Site icon IMLebanon

العلاقة الملتبسة بين التدخّلَين الروسي والإسرائيلي في سوريا

 

العلاقات الروسية – الاسرائيلية جديرة بالمتابعة الدقيقة في هذه الفترة. هذه العلاقة دخلت في اختبار مركب منذ إسقاط الطائرة الروسية قرب اللاذقية ببطارية اس – 200 سورية، روسية الصنع، ظناً انها اسرائيلية، في وقت قصفت المقاتلات الجوية الاسرائيلية المواقع على الساحل السوري غير بعيد من شرق قبرص. اتهمت موسكو اسرائيل بأنها المسؤولة عن إسقاط الطائرة اليوشن 20، وأخرجت هذه التهمة مكنوناً من التوتر كان يُخزّن في السنوات الماضية، وفي وقت أصرّ فيه الجانب الاسرائيلي على أنه بعث بالاحداثيات خمس دقائق قبل القصف الجوي، أكد الروس أن هذا حدث قبل دقيقة واحدة فقط.

 

في السنوات الماضية، نفّذت اسرائيل عشرات الضربات الجوية على مواقع لقوات النظام السوري وحلفائه الموالين لايران على الارض السورية، وربطتها بهدفين: تطويق فكرة الوجود العسكري الايراني المزمن في سوريا، وعرقلة تطوير “حزب الله” ترسانته الصاروخية. حدث هذا، بالتوازي مع اتّساع رقعة التدخّل الروسي الجوّي، ثم اتّساع دور الشرطة العسكرية الروسية في المناطق التي كانت تُخليها الفصائل المسلّحة المعادية للنظام، المنقولة باتجاه الشمال، ريف حلب وإدلب.

 

مع هذا، ساد التوازي، بل التكامل العجيب في الجو، بين الدورَين العسكريَّين الروسي والاسرائيلي، وشهدت العلاقة بين الجانبين فترة من التطور رغم ان اسرائيل توجّه الضربات لحلفاء روسيا في سوريا. في وقت سارعت فيه حكومات الغرب لفرض عقوبات على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم، “تفرّدت” اسرائيل بالعلاقات الجيدة مع روسيا، بكل مفارقة التداخل بين “الصداقة الروسية ـ الاسرائيلية” والتدخل الروسي في سوريا الى جانب كل تنويعات الممانعة.

 

لا يلغي هذا، استياءً متزايداً من الوضع في الجيش الروسي، وتشديده على أن هذا النوع من “التواطؤ” فيه تهديد لمصالحه في سوريا. بالتوازي، كانت القيادة الروسية تجد في معطى الغارات الاسرائيلية المكررة على سوريا عنصراً في صالحها، لانه يساعدها على “تشذيب” جموح حلفائها، وتحديداً الايرانيين.

 

المفارقة ان لحظة إسقاط الطائرة اليوشين، سبقها التفاهم في سوتشي بين الرئيسَين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان على خطة تحويل إدلب الى منطقة منزوعة السلاح، بخلاف ما كان يفضّله النظام السوري، من تكرار نماذج الجنوب السوري شمالاً، بمعية الطيران الروسي. ثمة بعد ذلك مفارقة اخرى: انه بنتيجة التصعيد الكلامي الروسي بوجه اسرائيل، وبنتيجة بدء الروس تسليم منظومة اس 300 الى سوريا، تكون موسكو ايضاً، قد حسمت “إمرتها” حيال ايران وأذرعها في سوريا. في المقابل، ثمة رأيان عبّر عنهما في الصحافة الاسرائيلية: احدهما يقلّل من اهمية تصدير هذه المنظومة، والآخر يلفت الى خطورتها كمتغيّر سيضفي المزيد من السلبية في العلاقة مع موسكو. ما بين حملة الرأيين ثمة اتفاق على ان الاعمال الجوية الاسرائيلية مستمرة في سوريا، بما يُعيد طرح مآل العلاقة بين روسيا واسرائيل، مثلما ثمة استفهام حول دور اميركا وأسلوب تفاعلها مع هذه المعطيات.

 

من الاهمية بمكان متابعة مآل العلاقات بين روسيا واسرائيل، والعلاقة تحديداً بين تدخلَيهما في سوريا. التوازي بين التدخلَين، الذي ساد في السنوات السابقة، انتهى الشهر الماضي. الاشتباك بين التدخلَين، دونه اعتبارات كثيرة وكثيفة. الالتباس محوَري. كل منهما يريد تدخل الآخر ولا يريده. ثمة مع هذا معادلة تحكم هذا الالتباس: الهيمنة الروسية على سوريا تسوّق لنفسها عند الاسرائيليين كما عند الاميركيين بأنها “لضبط ايران وحلفائها”، مع ان الامور ليست بهذه القطعية ميدانياً، في سوريا. اسرائيل تريد “مكتسبات” هذه الهيمنة الروسية على سوريا لكن تعتبرها غير كافية، وأحياناً مزعجة ومعرقلة لها. نجحت في الحؤول دون اقامة قاعدة ايرانية، لكنها لا تزال تسمح بخط إمداد تكنولوجي عسكري الى “حزب الله”.