Site icon IMLebanon

تحالف التيار والقوات انعش الساحة المسيحية في الجنوب

لو قُدِّر لقوى الارهاب ان تتغلغل في الداخل اللبناني، لكان المسيحيون اولى ضحاياها، وقد دلَّت على هذه الحقيقة جملة من الوقائع والمعطيات، ليس ما حدث قبل اشهر في بلدة القاع البقاعية من استباحة لدماء ابنائها الآمنين داخل منازلهم سوى واحدة منها، ولو قُدِّر للحركات والجماعات الاسلامية المتشددة والارهابية، ان يكون لها موطىء قدم في صيدا او اي بقعة جنوبية، لكان المسيحيون اولى الضحايا.

في عزّ المعارك التي دارت في بلدة عبرا في شرق صيدا، بين الجيش اللبناني ومجموعات الشيخ احمد الاسير، اعتقد كثيرون، ان عبرا هذه ما هي الا ضاحية من ضواحي مدينة صيدا، في حين انها تفصلها عنها بلدتي الهلالية والبرامية، حتى ان بعض الاعلام، راح يردد على صفحاته وشاشاته اسم «منطقة عبرا» في صيدا!، في محاولة لطمس البلدة المسيحية ( عبرا الجديدة) التي كثرت فيها المساجد وغابت عنها الكنائس، بعد عملية تغيير ديموغرافي كبير حصلت بعد موجة التهجير التي فرضتها ظروف الحرب، وبخاصة ما عرف بـ «حرب شرق صيدا» في العام 1985، التي دارت بين «القوات اللبنانية» والتنظيم الشعبي الناصري وحلفائه في الاحزاب اللبنانية .

 في «صيدا القديمة» ..عائلة مسيحية واحدة

مع كل استحقاق انتتخابي في مدينة صيدا، تلجأ القوى السياسية المنخرطة في المعارك الانتخابية، الى احصاء شامل لشعبيتها وخارطة توزع القوى الاخرى، فلتكتشف في كل مرة، ان عدد المسيحيين من ابناء المدينة  المقيمين فيها الى تناقص ملحوظ،،.. عائلة مسيحية واحدة ما تزال تقيم داخل «صيدا القديمة»، فيما لا يتجاوز عدد المقيمين في المدينة المئة عائلة فقط، يشكلون مجموع ثلاث رعايا مسيحية، مارونية وكاثوليكية وارثوذكسية، وهي نسبة متدنية وتشكل ظاهرة خطيرة تقتضي الحاجة الوطنية معالجتها، من خلال المزيد من خطوات الاطمئنان والانفتاح من الطرف الآخر، ومحاصرة حالات التطرف والارهاب التي ظهرت في صفوف اوساط دينية اسلامية، طغت اعتصاماتها وتحركاتها وتظاهراتها التي استمرت لثلاث سنوات، على الشارع الصيداوي، وارتفع جراء ذلك منسوب التحريض الطائفي والمذهبي، وانعكس سلبا على حركة  المواطنين، وبخاصة المسيحيين منهم، بحسب ما تراه اوساط كنسية.

لكن مسببات هذا الواقع واضحة، ولعل من اهمها طغيان الاجواء الدينية المتشددة وتنامي التيارات والجماعات المتشددة، والتي «ارتقى» بعضها الى درجة الارهاب، والتغير الكبير الحاصل في البيئة الاجتماعية والسياسية، وانعدام اي وجود للاحزاب المسيحية داخل المدينة، واذا كان العونيون مرحب بهم في صيدا من قبل التنظيم الشعبي الناصري والاحزاب الاخرى، وهو كان له اطلالات سياسية مباشرة وغير مباشرة في الساحة الصيداوية، الا ان «الحظر الصيداوي» على القوات اللبنانية ما زال قائما وعلى اشده، على الرغم من كل محاولات التسويق التي قام بها «تيار المستقبل» من موقعه كحليف اساسي لـ «القوات»، فصفحة «القوات» مع صيدا، برأي صيداويين، لا يمكن طيُّها، لارتباطها بملف عشرات المخطوفين من ابناء المدينة، خلال مرحلة الاحتلال الاسرائيلي للمدينة ( 1982 ـ 1985 )، وما تلاها من معارك عسكرية جرت في اعقاب تحرير المدينة من الاحتلال الاسرائيلي، جرت بين «القوات» من جهة والاحزاب اليسارية بقيادة التنظيم الشعبي الناصري، انتهت باخراجها من قرى شرق صيدا وساحل جزين وصولا الى كفرفالوس التي تحولت الى محور عسكري يفصل بين صيدا وجزين، .. ومع  عودة المهجرين الى المنطقة، ما تزال الكنيسة في صيدا تحفظ  الجهود التي بذلها النائب الراحل مصطفى معروف سعد، قبل انتشار الجيش اللبناني في منطقة صيدا وشرق صيدا في العام 1991، من اجل تأمين عودة سريعة للمهجرين، قبل تأسيس وزارة للمهجرين، وبالفعل عادت عشرات العائلات الى قراها، بمواكبة من سعد والارشمندريت الراحل سليم غزال والمطران الراحل ابراهيم الحلو والنائب الاسقفي العام لابرشية صيدا المارونية الخور اسقف الراحل حنا الحلو، وجميعهم لم يغادروا المنطقة قط، على الرغم من بشاعة الحرب التي شهدتها المنطقة والمحاذير القائمة جراء وجود مطارنة وكهنة في منطقة تتعدد فيها المرجعيات الامنية ويتكاثر فيها التحريض الطائفي.

