يمضي العام الدراسي في المدارس الخاصة كالسير في حقل ألغام، نتيجة الظروف المتشنجة وشدّ الحبال بين إدارات المدارس والأساتذة والأهالي. في العلن الإستنفارُ والترقّب سيّدا الموقف، أما في الكواليس فكلُّ طرفٍ يبحث عن ورقةِ ضغط يُحصّن فيها موقعَه. ثمّة إدارات إلتزمت سياسة التقشف بما فيها التخلي عن أكثر من 300 أستاذ، أما لجان الأهل فحذّرت الإدارات من عدم التوقيع على موازنات مدرسيّة تحمّل الأهل أعباء مالية إضافية، فيما الأساتذة يدخلون صفوفهم على مضض في انتظار إشارة من نقابتهم التي، بحسب معلومات «الجمهورية» تدرس اللحظة المؤاتية لإعلان الإضراب.
تنشدّ الأنظار إلى نهاية كانون الثاني المثقلة بالمواعيد الحاسمة، والتي على أساسها سيُحدَّد مسارُ السنة الدراسية ومصيرُها. ففي نهاية الشهر الجاري، إدارات المدارس على موعد مع تقديم موازناتها إلى وزارة التربية بعد أن توقّعها لجانُ الأهل.
وفي هذا الموعد بالذات، يُنتظر أن تعلن الكتلُ النيابية موقفَها من مشروع القانون الذي عُرض عليها خلال مشاركتها في الاجتماعات التربوية التي احتضنتها بكركي بدعوة من الرؤساء العامين والرئيسات العامات للمؤسسات التربوية الخاصة للتشاور حول مشاريع حلول لتداعيات القانون 46.
التفاصيل
منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب والجسمُ التربوي «مخضوض»، والاجتماعات متلاحقة على كل المستويات، سواءٌ في العلن أو بعيداً من الإعلام. فيما عينُ بكركي لم تغمض «فالأزمة التربوية همٌّ يوميّ عند سيّدنا الراعي»، كما يعتبر مصدر معني، موضحاً لـ«الجمهورية»، أنّ «بكركي كانت أوَل مَن طالب الدولة بتحمّل أعباء الدرجات الست، التي منحتها للأساتذة رأفةً بالأهالي وتلمّساً منها للأوضاع المعيشية الصعبة التي يمرّ بها لبنان، وفي الوقت نفسِه حفاظاً على استمرارية المؤسسات التربوية التي صنعت هويّة لبنان الثقافية، وأمّنت حرية التعليم، ولكن جاءَها الجواب بأنّ الدولة عاجزةٌ عن ذلك».
وفيما تشكّل قضية الدرجات الست هذه قنبلة الخلاف التربوي، من دون توافرِ حلٍّ لها منذ العام 2017، يتوقف المصدر عينُه عند الاجتماع الأول الذي شهده الصرح البطريركي هذا العام وفيه تمّ التطرق إلى إمكانيةِ حلّ، فيقول: «جاء الاجتماع في أوّل أسبوع من العام الجديد إستكمالاً للقاءات سابقة، بدعوة من الرؤساء العامين في المؤسسات التربوية وبمشاركة نواب من الكتل النيابية كافة، وذلك بعدما كانوا درسوا ضمن كتلهم مشروعَ قانونٍ أعدّه النائبان السابقان صلاح حنين وغسان مخيبر، طُرح عليهم في اجتماعاتٍ قبلاً، إلّا أنّ معظم النواب طلبوا تمديدَ مهلة دراسة المشروع حتى نهاية الشهر الجاري».
مشروع القانون
أما أبرز ما تضمّنه مشروعُ القانون، فيوضحه أمينُ عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار لـ«الجمهورية»: «أبرزُ بنوده تصحيح الخلل في القانون 46، تحديداً لجهة الدرجات الست التي مُنحت للمعلمين، على أن تكون لمعلمي المرحلة الثانوية لا المراحل التعليمية الأخرى».
ويشير الى أنّ «بعض الأهالي عجز عن تسديد ما ترتّب عليه من أقساط مدرسية منذ ما قبل إقرار السلسلة، فكيف بالحري اليوم؟».
ويضيف «إلتزمت إداراتُ المدارس بالقانون 515 الذي ينظّم موازنتها ويحدّد 35% تُحسم من الأقساط من أجل تطوير المدرسة و65% رواتب وأجور وملحقاتهما، ولكن نتيجة الظروف الاقتصادية الضاغطة، باتت المدارس مجبَرةً أن تقلل من نسبة التطوير وتعصر نفقاتِها ما سيؤثر في العملية التربوية وفي جودة الخدمة التي تقدمها».
ويلفت عازار إلى أنّ القانون 46 يرخي بثقله على المدارس، وتتكشّف عيوبُه تباعاً، «أعادت بعض المدارس تكوين نظامها الداخلي، وتبنّت سياسات تقشّف محدَّدة كأن تضع في الصف 32 تلميذاً بدلاً من 25، وعادت إلى الإلتزام بما ورد في المرسوم 10227 الذي نظم المناهج اللبنانية بحيث أصبحت ساعات التدريس في المرحلة الابتدائية 30 ساعة (بدلاً من 35 التي كان معمولاً بها من أجل تقديم رزمة تربوية ثقافية فكرية متكاملة)، بهدف تخفيض نفقاتها والقسط المدرسي، ومؤسفٌ أنّ المشرّعين قد ضربوا التربية في لبنان وأجبروا المدارس على هذه الخطوات».
