IMLebanon

الإتفاق الذي لم يعد وسيلة نقل رئاسية  

 

ما هو السرّ في أن تفاهماً بين المسيحي الأقوى والشيعي الأقوى يستمر صامداً بالرغم من مرور إثنتي عشرة سنة على إبرامه في كنيسة مار مخايل – الشياح، بينما تسقط ورقة التفاهم بين المسيحيين الإثنين الأقويين قبل أن يجف حبرها!

 

وما السرّ في أن التفاهم (غير المكتوب) بين المسيحي الأقوى والسنّي الأقوى لايزال مستمراً (وحتى إشعار آخر) مع إنه وُلد في المرحلة الزمنية ذاتها تقريباً التي تم التوصل فيها الى إتفاق المسيحيين الإثنين الأقويين؟

أين العلّة؟

أليست العلّة في الصراع على الكرسي؟

عندما تفاهم العماد ميشال عون وسماحة السيّد حسن نصراللّه كان واضحاً أنه لن يقوم بينهما صراع، وأقله تنافس حاد، على الهدف السياسي «الأسمى» لكل منهما. فلا الرئيس ميشال عون يطمح لأن يكون قائداً للمقاومة الإسلامية وليس هذا وارداً أصلاً. ولا السيد نصراللّه يسعى لأن يكون مرشحاً (منافساً) لرئاسة الجمهورية، ولا الأمر وارد أصلاً.

والحال ذاتها في التفاهم، غير المكتوب بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. فلا الجنرال ميشال عون كان يطمح لأن يكون رئيساً لمجلس الوزراء، ولا الشيخ سعد الحريري كان يسعى لأن يصبح رئيساً للجمهورية، وأصلاً الأمران غير واردين.

اما لدى المسيحي الأقوى والمسيحي الأقوى الآخر فالأمر مختلف. صحيح إن الإثنين إتفقا على هدف سلبي وهدف إيجابي، إلاّ أنهما كانا محكومين بالخلاف السياسي في مرحلة ما بعد تحقيق الهدفين. فالهدف السلبي هو الحؤول دون وصول سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وهنا تقاطعت مصلحة الإثنين. وهذا تحقق. والهدف الإيجابي كان وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة. وهذا أيضاً تحقق وتحققت معه أهداف معلنة ومبطنة. فالرئيس عون كان يسعى الى هذا الهدف منذ أن عُين قائداً للجيش في ثمانينات القرن الماضي. والدكتور سمير جعجع كان يريد فك عقدة ما بعد الحرب بين القوات والجيش التي قصمت ظهر المسيحيين، وتركت عن حق أو عن خطأ إنطباعات في معظم الشارع المسيحي ضد القوات. وهذا الهدف تحقق بتفاهم معراب. وما كان له أن يتحقق إلاّ به. وتفاهم معراب ذاته ما كان له أن يبصر النور إلاّ بوصول الجنرال الى قصر بعبدا رئيساً وهو الذي غادره تحت القصف السوري بالطائرات والدبابات والمدافع فيما كان الطيران الحربي الإسرائيلي يحلق ويصوّر من الأجواء اللبنانية العليا ويستمتع أركان الدولة العبرية بالمشهد الذي اعتبروه أجمل من أن يكون حقيقة كما قيل رسمياً عبر الناطق بلسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني في ذلك الحين.

قلنا آنفاً أن طرفي إتفاق معراب محكومان سلفاً بالخلاف السياسي (في مرحلة ما بعد عهد الجنرال عون)… ولكنهما إستعجلا هذا الخلاف فاستحضراه باكراً جداً في صراع مكشوف وعين كل منهما  على كرسي الرئاسة… ولـمّا كان كل منهما أراد ركوب هذا الإتفاق كوسيلة نقل الى بعبدا، ولـمّا بدا أن هذا ليس وارداً لأنه يتعذر وصول رئيسين الى كرسي واحد، كان محتماً سقوط الإتفاق… وهذا حصل فعلاً.