IMLebanon

سخافة السياسة اللبنانية

عندما نجد انه لا يتم انتخاب رئيس جمهورية، فيعني ذلك ازمة سياسية كبرى، وازمة نظام، وازمة دستور، وازمة مسؤولين وقياديين، ويكشف ذلك سخافة العمل السياسي في لبنان وكم هو سطحي، بدليل ان الحوارات تجري حول امور اقل من عادية لتهدئة الوضع الامني في حين ان المطلوب هو اعادة هيكلة الدولة بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية.

ثلاثون سنة مضت من قتال وخلافات بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، والمسألة بيد الاستاذ ابراهيم كنعان والاستاذ ملحم رياشي لوضع بيان بالنوايا لن يقدم ولن يؤخر، لان كنعان ورياشي يعرفان تماماً ان المسألة هي تأييد الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وهذا امر غير وارد، ولذلك تحولت ورقة النوايا الى ورقة فولكلورية لا قيمة لها طالما ان العماد عون يطرح نفسه رئيساً للجمهورية دون احد غيره، وطالما ان الاستاذ سمير جعجع لن يؤيده، وبالتالي عدنا الى يوم الاتفاق الثلاثي وازالة ايلي حبيقة من الساحة وانقسام الشرقية بين العماد عون والدكتور جعجع باستثناء تفاهمهما على تعطيل انتخاب النائب السابق مخايل الضاهر ليدخلا في حرب شرسة كبيرة اثر عودة مشروع انتخاب رئيس جمهورية جديد.

والان بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع الامور جيدة والاجواء ايجابية ولكن لا قيمة لها اذا لم يحسم كل واحد امره ويقول الحقيقة، ليقل العماد عون انا اريد من الدكتور جعجع ليس بيان نوايا بل اريد بياناً منه تأييداً لرئاسة الجمهورية، وليقل سمير جعجع انا لا اريد بيان نوايا لمجرد النوايا، بل اريد رئيسا توافقيا، لا اريد لا عون ولا جعجع ، فليعلن الدكتور جعجع انه لا يريد انتخاب عون لرئاسة الجمهورية، عندها يتنهي عمل الاستاذين كنعان ورياشي.

اما الانجاز الاخر الكبير الفولكلوري، فهو حوار برعاية الرئيس بري بين تيار المستقبل وحزب الله، حزب الله مع ايران ومع خط الممانعة من جبهة الجنوب الى الجولان الى سوريا الى العراق الى اليمن ولو قيل ان هذا الخط هو شيعي الهوى، وتيار المستقبل هو مع السعودية ومصر البلدان السنيان الاكثر ثقلاً وحجماً بين الدول العربية، يجتمع تيار المستقبل مع حزب الله على الطاولة عند الرئيس بري، ويخرج وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد الاجتماع ليهاجم مرشد الثورة الايرانية ويهاجم ايران وحزب الله، ويشكر بالرئيس بري ويقول ان هذا الكلام ليس منه بل من الرئيس الحريري، ولذلك فكلمة حوار بين تيار المستقبل وحزب الله هي كلمة كبيرة على الاجتماع الحاصل، ان هذا اللقاء هو مجرد اجتماع لجنة ارتباط، مثلما كانت لجنة الارتباط بين كريم بقرادوني وابو حسن سلامة وديب انستاز وشريف فياض، لانها ليست اكثر من لجنة ارتباط لتحديد ابعاد نقاط الخلافات الامنية بينهما.

وعندما نرى افادة المتهمين امام المحكمة العسكرية ولما يجف دماء العسكريين، وذكرى شهداء الجيش من ضباط ورتباء وجنود في الشمال اللبناني، وكيف كانت الاطراف السياسية تغذيهم بالسلاح والمال، ندرك تماماً اية جريمة تم ارتكابها عبر محاور طرابلس، والقتال هناك وتدمير الشمال، ولذلك فهنالك لجنة ارتباط برئاسة الحاج حسين خليل ونادر الحريري برعاية الرئيس بري لضبط الوضع الامني، اما الوضع السياسي العميق فيظهر ليس على طاولة البحث، وواضح ان سياسة حزب الله والطائفة الشيعية في لبنان هي في اتجاه معين، وواضح ان تيار المستقبل والطائفة السنية هي في اتجاه واضح اخر.

ما قيمة الحوار اذا كان المتحاورون يجلسون على الطاولة ويبعدون الاعلام، ويعتبرون ذلك انجازاً كبيراً، ويبحثون خطة الامن في الضاحية، كأنما المشكلة هي هنا خطة أمن في البقاع والشمال، فيما المشكلة الحقيقة اي لبنان نريد؟ واي لبنان يريد تيار المستقبل؟ واي لبنان يريد حزب الله؟

وبعد هذا الحوار، يخرج وزير الداخلية نهاد المشنوق ليهاجم ايران وحزب الله ومرشد الثورة الايرانية، ويتحدث عن محور سعودي ـ مصري، فيما يتحدث حزب الله في بيانه عن دفاع عن ايران، وادانة الهجوم كل مرة على الجمهورية الاسلامية الايرانية.

جلسة مكتب مجلس النواب كانت جاهزة لتحصل اليوم الخميس، فتأجلت الى يوم الاثنين، ومن رداءة الزمن اننا بحاجة الى بضعة ايام لنحدد ما هو تشريع الضرورة، فيما الموازنة مطلوب اقرارها في مجلس النواب، ولكن من يعفي الرئيس السنيورة من الـ 11 مليار دولار التي صرفها دون قطع حسابات، حتى لو كان الرئيس بري يريد تمرير هذه التجاوزات من قبل السنيورة، فهو غير قادر على ذلك رغم دقة وزير ماليته الدكتور علي حسن خليل، لان الموازنة الجديدة لا يمكن ان يتم اقرارها دون قطع حسابات قبل التصويت على الموازنات السابقة وحصول قطع الحسابات، والمشكلة هنا عند المستقبل الذي يريد براءة ذمة عن الـ 11 مليار التي صرفها السنيورة مع حكومة 14 اذار خارج ديوان المحاسبة، وهيئة التفتيش المركزي، ومن دون قطع حسابات، ومن دون ادخال الاموال في الموازنة، بل ادخالها في حسابات خاصة في مصرف لبنان خارج الحساب رقم 136 التابع للدولة اللبنانية.

سخيفة السياسة اللبنانية.. ولا تستحق منا حبراً على ورق ان نتحدث عن حوار تيار المستقبل وحزب الله، ولسنا في حاجة الى حبر على ورق من اجل الحديث عن بيان النوايا بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وعن ادخال الناس في اخبار لا قيمة لها كل يوم عن الحوارات الجارية واعتبارها اهم الحوارات الحاصلة في التاريخ، كأننا في زمن الدولة الاسلامية وبيزنطية، أو كأننا عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، والحوار الجديد المنطلق مع سقوط جدار برلين، او كأننا على حوار مع العملاق الصيني ومكانته في العالم.

نحن عندما نكتب عن السياسة اللبنانية نسخر من القارئ اللبناني، ونسخر من انفسنا، ونحزن على ما نكتب لان كل شيء سخيف، كل شيء سطحي، كل شيء من دون جوهر، كل شيء من دون عمق، وكل شيء من دون مسؤولية حقيقية.

اخيراً، نقول: عذرا ايها القارئ، اضطررنا للحديث عن امور سخيفة وهي السياسية اللبنانية.. فاعذرنا وسنخفف عنك الحديث في المرحلة القادمة هذه السخافة السطحية.