وما يزيد «الطين بلّة»، بحسب عازار، قضية المدارس الخاصة المجانية التي باتت مهدّدة بالاقفال لتقاعس الدولة عن تسديد موجباتها، فيقول «الأزمة تراوح مكانها، فالدولة لم تسدّد منذ 4 سنوات ما يتوجّب عليها، في وقت، يتقاضى المعلمون في المدارس رواتبهم»، مشيراً إلى أنّ «نحو 143 ألف تلميذ يستفيدون من تلك المدارس، والدولة ماضية في سياسة التطنيش».
ماذا خلف صمت المعلمين؟
«السكوتُ لا يعني الرضى». بهذه العبارة يمكن اختصار كواليس المعلمين في المدارس الخاصة الذين يواصلون العام الدراسي وسط تململٍ وتأفّف من عدم إعطاء معظمهم الدرجات الست التي منحهم إياها القانون، وموجة الصرف التعسّفي التي طالت بعضهم.
في هذا الإطار يؤكّد نقيب المعلمين رودولف عبود لـ«الجمهورية»: «أنهم ليسوا هواة إضراب، ويخشون على مستقبل تلاميذهم وأهلهم، ولكن متى تصل الأمور إلى الخطوط الحمر سنتحرك». ويروي «سبق أن تحركنا عبر القضاء منذ العام المنصرم ورفعنا دعاوى باسم الأساتذة المتضرّرين وباسم النقابة، والرهان على الوقت والسرعة اللذين سيبديهما القضاء للنظر في تلك الدعاوى».
وبنبرة حاسمة يحذّر أنّ «التحرك الميداني والأكبر سيكون في اللحظة التي نشعر أنّ مشروع القانون، الذي تدرسه الكتل النيابية حالياً حول الدرجات الست وحصرها بمعلمي المرحلة الثانوية، سيسلك طريقَه في المجلس النيابي، حينها سنعلن الإضرابَ دفاعاً عن حقوق الأساتذة».
عبود يجزم أنّ «النقابة سبق وأعلنت رفضَها مسألة حصر الدرجات الست بمعلمي الثانوي لأنهم يشكلون فقط 8 في المئة من مجموع المعلمين الذين سيستفيدون»، لذا يبدي استغرابَه من «متابعة النقاش حول تدارس هذا الحلّ المرفوض من الأساس»، مشيراً إلى أنه «سبق وأبدينا حسنَ تعاوننا وتركنا لإداراتِ المدارس الصغيرة التشاور والاتفاق مع معلميها على الصيغة الفُضلى التي تضمن حقوقهم وتؤمّن الاستمرارية. غير أنه في المدارس الكبرى يلوح خطر من أن تخسرَ تلامذتها ليس بسبب رواتب الأساتذة، إنما نتيجة السياسات التي تتّبعها مع الأهالي على حساب أرباحها، فضلاً عن المنافسة القائمة بين المؤسسات التربوية بحدّ ذاتها والتي تعيش في سباقٍ دائم للمحافظة على عدد معيّن من التلامذة».
الأهالي: لسنا الحلقة الأضعف
فيما يراقب الأهالي الكباشَ المُستعر بين إدارات المدارس والمعلمين، بمرارةٍ يواصل معظمُهم تعليم أولادهم في المدارس الخاصة في ظروف إقتصادية ضاغطة. هنا تتساءل إحدى السيدات ناقمة: «مِن وين منجيب لنعلّم ولادنا؟ إذا «الزودة» 500 ألف وعندي 3 ولاد يعني مليون و500 ألف، ونحنا في شهر أعياد!».
في هذا السياق، رئيسُ إتحاد لجان الأهل في كسروان- الفتوح وجبيل ريشار مرعب، يدرك أنّ «وجع الأهالي هو نفسُه، في كل المناطق»، ويأسف في حديث لـ«الجمهورية»، لتراجع وزارة التربية عن الإحالات والشكاوى التي قُدّمت إليها العام الماضي، ويخبر أنّ «نحو 66 مدرسة لم توقّع فيها لجانُ الأهل الموازنة، وقدّمت شكوى إلى وزارة التربية التي يُفترض أن تحيلها على المجلس التحكيمي التربوي ليحقق فيها ويعيّن خبيرَ محاسبة، إلّا أنّ الوزارة تراجعت عن الإحالات، رغم أننا كلجانِ أهل لم نسحب أيَّ شكوى».
ويتابع: «السيناريو نفسُه يتكرّر هذه السنة حيث إنّ عدداً كبيراً من لجان الأهل أعلن إمتناعَه عن توقيع الموازنات، كونها تحمل زيادات على الأقساط، لذا ستُقدَّم شكوى لوزارة التربية، ونأمل ألّا تكرّر موقفها ذاته بالتراجع عن الإحالات».
وفيما يلوّح الأهالي باستعدادهم للتحرك في الشارع والاعتصام احتجاجاً على تراكم الأقساط العاجزين عن تسديدها، تمنّى مرعب على «إدارات المدارس أن تعصرَ نفقاتِها وتلجمَ حركة «العمار» لديها، والمصاريف في الوقت الراهن، تحسّساً بالضائقة الاقتصادية التي يعيشها الأهالي».