Site icon IMLebanon

الانتظار وقوفاً على الجمر

 

التحوّلات الكبرى الجارية في الشرق الاوسط تدخل في صلب المرحلة الانتقالية التي تحمل عنواناً عريضاً يتعلق بترتيب المشهد الجيوسياسي الذي يصيب خصوصاً شرق البحر الابيض المتوسط. وبالتالي، فإنّ الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة والجاري التحضير لها تدخل في إطار تركيز وتثبيت هذه التحولات واعادة رسم معادلة شرق اوسطية جديدة. وهذا ما يجعل لبنان يعاني الانعكاسات الصعبة لهذه التحولات وهو الذي فقدَ مناعته وقدرته على تجاوز مصاعب المرحلة بعد انهيار قدراته الاقتصادية والمالية وتمزّق مؤسسات الدولة وتَحللها.

في الأروقة الديبلوماسية هَمس حول سعي الرئيس الاميركي لزيارة السعودية ولقاء ولي العهد الامير محمد بن سلمان بحضور الملك في مقابل دور سعودي جديد في المنطقة يَطال في بعض جوانبه تلبية المطالب الامنية للسعودية والدفع في إنضاج عملية إدخال السعودية رسمياً في مسار اتفاقيات ابراهيم، اي بتطبيع العلاقات مع اسرائيل، وزيادة السعودية من إنتاجها النفطي ما سيؤدي حكماً الى انخفاض اسعار النفط عالمياً، وبالتالي استعادة انفاس الاقتصاد الاميركي قبل الانتخابات النصفية مطلع تشرين الثاني المقبل والتي تهدد نتائجها الحزب الديموقراطي الحاكم.

 

وتريد الادارة الاميركية استغلال المأزق الروسي في اوكرانيا وانشغال موسكو لتركيز معادلة جديدة عبر خلق استثمارات ضخمة في مجال النفط والغاز. لكن مهمة الرئيس الاميركي لا تبدو سهلة الى هذا الحد خصوصاً في منطقة كالشرق الاوسط اشتهرت بتعقيداتها واسلوبها الخاص.

 

فصحيح انّ روسيا منشغلة في حربها الصعبة والشائكة مع اوكرانيا، الا أنها وجدت الوقت الكافي للدخول على خط التطورات السعودية والشغب على زيارة بايدن، خصوصاً لناحية الحفاظ على التفاهمات الروسية – السعودية في اوبك، وبالتالي عدم رفع السعودية لإنتاجها النفطي.

 

وعلى الرغم من الزيارة التي قام بها موفَدَين اميركيين اثنين من قبل الرئيس الاميركي الى السعودية الاسبوع الماضي والتي بقيت بعيدة عن الاعلام، بهدف التمهيد لجدول مباحثات بايدن، الا أن السعودية بَدت متحفّظة حيال البند المتعلق برفع مستوى الانتاج النفطي وسط الاعلان عن زيارة قريبة جداً سيقوم بها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الى الرياض. أضف الى ذلك أنّ هناك سبباً آخر، وهو عدم رغبة ولي العهد السعودي مَد يد المساعدة لبايدن الذي يتبارز مع دونالد ترامب انتخابياً وعلى مسافة ليست ببعيدة سَعت تركيا لتمرير اجندة مصالحها بعد تبديلها موقفها السابق واجراء مصالحة مع واشنطن. واراد الرئيس التركي تعزيز الاوراق الرابحة بين يديه قبل دنوّ موعد الانتخابات الرئاسية التركية بعد سنة من الآن. ذلك انّ الخسارة المدوية لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية الاخيرة في المدن التركية الرئيسية زادت من تراجع مؤيديه في الطبقة الوسطى.

 

وهذا ما دفعَ أردوغان للسعي الى التعويض عن الخسائر التي مُني بها الاقتصاد التركي بانتصارات تُعيد إنعاش الدورة الاقتصادية، اضافة الى انتصارات امنية بوجه الاكراد في شمال سوريا، وهو ما رفضته واشنطن ولو انها غَضّت النظر عن تعزيز الحضور التركي في الشريط التركي خارج مناطق سيطرة الاكراد، حيث تعمل تركيا على توسيع المنطقة العازلة، وتحقيق تبدلات جغرافية. وأردوغان ليس بعيداً عن الحركة السعودية والمصرية واليونانية والاسرائيلية، والتي تهدف ضمناً الى إبعاده عن ايران. لذلك تركيا محطة رئيسية ومهمة في برنامج زيارة ولي العهد السعودية الخارجية. ويدور همس في الاروقة الديبلوماسية حول موافقة ناعمة من قبل اردوغان لخفض مستوى دعمه للاخوان المسلمين، وبالتالي الاقتراب من مصر اكثر اضافة الى تعاون مع جهود السلام في ليبيا. فالاولوية لدى انقرة تقوم الآن على التقارب مع دول البحر المتوسط على اساس التعاون النفطي حيث الاستثمارات الضخمة. من هنا زيارة وزير الخارجية التركية الى اسرائيل وعينه على خط الغاز من مصر واسرائيل الى اوروبا، وهذا ما يُقلق حركة حماس التي تخشى فقدان الدعم التركي. كما انّ اردوغان يراهن على حبل نجاته اقتصادياً من السعودية والامارات ولكن مقابل سياسة تركية جديدة.

