IMLebanon

المتفقون على السوريين

         

موسكو تبتلع «جنيف 1»… المعارضة السورية لا تستطيع أن تهضم ما وراء أفعال الكرملين، خصوصاً تحجيمه الفصائل المعارِضة المقاتِلة، غير المصنّفة إرهابية، و «تسريب» مشروع الفيديرالية الذي يشجّع أكراد البلد ويحرّضهم على رفض العيش تحت سقف الدولة الموحّدة، ولو بُنِيت ديموقراطية.

واشنطن ابتلعت «الطُّعم» الروسي، أو أنها واثقة بـ «صواب» خيارها تفويض الكرملين ملف الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من ثلاثمئة ألف سوري، ومحت مدناً وبلدات عن الخريطة، وهزّت حدود أوروبا… وانتزعت من العرب ما بقي لديهم من ثقة بوعود الرئيس باراك أوباما الذي أجاد قرع الطبول ثم ترك شعباً في محرقة الجلاّد وحلفائه.

بات واضحاً من فصول الحرب- المحرقة، أن تقاطع مصالح- على الأقل- يجمع أربعة أطراف: أميركا التي تخشى على جنودها وتفضّل التفرُّج ولو أمام إبادات، وروسيا الثائرة لـ «كرامتها» في مواجهة «غطرسة» الغرب و «غدره»، وإسرائيل النائمة على حرير تدمير دولة أخرى عربية، بما يمكّنها من ضمان أمنها لخمسين سنة مقبلة… وأخيراً إيران الحليف الثاني للنظام السوري والذي لم يستطع إنقاذه رغم إرساله فِرَق «الخبراء» لإدارة المعركة.

موسكو تنسّق مع إيران وإسرائيل وأميركا، وطهران وموسكو تديران نظام الرئيس بشار الأسد، وإن كانت الريبة الإيرانية واضحة حيال مدى إصرار الكرملين على التشبُّث بـ «شرعية» الأسد. صحيح أن الروس ما زالوا يقصفون مواقع ومناطق تحت سيطرة المعارضة المعتدلة، لكن الصحيح ايضاً أن لا أحد يشكّك بـ «مرونتهم» حين تأتي ساعة التسوية. فقيصر الكرملين يُدرك أن أي مفاوضات جدية لطيّ صفحة الحرب، لا بد أن تكون مع المعارضة، بما فيها الفصائل المسلّحة «غير الإرهابية». واستقواء الأسد باستعادة مناطق منها، لن يمكّنه من فرض جدول أعمال لجنيف بمعايير النظام، أي الإصرار على أولوية مكافحة الإرهاب. المهزلة أن الجميع يعرف تماماً أن الذريعة ذاتها للتنصُّل من المرحلة الانتقالية، ستجعل المرحلة في خبر كان قبل أن تبدأ، ما يفسّر غضب الهيئة التفاوضية العليا.

أربعة متفقون على السوريين، على حساب دمائهم… أربعة أيضاً محشورون في زاوية الوقت والتسوية المريرة: طهران المشكّكة التي أجّلت روسيا تسليمها منظومة صواريخ حديثة، وموسكو الساعية إلى خفض موازنة الدفاع لجيشها، ونظام الأسد القلِق من نيات الكرملين، والمعارضة السورية التي تلقّت ضربات وخسرت مناطق ومواقع بعد تدخُّل الروس. وإذا صح أن واشنطن تريد بالتفاهم مع الرئيس فلاديمير بوتين فرض تسوية في سورية، خلال ما تبقى من عهد أوباما، ينتقل قلق النظام وحليفه الإيراني الى مرحلة حرجة، قد تستتبع «مبادرات» مفاجئة من الأسد لعرقلة قطار الحل، ليست من النوع المسرحي الذي اكتسته دعوته الى انتخابات عامة الشهر المقبل.

الأكثر مرارة لدى السوريين، أن القطار الروسي الذي تحرُسُه غارات على الأخضر واليابس، قد يخذل بوتين أولاً، ولا يصل إلى أي محطة… مسار الحرب لا تحسمه دائماً معركةٌ هنا وكرٌّ وفرٌّ هناك، ولا الحرب الجوية وحدها قادرة على إرغام الفصائل المقاتلة على رفع الراية البيضاء.

أما سيناريو العودة إلى الخيار الإيراني، فيعني- رغم استبعاده- إعفاء موسكو من كلفة الحرب، واستكمال انتحار سورية ونحر السوريين. وإذا كان صحيحاً ما أكّدته واشنطن عن سحب طهران عناصر من «الحرس الثوري» من ساحات الحرب، فأغلب الظن أن الخطوة مرتبطة بقطار التطبيع الأميركي– الإيراني أكثر مما هي من مستلزمات إدارة الكرملين القتال. وتعيد إلى الذاكرة وقائع النفي الإيراني المتكرر للتفاوض مع الولايات المتحدة على ملفات إقليمية.

مَنْ يكسب الرهان، موسكو أم طهران؟ الجواب معروف إذا كانت المنطقة في مخاضها العسير على عتبة خرائط جديدة. ولكن، حتى لو أراد الكرملين تفادي ما فعله الغرب في ليبيا، وتركه إياها لاقتتال الميليشيات، فأي تسوية مضمونة في سورية، وبين جولة قتال وأخرى تتضخّم الأحقاد وألغام وحدة البلد؟ إذا أصرّت المعارضة على رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، فهل يخرّب النظام وقف النار، ليستدرج ضربات أخرى روسية، من أجل إنهاك كل الفصائل؟… أم أن القلق التركي– الإيراني من مشروع الفيديرالية السورية وطموحات الأكراد، سيوحّد تطلُّعات أنقرة ومصالح طهران في مشروع تعطيل القطار الروسي؟