IMLebanon

انجازات التدخل الوقائي في سوريا: ردع لاسرائيل ودفاع استباقي ضد التكفيريين

واضح جداً أن الانجازات التي ترتبت على صمود سوريا وحلفائها في مواجهة الجماعات الارهابية والتكفيرية، كانت لها نتائج وتداعيات تتصل بالساحات السورية واللبنانية والاقليمية. ومن التداعيات المباشرة، اللاحصرية، تجذير معادلة الردع الاقليمي ضد العدو الاسرائيلي، والحؤول دون تحقيق الجماعات التكفيرية ما كانت تطمح اليه في سوريا ولبنان والمنطقة.

هذه المقالة تقتصر على انجازات نجمت عن تدخل حزب الله في سوريا، تتصل بالساحة اللبنانية حصراً. ولا يتعارض ذلك مع حقيقة أن هذه الانجازات هي حصيلة جهود مشتركة لكل محور المقاومة، وفي مقدمه الجيش السوري. كما أنها لم تكن لتتحقق لولا التكامل مع الدور الذي تضطلع به الاجهزة الامنية اللبنانية وتحديدا الجيش اللبناني. مع الاشارة الى أن أهداف هذا التدخل كانت وقائية، لمنع تشكّل التهديد على لبنان، وقبل أن تصبح كلفة مواجهة هذا التهديد أكبر بكثير على الواقع اللبناني.

يصعب، بداية، حصر هذه الانجازات إذا ما أُخذ في الاعتبار أن التهديد الذي كان يتربص بلبنان كان وجودياً. وعليه، فإن ما تحقق يتصل بالعديد من العناوين ذات الصلة بالبعد الوجودي والامني والسياسي، وأيضا تثبيت معادلة الردع ضد العدو الاسرائيلي، التي لا تقل اهمية، بأبعادها، عن الخطر الوجودي.

اولاً: حفظ الوجود. لم يكن التهديد الوجودي للبنان ككيان مجرد فرضية أو تحليل. بل كان واقعاً فعلياً، تؤكده الخلفية الفكرية للجماعات التكفيرية ازاء لبنان ومكوناته الدينية والمذهبية والطائفية. وقد كشفت مواقفها وخطاباتها وممارساتها العملية في سوريا والعراق، ضد كل المذاهب والطوائف، عن المدى الذي كان يمكن أن يبلغه هؤلاء.

وأهمية التصدي لهذا التهديد، أنه أتى قبل اكتمال عناصر تمكينه وتوافر قدراته العملية. وهو تصدٍّ لم يكن يتحمل أي تأجيل أو خطأ في التقدير أو تردد بفعل الهجمات السياسية والاعلامية والنفسية، أو نتيجة الاصغاء الى تقديرات ووجهات نظر تنطلق من حسابات ضيقة، هذا إذا أحسنّا الظن بالبعض. إذ ما كان يمكن الحؤول دون سيناريو شطب لبنان عن خارطة الوجود، إلا بمنع سقوط الدولة السورية في أيدي هذه الجماعات.

وفي كل الاحوال، فإن النتيجة التي تحققت بفعل تدخل حزب الله، الى جانب الجيش السوري وحلفائه الاخرين، كانت إبعاد شبح التهديد على وجود لبنان، بكل مكوناته. وهذه حقيقة لا ينكرها الا المكابرون.

ثانيا: الأمن المناطقي. لم يكن يعني زوال الخطر الوجودي عن لبنان، بالضرورة، زوال كل الاخطار الاخرى. فمنع اسقاط الدولة السورية يحول دون تمكن التكفيريين من غزو لبنان، لكنه ما كان ليحول دون مستويات تهديد اخرى تتصل بالحدود الشرقية، وتحديدا المدن والقرى المتاخمة للحدود في البقاع. وينبع هذا التهديد من أن صمود الدولة السورية في دمشق ومحيطها، اقترن في حينه بسيطرة هذه الجماعات على أغلب الحدود المتاخمة للاراضي اللبنانية، الامر الذي كان يعني بقاء خطر هذه الجماعات محدقا بالمدن والقرى البقاعية. وقد استطاع حزب الله، مع حلفائه، اجتثاث هذا التهديد عبر تطهير منطقة القلمون، واغلب حدود لبنان الشرقية، الامر الذي انعكس استقرارا أمنيا بنسبة عالية جدا، نعمت به تلك المنطقة.

ثالثا: تخفيف العبء. الواضح أن اجتثاث الوجود العسكري والامني للجماعات الارهابية من منطقة القلمون، ومن اغلب المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية الشرقية، ساهم ايضا في تخفيف العبء الامني على الاجهزة الأمنية اللبنانية. وقد ساهم ذلك في تمكين الجيش اللبناني وبقية الأجهزة الأمنية من تحقيق أكبر قدر من الانجازات، بجهد أقل بكثير مما كان سيُبذل، لو بقي هؤلاء في مناطق انتشارهم وسيطرتهم.

