يتفق غالبية الافرقاء اللبنانيين على أهمية ما خلص اليه اللقاء الثلاثي في القصر الجمهوري في بعبدا (الثلاثاء الماضي) بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وما صدر عنه، وقد وصف بـ»المثمر«، بعد الازمة التي قاربت حدود الفتنة الطائفية في الشارع، وأعاد حل الازمات العالقة الى حضن المؤسسات صاحبة الاختصاص والصلاحية..
ليس من شك في ان اللبنانيين، عموم اللبنانيين، عاشوا أياماً بالغة الدقة والخطورة وهم ينامون ويفيقون على سجالات اعلامية – سياسية بالغة الخطورة، وتحديداً، بين »أمل« و»التيار الوطني الحر«.. على خلفيات عديدة، من بينها ما نسب الى الوزير جبران باسيل عبر تسريب »فيديو البلطجة«..
قد لا يكون من المبالغة القول، ان »لقاء بعبدا« وما نتج عنه من توافق على كسر الجليد في العلاقات، كما وعلى المصالحة والتوافق على سبل وطرق حل المسائل الخلافية، طوى صفحة كادت تودي بالبلد الى حيث اللااستقرار والى حيث لا يشتهي غالبية اللبنانيين الساحقة، وهم الذين عانوا الامرين من »حروب الاخوة الاعداء« و»الفتن الداخلية.« وفي قناعة عديدين، ان تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين الرؤساء الثلاثة لا يحتمل أي مماطلة او تسويف، والضرورة الوطنية تقضي بانجاز ذلك في أسرع وقت ممكن، خصوصاً وأن ما آل اليه اللقاء لم يكن موضع رضا وقبول العديد من الدول وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية التي، على ما يظهر، انها انزعجت من المواقف اللبنانية من التهديدات الاسرائيلية، سواء في »اللقاء الثلاثي« أم في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع.. حيث أكد لبنان، على لسان رئيس جمهوريته »رفضه كل ما تنشئه إسرائيل على الاراضي اللبنانية، لأنه يعتبر اعتداء مفضوحاً على لبنان، وان من حقه اللجوء الى كل الاجراءات التي تكفل استعادة كل شبر من الاراضي اللبنانية.. ورفضه المس بالاراضي اللبنانية من خلال الجدار.. منبهاً الى حجم الاخطار الاسرائيلية التي تواجه لبنان براً وبحراً، حيث الثروة النفطية الوطنية..« (البلوك 9).
لم تمضِ ساعات معدودات على »لقاء بعبدا« الثلاثي، وبالتقاطع مع اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، الذي اجتمع برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة وبقية الاعضاء، حتى دخلت الولايات المتحدة الاميركية على الخط لتشهد العداء للحقوق اللبنانية، وقد أدارت ظهرها لصوت العقل والحكمة وحق الشعوب والدول في ثرواتها الطبيعية وتقرير مصيرها عبر مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد، الموجود في لبنان ممهداً الطريق أمام زيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون للبنان، المقررة يوم غد البست.. لافتاً الى ان بلاده »دخلت الآن مرحلة جديدة في المنطقة تقوم على فرز قوى الخير من قوى الشر..« وهي تتمنى ان يكون لبنان في هذا الاطار قوة مساعدة في عمليات السلام المطروحة في المنطقة، بالتزام عدم تدخل »حزب الله« في الحرب.. ووقف كل العمليات التي تسيء الى الدول الخارجية..« (لم يسمها)، ومؤكداً عزم واشنطن على »السير في مشروع العقوبات ضد »حزب الله« حتى النهاية..« وإذ أبدى »سروره«، »لأن يصبح لبنان دولة نفطية«، دعا الحكومة اللبنانية الى »درس أكثر للتعاطي مع ملف النفط، لأنه ليس ملفا عادياً، بل هو استراتيجي ويدخل في اطار الأمن والسلام في المنطقة.. والى اعطاء دور أكبر للمؤسسة العسكرية في أمن لبنان الاستراتيجي وعلى الحدود، وفي تطبيق القرارين 1559 و1701«. غير آبه بالمخاطر الاسرائيلية التي تهدد أمن لبنان والمنطقة عموماً.. خصوصاً أكثر مع اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لـ»إسرائيل« ونقل السفارة الاميركية اليها، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بعد.. مع استمرار الانتفاضة الفلسطينية، وتجاوز اسرائيل لكل حدود المحرمات، براً وبحراً وجواً واعتداءاتها المتواصلة على سوريا عبر الأجواء اللبنانية..
لم تقف سياسة الانحياز الاميركي لإسرائيل عند ذلك، وقد تجاهل المسؤول الاميركي ادعاء وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان ملكية البلوك 9 الغازي في المنطقة اللبنانية الخالصة.. كما وتجاهل مباشرة إسرائيل بناء الجدار في منطقة الناقورة.
لا يمكن الاستهتار بكل ما جرى وما يمكن ان يجري وادارة الظهر للتهديدات والمخاطر على الأبواب الحدودية وغيرها.. ولبنان يؤكد وفق المجلس الاعلى للدفاع ان الجدار الاسرائيلي في حال تشييده على حدودنا يعتبر اعتداء على سيادتنا وخرقاً للقرار 1701..« ما يدفع الى »الاستمرار في التحرك على كافة المستويات الاقليمية والدولية للتصدي ومنع إسرائيل من بناء الجدار الفاصل.. ومشدداً على »ان »إسرائيل« معتدية أيضاً على المنطقة الاقتصادية الخالصة بمساحة تبلغ 860 كلم2..«.
لم ينتظر عديدون وصول وزير الخارجية الاميركي ليضعوه في صورة ما ستكون عليه التطورات في حال مضت إسرائيل في عدوانها وتهديداتها، حيث أكد الرئيس الحريري ان لبنان ليس في وارد ان يتخلى عن أي جزء من أراضيه، وان بناء الجدار يشكل عدوانا عليه، ومن حقه السعي بكل الوسائل المناسبة لمواجهة هذا العدوان وقد أعلنها الوزير فنيانوس صراحة بأن »لبنان سيضطر للرد بثلاثة الجيش والشعب والمقاومة«.