاح موسمياً بل “همروجة” سرعان ما تهدأ.

إن مسؤولية مكافحة الفساد تقع أولاً على الشعب الذي عليه ألا يعيد انتخاب الفاسد والمفسد كي يصل الى الحكم أصحاب الايدي النظيفة التي تهتم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتكافح الفساد والرشوة وتحاسب المرتكبين وتحول دون احتكار الحكام وأسرهم الثروات والحاشية خيرات البلاد على حساب الفقراء والمحرومين، وعلى حساب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، وان على الدول القادرة أن تمتنع عن منع قروض ومساعدات مالية لأنظمة منخورة بالفساد لئلا تهدرها في غير سبيلها الصحيح ولا تحقق الغاية المرجوة منها.

والسؤال: أما آن الأوان لئلا يظل لبنان يأتي في مرتبة متقدمة على صعيد الفساد في تقارير الأمانة العامة للأسرة الدولية، وأن يرعوي بعض الطبقة السياسية المتحكمة بمفاصل الدولة عن ممارسة أبشع ضروب الفساد، وألا تظل القوانين حبراً على ورق لمكافحة الفساد وتحقيق الاصلاح الاداري والسياسي لا أن تبقى شعارات فارغة، خصوصاً في وقت لا مجلس يحاسب حكومة لأن سقوطها ممنوع، ولا حكومة تستطيع ملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم، ولا ناخب يحاسب النائب يوم الانتخابات؟