ليس غريباً أن تُوجَّه دعوةٌ الى المسؤولين السياسيين والروحيّين لزيارة السعودية، خصوصاً أنّ مسبحة الزيارات بدأت تكرّ، لكن ما برز في الأمس هو الدعوة التي تسلّمها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوّض وليد البخاري لزيارة الرياض قريباً.
دعوة البخاري لم تقتصر على الزيارة، بل تم تحديدُ برنامج اللقاءات الذي بلغ أعلى مستوى، حيث سيلتقي الراعي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، في حين أنّ معظم القيادات التي زارت الرياض أخيراً لم تلتقِ الملك سلمان.
وتؤكّد مصادرُ البطريركية المارونية أنّ اللقاء بين الراعي والبخاري كان ممتازاً، والدعوة السعودية تُمثّل تحوّلاً جديداً في سياسة المملكة، ويكفي الوصف الذي إستعمله البخاري للدلالة على أهميّتها، إذ قال من بكركي: «تُعتبر من أهم الزيارات الرسمية، وهي تاريخية».
وتنظر بكركي بعين الإرتياح الى هذا التحوّل السعودي، وتكشف مصادرها لـ«الجمهورية» أنه «كان يُعمل لهذه الزيارة منذ نحو سنتين، وحصلت إتصالات بين البطريركية والسفارة السعودية، الى أنّ تمّ تحديد الموعد، وباتت امراً واقعاً».
وتشدّد بكركي على الفصل بين زيارة الراعي والزيارات السياسية التي حصلت أخيراً، وتقول: البطريرك لن يذهب الى المملكة للدخول في التفاصيل السياسية والزواريب الداخلية، فبكركي ليست طرفاً بل هي الأمينة على الكيان اللبناني، وهذه الزيارة هي الأولى لبطريرك ماروني الى المملكة في تاريخنا الحديث، وستقتصر اللقاءاتُ الرسمية على الملك سلمان، والأمير محمّد بن سلمان، فيما الزياراتُ السياسية لم تصل الى حدّ لقاء الملك».
أما عن الموضوعات التي سيعرضها الراعي مع الملك سلمان، فهي عدّة، إذ تؤكّد مصادر بكركي أنّ «لقاءَ رأس الكنيسة المارونية بالملك السعودي لن يكون عادياً، فهذه المرة الأولى التي يحصل حوارٌ مباشر بين الجهتين، وقد حضّر البطريرك الموضوعات التي سيطرحها وهي ستتركّز على ملفّاتٍ كثيرة أبرزها:
– أولاً دعم مطلب لبنان لأن يكون مركزاً لحوار الحضارات والأديان، وهذا الأمر طرحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الأمم المتحدة، وبكركي تريده أن يتحقّق وتطلب مساعدة السعودية فيه.
– ثانياً، الحوارُ بين الأديان، خصوصاً بين الإسلام والمسيحية، إنطلاقاً من رفض العنف والإرهاب، والعمل المشترَك للحفاظ على التنوّع الطائفي والمذهبي في الشرق.
– ثالثاً، وضع الجالية اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً، إذ تأمل بكركي أن تستمرّ المملكة في سياسة الإنفتاح ما يساعد الجالية في البقاء والإستمرار.
– رابعاً، العلاقات المارونية السعودية، واللبنانية- السعودية، إذ إنّ لبنان يعتبر السعودية بلداً صديقاً، ويجب العمل على تعزيز هذا الأمر، وأيُّ انْحدارٍ في العلاقة بين الطرفين سيلحق الضرر بالجميع، خصوصاً أنّ لبنان متمسّكٌ بأفضل العلاقات مع أشقائه العرب.
– خامساً، الوضع العام في لبنان والمنطقة، من دون الدخول في التفاصيل والزواريب السياسية، فلبنان يطلب مساعدة المملكة في ملفات عدّة منها إقتصادية، ومنها وجودية، حيث يمكن للرياض أن تلعب دوراً أساساً في معالجة أزمة النزوح وتداعياتها وإيجاد حلول لأزمات المنطقة ما ينعكس إيجاباً على لبنان ويساهم في إرساء السلام والأمان لجميع شعوب المنطقة، أقليات وأكثريات.
وتراهن بكركي على الحوار الذي سيجري بين البطريرك والملك، خصوصاً أنها الفرصة الأولى لطرح هكذا موضوعات، وترى بكركي في الخطوة السعودية تحوّلاً في اتّجاه التعامل والتعاون مع الموارنة والمسيحيين، خصوصاً أنّ الرياض تنظر الى لبنان كبلد شقيق، وقد ميّزت بطريرك الموارنة بهذه الدعوة الخاصة والمتقدّمة، ما يدلّ على أنّ النيات الطيّبة موجودة وفتح صفحة جديدة مبنيّة على الإنفتاح على الجميع قائمة.
قد لا يكون هناك متسّعٌ من الوقت للقاء البطريرك بالجالية اللبنانية، لكنّ هذه الجالية ستكون حاضرةً في لقاءاته مع المسؤولين السعوديين، وهي تُعتبر مساهماً أساسياً في تطوير المملكة، كما أنّ هناك مطالب قد تُطرح لعلّ أبرزها بناء كنائس في السعودية في ظلّ النهج الجديد الذي يرسيه الأمير محمد بن سلمان، وقراراته الأخيرة بشأن المرأة أكبر دليل.