جدول الأعمال واسع في محادثات واشنطن كما كان في محادثات موسكو بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي ريكس تيلرسون وسيرغي لافروف. والحديث الهاتفي الأخير الايجابي جدا بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين تناول عناوين عدة بقي البحث في تفاصيلها على عاتق وزيري الخارجية ووزيري الدفاع ورئيسي الأركان. وليس أكثر من المكشوف سوى المستور في الملفات المفتوحة على الطاولة، وهي أوكرانيا، سوريا، والعلاقات الثنائية حسب الخارجية الأميركية.
أما التطور الأخير الملح بالنسبة الى موسكو، فانه توقيع روسيا وتركيا وايران مذكرة روسية كدول ضامنة لاقامة مناطق خفض التصعيد في حرب سوريا، وفصلها عن مناطق التصعيد بحزام أمني يسمى منطقة أمنية كبديل من المناطق الآمنة. واذا كان وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس يبحث عن الشياطين في تفاصيل الاتفاق الثلاثي، فان المعارضين يعترضون على دور ايران وأي وجود عسكري لها في المنطقة الأمنية، والنظام يرفض أي وجود دولي تحت اشراف الأمم المتحدة في تلك المنطقة. وأقل ما أكدته التجارب في الحرب واتفاقات وقف النار هو انه ما من شيء مضمون بالفعل. لا وقف النار. لا نهاية الحرب. ولا الصورة الأخيرة التي تتبلور على خارطة سوريا.
والبازار مفتوح منذ البداية بين أميركا وروسيا. وباب الانخراط في الحرب كان ولا يزال مفتوحا أمام القوى الاقليمية، سواء مباشرة أو بالواسطة. كذلك باب مشاركة أصوليين من ثمانين بلدا في أوسع عمليات ارهابية ضمن لعبة جيوسياسية أكبر. لكن ظروف الصفقة الكبيرة بين واشنطن وموسكو ليست ناضجة بعد. وحسابات الكبار بالنسبة الى الحصص أو الأدوار المفترضة لايران وتركيا واسرائيل ودول خليجية لم تكتمل بعد، ومعها رهانات تلك القوى على أدوارها الاقليمية وحاجة الكبار الى إرضائها.
ذلك ان الحدّ الأقصى للتفاهم المفترض في محادثات واشنطن هو حسب الكلام الرسمي، وقف العنف في شرق أوكرانيا وتطبيق اتفاق مينسك، مع بقاء كل شيء على حاله بالنسبة الى ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم والعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها. وهو أيضا إعطاء الأولوية لمحاربة الارهاب في سوريا والبحث في وسائل تخفيف العنف، وفتح الطرق أمام المساعدات الانسانية، وتحضير أسس لتسوية سياسية، من دون التوصل الى التسوية بالطبع.
وكلما قيل ان الوضع معقد بدا أكثر تعقيدا. روسيا التي دخلت الحرب بقرار من الرئيس بوتين مضطرة للاستعانة بدور ايران وحلفائها على الأرض، وللتنسيق مع أميركا وتركيا، واسرائيل حول تنظيم السير في الفضاء. أما في التسوية فانها تحتاج الى أميركا، وفي اعادة الاعمار الى الغرب والعرب. وأما في مستقبل سوريا، فان العقدة أكبر من مصير النظام.