 

أما مصر التي سترتاح من صراعها مع تركيا في البحر وفي ليبيا، سيسمح لها موقعها الجديد بدور مُتزايد في المنطقة يصل الى سوريا ولبنان للتوازن مع ايران. كما ستتولى مهمة ضبط حركة حماس في غزة حيث تتمتع ايران بنفوذ واضح. لكن السؤال هو كيف ستردّ ايران خصوصاً مع الجمود اللاحق بالمفاوضات حول الملف النووي وتَزايد مؤشرات اللجوء الى تسجيل الضربات الامنية لتعزيز مواقع كلا الفريقين؟

 

الرئيس الايراني كان قد زار سلطنة عمان وعمل على تجديد مشروع خط الانابيب الذي سينقل الغاز تحت الماء من ايران الى عمان والمتوقّف منذ العام 2016 حين أنتجَ الضغط الاميركي يومها تجميد العمل باستكمال المشروع.

 

وفي سوريا عودة لتقاطع المصالح بين روسيا وايران، لذلك عمدت روسيا الى تنفيذ انسحابات عسكرية جزئية وتركت فراغات ستعمل ايران على ملئها فوراً. وقد فُسرت هذه الخطوة في اطار التلويح بالشغب على المصالح الاميركية والاسرائيلية في سوريا بهدف الضغط على واشنطن التي تعمل على تنظيم ائتلاف دولي من عشرين دولة لدعم تسليح اوكرانيا.

 

ما يعني انّ العودة الى سياسة عَض الاصابع بين الاميركيين والاسرائيليين من جهة والايرانيين من جهة اخرى بسبب تجميد ملف الاتفاق النووي، فاقمَ من حِدّته وتَشابكه انتقال الصراع الاميركي – الروسي الى ساحات الشرق الاوسط.

 

وبطبيعة الحال، فإنّ لبنان ليس بمنأى وهو الذي يرزح تحت ثقل الازمات والانهيارات الاقتصادية والمالية والحياتية وفقدانه لقدرته على الصمود وتمرير الوقت.

 

فإيران موجودة في لبنان من خلال «حزب الله»، وهو ما يعني انّ تبادل الضربات وتصاعدها بين الايرانيين من جهة والاميركيين والاسرائيليين لا بد ان يشمل لبنان ايضاً، خصوصاً انّ واشنطن تعتبر بأنّ الانتخابات النيابية الاخيرة أظهَرت تراجع الحاضنة الشعبية لـ»حزب الله» لا سيما على مستوى الحلفاء.

 

كذلك فإنّ الساحة اللبنانية معنية بخط إمداد الغاز من مصر واسرائيل الى اوروبا.

 

والواضح انّ واشنطن تضع ملف ترسيم الحدود البحرية للبنان كأولوية، وهي تدرك انّ تجميد هذا الملف حالياً مرتبط بالجمود اللاحق بالمفاوضات النووية مع ايران.

 

وهنالك مَن يربط توقّف مشروع استجرار الغاز من مصر عبر الاردن وسوريا الى لبنان لإنقاذ التغذية الكهربائية بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية. ليس من أدلة واضحة في هذا الاطار، لكنّ الترابط الزمني يفتح الباب امام ربط الملفات بعضها ببعض. ذلك انّ إنجاز ترسيم الحدود البحرية سيُطلق العنان للبدء بالتنقيب عن الغاز واستخراجه في لبنان واسرائيل على السواء، وسيفتح الباب ايضا امام مشروع بديل لِجر الغاز الى اوروبا يجري درسه.

 

ومن هنا ايضاً التوقعات المتشائمة حيال التغذية الكهربائية في لبنان، ومن هنا ايضاً ارتفاع مستوى التهديدات بين «حزب الله» واسرائيل رغم وجود قناعة دولية باستبعاد احتمالات الحرب المباشرة بين لبنان واسرائيل. لكن لا شيء يمنع بأن تشمل اللكمات الامنية بين اسرائيل وايران ساحة «حزب الله».

 

باختصار، إنّ لبنان عالِق وسط التجاذبات الحادة في منطقة تشهد تحولات كبيرة وهائلة تؤسّس معادلات جديدة.

 

ووسط لعبة عَض الاصابع القاسية والموجعة، فإنّ أنفاس لبنان تكاد ان تنقطع، فيما على باريس انتظار جلاء الصورة الاقليمية قبل طرح مبادرتها الانقاذية في لبنان، كي تتوفّر لها الظروف المؤاتية لإنجاحها.