إقرار موازنة 2018 بسرعة قياسية والإتفاق على ورقة المؤتمر في مجلس الوزراء
توافق سياسي على تقديم التسهيلات المطلوبة لعقد مؤتمر «سيدر» للنهوض الإقتصادي
تفاهم اللبنانيين ومبادرتهم للتجاوب واتخاذ الإجراءات المالية والاقتصادية بالداخل, تعتبر عاملاً مهماً وأساسياً داعماً للبنان أمام المجتمع الدولي
يلاحظ أن المواقف والتصريحات التي تصدر عن الدول الفاعلة تدعم وتساعد في التحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمر «سيدر» في باريس مطلع الشهر المقبل وبعده بقليل مؤتمر بروكسل المخصص لدعم لبنان في مواجهة مشكلة النازحين السوريين، لاقتناع هذه الدول بضرورة مدّ يد المساعدة للبنان في هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وللتخفيف من تداعيات الأزمة السورية التي ترخي بانعكاساتها السلبية على دول الجوار ومن بينها لبنان، لأن البديل لعملية مساعدة لبنان والنهوض باقتصاده الذي يُعاني صعوبات عديدة سيكون مكلفاً أكثر ولن تنحصر آثاره ونتائجه داخل حدوده فقط وإنما ستمتد إلى خارج الحدود وتضرُّ دول ومجتمعات أخرى.
وانطلاقاً من هذا التصور والتقييم الواقعي المستند إلى حقائق ملموسة، أصبحت المراحل التحضيرية لمؤتمر «سيدر» في نهاياتها وبأدق تفاصيلها، بالرغم من محاولات بعض الأطراف السياسيين الداخليين التشكيك في جدوى المؤتمر تارة أو التقليل من أهميته في التخفيف من وطأة الضغوط الاقتصادية التي يُعاني منها البلد منذ مُـدّة أو من الأعباء وتزايد الديون التي تستجلبها القروض الإضافية التي سيحصل عليها لتمويل الخطة البرنامج التي سيعرضها على المؤتمر بكل تفاصيلها.
إلا ان التشكيك والتقليل من عوائد مؤتمر «سيدر» لا سيما من بعض الوزراء المشاركين في الحكومة، لم يترافقا مع أي خطوات أو مواقف اعتراضية أو رافضة بالمطلق أو اتباع سياسة سلبية لوضع العصي في الدواليب لتعطيله، كما كان يحدث في مناسبات سابقة طوال السنوات الثلاثين الماضية، لسببين رئيسيين، الأوّل يعود لتحسس هؤلاء المشككين بصعوبة الأوضاع الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان جرّاء ظروف الأوضاع الداخلية والإقليمية والتي باتت تتطلب إجراءات وتدابير سريعة وملموسة لوقف التدهور الحاصل ووضع حدٍ له والمباشرة بخطوات متزامنة للنهوض بالوضع الاقتصادي، من مختلف جوانبه لأن ترك الأمور على ما هي عليه والدوران في حلقة مفرغة من التلهي والمناكفات العقيمة لن يؤديا إلى إيجاد الحلول والمعالجات المطلوبة لمثل هذه الأزمة، بل سيزيدان في تدهور الأوضاع نحو الأسوأ وهذا سيضر بالجميع من دون استثناء والسبب الثاني، غياب أي حلول بديلة أو معالجات أو خطط أفضل من الخطة التي ستطرح على مؤتمر «سيدر» لدى هؤلاء بالرغم من كل ملاحظاتهم وانتقاداتهم بخصوص جدوى المؤتمر وتأثيره على الوضع الاقتصادي عموماً.
ولذلك، تبدو مواقف هؤلاء لا تعدو كونها وجهات نظر شخصية للفت الأنظار إلى تحفظ محدود تجاه المؤتمر ولطرح ملاحظات معينة لا ترقى إلى وجود بدائل مقبولة ومعقولة لما سيطرح على مؤتمر «سيدر» في محاولة لإظهار دور غير موجود أو لتفادي أي تعثرات أو فشل ما في تطبيق نتائج المؤتمر ومؤثراته على الوضع الاقتصادي.
ولكن بالرغم من كل هذه الملاحظات من هنا أو هناك، يُسجل تجاوب كامل من جميع القوى والأطراف المشاركة في الحكومة لتسهيل انعقاد مؤتمر «سيدر» من خلال الاتفاق في مجلس الوزراء على إقرار ورقة الحكومة التي ستناقش داخل المؤتمر بعد الأخذ بالعديد من الملاحظات، ووجهات النظر المنطقية المطروحة، والتفاهم الموازي لتسريع درس واقرار مشروع موازنة العام 2018 في وقت قصير نسبياً عمّا كان يحصل في السابق، ولا شك ان هاتين الخطوتين، تدلان على وجود رغبة اكيدة من جميع القوى والأطراف السياسيين لتسهيل انعقاد مؤتمر «سيدر» وإزالة كل العوائق الموجودة من امامه، وهذا من شأنه الظهور بموقف سياسي موحد بالداخل اللبناني امام العالم بالرغم من التباينات ووجهات النظر المختلفة حول أمور ومسائل داخلية وخارجية على حدٍ سواء.
فتفاهم اللبنانيين ومبادرتهم للتجاوب واتخاذ كل الخطوات والإجراءات المالية والاقتصادية بالداخل تجاوباً مع مطالب الدول المساهمة في المؤتمر، تعتبر عاملاً مهماً واساسياً داعماً للبنان امام المجتمع الدولي لتفهم البرنامج – الخطة التي ستطرحها الحكومة على طاولة المؤتمر، ومن خلالها يمكن للبنان ان يحظى بتفهم لما يحتاجه في المرحلة المقبلة للنهوض باقتصاده نحو الأفضل وعلى أسس حديثة حسب الخطة الموضوعة لذلك.
ويبدو حتى الآن ان الموقف اللبناني الموحّد، يزيد من عزيمة الدول الداعمة لتسريع الخطى باتجاه عقد مؤتمر «سيدر» وبعده مؤتمر «بروكسل» والموافقة على لائحة المطالب المدرجة في الخطة، في حين ان استفحال الخلاف الداخلي بخصوصه كان سيؤدي إلى اضعاف الموقف اللبناني عموماً وتلكؤ في الاستجابة لما يطلبه لبنان أو الحصول على أقله مثلاً.