رابعا: مظلة امان. ساهم تطهير مساحات واسعة من الاراضي السورية من الجماعات التكفيرية في توفير خط دفاع صلب عن الحدود والعمق اللبناني. هذا الواقع ساعد على توفير منسوب كبير من الاستقرار الامني والسياسي. واذا ما جرت المقارنة بين الظروف الجغرافية والديمغرافية وامكانات لبنان، والعديد من دول المشرق العربي ومغربه، يتضح حجم هذا الانجاز.

وهنا، تنبغي الاشارة الى أن حزب الله استطاع أن يبدّد استمرار رعاة التكفيريين في الرهان على التطورات السورية بما كان سيؤدي الى التمادي في توريط لبنان في مزيد من المغامرات السياسية، التي لا يمكن لاحد أن يضمن تداعياتها في الساحة اللبنانية. بعبارات أخرى، ساهم تدخل حزب الله في سوريا، في قطع الطريق على مزيد من الرهانات على امكانية فرض صيغة هيمنة سياسية في لبنان، استمرارا للمحاولات التي بدأت منذ عام 2005. كما ساهم في المحافظة على قدر من الشراكة على مستوى القرار السياسي. وأدت هذه الانجازات الى المساهمة في توفير مناخ سياسي عبَّد الطريق أمام تنفيذ الاستحقاق الرئاسي الذي سيليه تأليف الحكومة وانطلاق المسار السياسي الحكومي من جديد.

معادلة ردع ودفاع

ولعل أهم ما أنجزه حزب الله، ايضا، أنه خاض معركته ضد الارهاب في سوريا ولبنان، بما لم يمس بقدرته على ردع العدو الاسرائيلي. من أبرز تجليات هذا المفهوم أن العدو عندما حاول «جس النبض» ازاء امكانية استغلال انشغال حزب الله في سوريا، ومحاولة تنفيذ اعتداءات في الساحة اللبنانية، كان الرد بما يتناسب في حينه، وأدى الى انكفاء العدو بعدما فهم أن مشاركة حزب الله في سوريا لا تقيد ارادته وقراره وقدرته على مواجهة اي محاولة لفرض معادلة جديدة، تسمح باعتداءات عسكرية مباشرة على الاراضي اللبنانية.

هذه المعادلة المفروضة على العدو، هي التي خلصت اليها الاستخبارات الاسرائيلية، بعد رد حزب الله على عدوان القنيطرة مطلع عام 2015، كما نقلت في حينه صحيفة «يديعوت احرونوت» بأن «من يعتقد بأن قتال حزب الله في سوريا سيردعه عن ردود يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة، عليه أن يعيد حساباته».

وعلى خط مواز، واصل حزب الله تعزيز قدرة ردعه ضد العدو، على المستويين الاستراتيجي والعملاني، من دون أن يكون ذلك على حساب التصدي للتهديد التكفيري في سوريا ولبنان. نتيجة ذلك، تمكَّن الحزب من رصد قدرات كافية تسمح له بدفع التهديد التكفيري. وهكذا تكاملت استراتيجيته عبر معادلة مزدوجة غذّت بعضها بعضا. من جهة ردع العدو الاسرائيلي عن المبادرة العملانية العسكرية المباشرة، وفي المقابل «الدفاع الاستباقي» ضد العدو التكفيري.

مع ذلك، ينبغي الاقرار بأن الطرفين الاسرائيلي والتكفيري، تكاملا وتناغما في محاولة استهداف حزب الله. وجود الخطر الاسرائيلي المتوثب ضد الحزب أجبره على الاحتفاظ بقدر من القدرات منعا لأي مفاجأة اسرائيلية. وضرورات المواجهة ضد التهديد التكفيري، فرضت عليه توجيه جزء اساسي من قدراته لمواجهته، الامر الذي كاد أن يستدرج العدو للتورط، كما وردت الاشارة اليه أعلاه.

ومع أن المعركة ضد الارهاب ما زالت مستمرة، والعدو الاسرائيلي ما زال متربصا، إلا أن القدر المتيقن هو أن مسار التطورات الميدانية في سوريا، وكذلك المواجهة الصامتة وحرب الارادات مع اسرائيل، لا تنبئ بإمكان انقلاب الصورة والمشهد في الساحتين. باتت المعادلة المفروضة من قبل حزب الله، أعمق وابعد من القدرة على الرجوع فيها الى الوراء، رغم حنين البعض ورهانهم، على مجهول الايام المقبلة، التي يقدر لها ان تحوي مزيدا من الانجازات.