ومع تحرير منطقة جزين من الاحتلال الاسرائيلي في العام 1999، تعززت العلاقات بين المناطق وسكانها، وان كانت تأثرت لاحقا بظهور حالات اسلامية متطرفة في صيدا، وتصاعد حدة الخطاب الطائفي والمذهبي، اضافة الى حوادث امنية وتفجيرات ومعارك في عبرا التي تشكل ممرا حيويا بين صيدا وجزين،  اُلغي خط التماس الذي ارتسم في العام 1985، وامتد من لبعا ـ عين المير ـ مراج الحباس، في مقابل ميليشيا اطلق عليها الاحتلال الاسرائيلي اسم «جيش لبنان الجنوبي» الذي حوَّل منطقة جزين الى منطقة ملحقة بما عرف بـ «ألشريط الحدودي».

 علم «القوات» وصور الخميني ونصرالله في  ساحة واحدة

حقيقة لا تُخفى على احد، ان التحالف القائم بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية»، كان سريع الوصول الى القواعد الشعبية للطرفين في قرى وبلدات شرق صيدا، وهو تحالف عكست النشاطات والاحتفالات المشتركة للطرفين، انه انعش الساحة المسيحية في المنطقة، ودبت الحياة السياسية التي دلت عليها مراكز الاحزاب المسيحية التي افتتحت في القرى والبلدات في شرق صيدا وساحل جزين، وفي عمق المناطق الجنوبية، ويسجل في السياق ان «القوات» استفادت من تحالفها مع «التيار» جنوبا، وشعرت ان هناك حاجة لها في فسحة اكبر تكون مفتوحة  امامها، سهلت حركتها في القرى والبلدات المختلطة التي يبرز فيها تفوذ حزبي وشعبي لحركة «امل» و«حزب الله» وهذه الحالة قائمة في عدد من القرى على مستوى معظم مناطق الجنوب، حتى غدا المشهد مألوفا في هذه القرى، حين ترى صورا للامام الخميني والسيد حسن نصرالله والسيد موسى الصدر.. وعلى مسافة امتار قليلة تطالعك رايات لـ «القوات اللبنانية»، كذلك حين ترى وفدا من قيادة حزب الكتائب في مرجعيون يشارك في تشييع احد عناصر «حزب الله» استشهد في المعارك في سوريا، او ان تستمع الى تراتيل ميلادية قدمتها كشافة المهدي التابعة لـ«حزب الله»، في ريسيتال اقيم في كنيسة السيدة في بلدة مغدوشة التي يحلو لاهلها ان يسمونها «عاصمة الكثلكة» في الجنوب، مع فرح لا يوصف من العونيين، مصحوبا بـ «تصليب بالخمسة» من عناصر القوات. ..تحية الى «كشافة المهدي».

يلفت المتابعون للواقع المسيحي في منطقة شرق صيدا، الى ان تحالف «الثنائي المسيحي لم يستطع بعد، تأمين الحماية السياسية للكنيسة من الاثقال التي يضعها بعض الجهات السياسية النافذة في الساحة الاسلامية، وبخاصة في صيدا، ولم يقدم نفسه كمرجعية سياسية يحميها من ان يستأثر بها هذا الفريق او ذاك، فيما لم تتعامل الكنيسة معه،  انطلاقا من انه هو المرجعية التي يُفترض العودة اليها مع اي محطة اساسية، فبقيت الكنيسة تشعر انها اسيرة البيئة السياسية التي تحيا في وسطها مراعاة للواقع القائم، على الرغم من ان هذه المراعاة غالبا ما تكون ذات كلفة، سيما حين تتعلق بقضية تحمل ما يكفي من الحساسية لعدم تبنيها، والا ما معنى ان يكون ممثلو الكنائس المسيحية الثلاث في الجنوب منخرطين في لقاءات سياسية غير جامعة لكافة التيارات السياسية والحزبية والدينية في صيدا، وهويتها السياسية والحزبية واضحة، الامر الذي تبدو فيه الكنيسة في كثير من الاحيان،  وكأنها في «خندق واحد» مع «تيار المستقبل» و«الجماعة الاسلامية»، في ملف  كملف الموقوفين الاسلاميين من ابناء مدينة صيدا الذين  كانوا في عداد المجموعات العسكرية التي تورطت في الهجوم المسلح على الجيش اللبناني في عبرا قبل اربع سنوات، والتلويح باطلاق تحركات للضغط من اجل تحريك الملف نفسه الذي تبنته ايضا هيئة علماء المسلمين المعروف عنها تشددها الاسلامي؟، فضلا عن مواقف سياسية تعبر عن جهة حزبية لبنانية دون اخرى كقانون الانتخاب.

     بالطبع، لو خُيِّرَت الكنيسة، يقول كاهن احدى الرعايا في شرق صيدا .. لكانت بغنى عن الخوص في ملفات لا تعني رعاياها، ولكانت ابتعدت عن ملفات ذات علاقة بملف متورطين في عمليات امنية، برأي اوساط مسيحية متابعة، تحمل على «تيار المستقبل» الذي لم يسهم في مساعدة الكنيسة لاخراجها من الاحراجات السياسية التي يدخلها فيها.

 غدا : واقع المسيحيين في مناطق الجنوب