Site icon IMLebanon

غياب «الرأس الناظم» يعمّق الأزمات.. ويعمّمها

الفوضى والفراغ والعشوائية تنهش مفاصل الدولة

غياب «الرأس الناظم» يعمّق الأزمات.. ويعمّمها

في زمن الفراغ والانتظار، في زمن قراءة كل فريق سياسي للتطورات في سوريا من زاوية مصلحته، وخلط الأماني بالحقائق بالمصالح الدولية، يتكشف الواقع اللبناني عن بطالة سياسية مطلقة. يتعمّم الشلل فينسحب على أعمال الوزارات والإدارات العامة. وفي أروقة بعضها من الهمس ما يضاعف من هواجس اللبنانيين الذين يفترضون أن لهم حدّاً أدنى من منظومة الدولة القادرة على تسيير أمورهم.

الوقائع على الأرض وفي المؤسسات لا تعكس ذلك مطلقاً. هي منظومة متكاملة تبدو متحللة. يقول أحد المعنيين المكلفين من الكنائس الكاثوليكية بمتابعة الملفات والقضايا المتعلقة بإدارات الدولة أن «الفوضى والفراغ والعشوائية تتزايد في كل مفاصل الدولة. التآكل ينخر الجسم المؤسسي المتعب والمنهك أصلاً. ووسط الانقسام الحكومي وغياب المحاسبة والمراقبة من أسفل الهرم إلى أعلاه، اي المجلس النيابي، فالتجاوزات في معظم الدوائر والمؤسسات تدفع إلى القلق وتدقّ ناقوس الخطر».

يقول الخبير في خفايا الإدارات والوظائف إن «الاستنسابية والاعتباطية هما الكلمتان الملطّفتان اللتان تعكسان تسيير شؤون الناس الحيوية. ووسط الخوف مما هو أعظم على المستوى الأمني والاستقرار في البلد، لا أحد يهتمّ اليوم بعودة السماسرة الى معظم القطاعات والدوائر الرسمية. لا أحد يسأل عن الرشى التي تزداد علانية. لا أحد يتابع قضايا الناس ومعاملاتهم ومعاناتهم اليومية. لا يهتمون إلا إذا تحوّل الأمر الى فضيحة أو اعترض الناس علناً وتجمهروا وقطعوا الطرقات. حتى تطبيق قانون السير والغرامات ومحاضر الضبط صارت اعتباطية وخاضعة للمزاجية».

وفيما يتحفّظ المعنيون عن إعطاء معلومات وشواهد مفصّلة، يردّون ذلك الى «غياب أية آلية للمحاسبة. فالطبقة السياسية بأكملها هي اليوم تحت مجهر اتهام الناس لها بالفساد والمحسوبية والزبائنية، وهي ألطف التعابير في وصفها».

يؤكد سياسي مخضرم أن «معظم أزماتنا تتأتى من غياب الرأس الناظم. صحيح أن رئيس الجمهورية لن يشرف على تفاصيل سير عمل المؤسسات اليومي، لكن انتخابه سيُعيد خلق دينامية جديدة من أعلى الهرم مروراً بكل المؤسسات ـ المفاصل التي تتحكّم بالبلد. من مجلس الوزراء إلى المجلس النيابي الذي يُفترض أن يحمل بالحد الأدنى، بعض الوجوه الواعدة. وسينسحب ذلك حكماً على كل الدوائر والمؤسسات الرسمية التي صار واقعها مزرياً بكل معنى الكلمة».

يعتقد السياسي أن «الاستثناءات موجودة في كل المرافق. فنجد مثلاً مدارس رسمية طلابها متفوقون. وفروعاً من الجامعة اللبنانية مما يُشهد لحسن إدارتها. كذلك في بعض فروع الضمان النادرة حيث المريض يقدّم فواتيره وينتظر لأقل من نصف ساعة لقبض مستحقاته. وبعض الموظفين في دوائر الدولة يتحمّلون ضغطاً مضاعفاً عن زملاء لهم غائبين او مسجلين على الورق. هذه استثناءات موجودة، لكن الشلل والتراخي والفساد والهدر، بمختلف وجوهه، هو القاعدة».

يقرّ أحد الوزراء بصحة الكثير من هذا التوصيف ويأسف «لعجزنا عن أن نكون سلطة». يحيل الأمر الى «مجموعة عوامل، لكن أخطرها وأبرزها تسليم مقاليدنا بالكامل إلى الخارج، واعتبار أن واقعنا قدر لا مفر منه. ننقسم فريقاً مع ايران وروسيا وفريقاً مع السعودية والولايات المتحدة، ونتوهم أن تأثيرنا يهز استقرار العالم ويرسم خارطته ومستقبله». ويجزم الوزير «أن ما سنناله، في حال استمرار واقعنا على هذا المنوال، هو تهالك ما تبقى من مؤسسات. لا ينفع بعدها التباكي وتبادل التهم والإقرار بالأخطاء والذنوب». يضيف «تتشكل السلطة اليوم، سواء في مجلس الوزراء أو مجلس النواب، من قوى وشخصيات شاركت من موقعها في الحروب التي تعاقبت علينا. يفترض أن معظمنا اختبر أن لا حلّ للبنانيين إلا بتوافقهم وتلاقيهم على الحد الأدنى من بناء الدولة ومؤسساتها. فكيف تتمّ ترجمة ذلك؟».

افتراض الوزير الحزبي بأن اللبنانيين خرجوا بعبر وبمراجعة لحروبهم، لا يبدو مطابقاً تماماً للواقع بدليل اعترافه أن «ما تبقى من مؤسسات جامعة على طريق الانحدار والانهيار، إن لم نبادر إلى وقف هذه العبثية».