بقدر ما أنها معضلة مزمنة عمرها في أقل تقدير ربع قرن، هي معضلة التوافق على قانون انتخاب ينفع لعدة دورات متتالية، بدلاً من قانون ترقيعي يستلحق عشية كل استحقاق، وبقدر ما استفحلت فيه هذه المعضلة بعد الفشل في الترقيع مرة جديدة قبل ثلاث سنوات، فإن مشكلة قانون الانتخاب هذه، تخفي مشكلة أخرى، وهي نضوب الشعارات التي على أساسها سيخوض كل فريق الانتخابات المقبلة.
ولم يحدث أن تنضب في الاستحقاقات الماضية العناوين السياسية، التي على أساسها يكون الاحتكام الى الصناديق.
في الانتخابات السابقة تواجه منطق الحركة الاستقلالية و»العبور الى الدولة» مع منطق معسكر الممانعة بقيادة «حزب الله»، ومناداة هذا الحزب حينذاك بـ «إعادة تكوين السلطة». وفي انتخابات ألفين وخمسة، وعلى الرغم من وطأة التحالف الرباعي، فقد خيضت الانتخابات ايضاً بمضامين سياسية، ان يكن من وحي انتفاضة الاستقلال والعمل لإنهاء حكم التمديد، او من خلال الحيوية التي قادها العماد ميشال عون في عدد من الدوائر ذات الاكثرية المسيحية. وقبلها انتخابات عام ألفين وقد شهدت مضموناً سياسياً مناوئاً للنظام الأمني السوري ـ اللبناني. ولو عدنا ادراجنا لانتخابات التسعينيات وتملينا فيها لوجدناها ايضاً حلبة تواجه بين مضامين سياسية جدية، حتى في سنيّ الوصاية الحالكة. مقاطعة انتخابات اثنين وتسعين كانت بمضمون سياسي ستكون له تداعياته. التأثر بمناخ السينودوس عام ستة وتسعين لاعادة المسيحيين الى الدولة حتى وهي مقوضة السيادة، وقادة مسيحيون في المنفى او في السجن، كانت مؤشراً سياسياً. وفي الموازاة كان استحقاق برز فيه تصارع خطين في سوريا في السنوات السابقة على حسم بشار الاسد الخيار لصالح وراثته لوالده عام ألفين.
لكن ماذا عن المضامين والمآلات السياسية لهذا العام؟ ماذا عن الشعار؟ هل يعقل ان يكون الشعار الذي على اساسه تخاض الانتخابات مقتصراً على التنافر بين مشاريع قوانين الانتخاب؟ الى حد ما يخفي هذا التركيز الزائد وغير المثمر حتى الآن، حول قانون الانتخاب، انتفاء المضامين السياسية لخوض الاستحقاق بعد الاتفاق على قانون، وهذا يعود بدوره فيزيد من صعوبة الاتفاق على قانون.
عشية ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما أعقب هذه الجريمة الارهابية الكبيرة من انطلاقة انتفاضة الاستقلال وثورة الارز، وفي وقت يتكاثر فيه المناخ التشاؤمي في الاقليم، يظهر بشكل جليّ ان الانتخابات العتيدة تفتقد حتى الآن مبارزة بين شعارات مختلفة لكل واحد منها حيويته. هناك فقط معزوفة «فلان يريد ان يلغي فلاناً» و»فلان لن يسمح لاي فلان آخر بأن يلغيه». أحاديث عن إلغاء ومقاومة إلغاء من دون مضامين سياسية مفصلية او واضحة. على اي أساس سيترشح من يترشح اذاً؟
ليس صحيحاً انه عندما يجري الاتفاق على قانون تعود السياسة من تلقائها الى الاستحقاق، ما دام كل قانون انتخاب يوجد شروطاً للّعبة تختلف عن سواه. غياب المضامين السياسية عن الاستحقاق المقبل هو مشكلة بحد ذاتها مفصولة عن مشكلة قانون الانتخاب.
من الخطأ بمكان التوهم بأن الانتخابات يمكن ان تكون سليمة وهي تخاض على قاعدة التباري بين مشاريع قوانين انتخاب فقط لا غير، ثم على قاعدة التفاخر – اذا حصل ذلك – بأن هذا أوصل قانونه المشتهى، وهذا فشل في إيصاله.