في قناعة عديدين من المتابعين لمسار الازمات الاقليمية واللبنانية الداخلية ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب المتميز بـ»غرابة الاطوار» و»التقلبات السريعة» بالغ في احراج رئيس الحكومة سعد الحريري، وهو يعلن مواقفه الاعلامية – السياسية بعد الاجتماع الذي جمعهما أول من أمس في البيت الأبيض، في العاصمة الاميركية واشنطن، التي زارها الرئيس الحريري لأهداف تتعلق بتداعيات الأوضاع في المنطقة على الداخل اللبناني، ومن أبرزها حماية الاستقرار السياسي والاقتصادي وأزمة النازحين السوريين وما تركته هذه الازمة على الواقع اللبناني من «احتقانات» وضغوطات مالية ومعيشية واقتصادية ومزاحمة لليد العاملة اللبنانية وغير ذلك.. وسط غياب الدعم الدولي وفي طليعته الاميركي، حيث يتفق الجميع على ان حل هذه الأزمة هو بيد الدول القادرة، وفي طليعتها الولايات المتحدة.. وقد أدار ترامب ظهره لكل ذلك، وراح بعيداً، وبعيداً جداً في اعلان الحرب المفتوحة على «حزب الله» في لبنان..
بالتأكيد، فإنه لم يسبق لرئيس الحكومة سعد الحريري ان شعر بالحرج، كمثل ما شعره وهو يقف الى جانب الرئيس ترامب.. وهو (أي الحريري) الرجل الذي لا يستطيع «ابن امرأة» في العالم ان يزايد عليه ولاءه لوطنه وعروبته وحكمته واعتداله وصبره، وهو من أكثر العارفين الواقع اللبناني وكيفية التعامل معه، وقد أعلن أكثر من مرة ان الاختلاف مع الآخرين، وتحديداً «حزب الله» واقع، لكنه حذر من تحويل الاختلاف الى خلاف، يطيح بالحكومة ويعرض لبنان لمخاطر بغنى عنها وغير قادر على تحملها وتحمل نتائجها..
ليس من شك في ان المنطقة تغلي.. و»حروب الاخوة الأعداء» بلغت مراحل ما عاد بالامكان التمادي فيها، خصوصاً وأن المستفيد الوحيد من ذلك، هو الكيان الاسرائيلي، الذي راح بعيداً في العبث بالمقدسات الاسلامية والمسيحية وحقوق شعب فلسطين وارتكاب المجازر، معززاً بدعم وتأييد أميركي، لا حدود له..
لم يقم الرئيس الاميركي اعتباراً يذكر لما يمكن ان يؤول اليه التصويب على «حزب الله»، الامر الذي يدعو الحزب الى التنبه لما يمكن ان يكون يخطط له ويعمد لاجراءات تقطع الطريق على «اللوبيات» المنتشرة في مواقع القرار الاميركي.. ولقد اعد ترامب كلمته المكتوبة باتقان حافلة بسيل من الاتهامات لـ»حزب الله» التي تجرده من لبنانيته ووطنيته ودوره التاريخي في مقاومة العدو الاسرائيلي وتحرير الارض الوطنية وقد دفع في ذلك، وإلى جانب قوى المقاومة الوطنية المتعددة مئات، بل آلاف الشهداء لتعود الارض الى أصحابها، وليعود الأهل الى قراهم ومصدر رزقهم وحياتهم وكرامتهم.. وهو، أي «حزب الله»، غير منزه عن الأخطاء، شأنه في ذلك شأن سائر العاملين في السياسة والشأن الوطني العام..
قائمة اتهامات أطلقها الرئيس الاميركي في وجه «حزب الله»، وهو يقف الى جانب الرئيس الحريري.. تتوزع على النحو التالي:
– «ان «حزب الله» هو تهديد للدولة اللبنانية وللشعب اللبناني والمنطقة برمتها..».
– «حزب الله» يواصل تعزيز ترسانته العسكرية ما يهدد باندلاع نزاع جديد مع «إسرائيل..».
– «حزب الله» يقوم وبدعم من ايران بتعزيز وتقوية المأساة الانسانية في سوريا.. وهو يظهر نفسه على أنه مدافع عن مصالح اللبنانيين.. لكن من الواضح أنه ينفذ مصلحته الشخصية ومصلحة داعمه ايران..»؟
في التوصيف الاميركي، «حزب الله» منظمة ارهابية، شأنه في ذلك شأن سائر المنظمات الموصوفة إرهابية – بالطبع باستثناء الكيان الاسرائيلي الذي يأتي في طليعة الارهاب العالمي، من قبل ان يولد ومن بعد ذلك وهو مستمر على هذا الخط.
لم يأتِ كلام الرئيس الاميركي عفواً، او ارتجالاً.. ففي وقت كان يلتقي الوفد اللبناني في المكتب البيضاوي، كانت المندوبة الاميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، تدلي بافادتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة بشأن الشرق الأوسط، وقد ركزت في كلمتها على ما قالت إنه «مخاطر التهديد الذي يشكله «حزب الله» على المنطقة.. وقد انتقدت بشدة لافتة ما أسمته «تحامل مجلس الأمن على إسرائيل».. واصفة «حزب الله» بأنه «منظمة إرهابية وتكرس دورها لتدمير إسرائيل..» متسائلة «كيف يمكنني ان أشرح للأميركيين ان هناك منظمة ارهابية تعد رجالها وترسانتها للحرب، ولكن الامم المتحدة ترفض حتى ان تشير الى الحزب بالاسم.. هذا يجب ان يتغير، وعلينا ان نظهر للحزب أنه لا يستطيع ان يفلت بأسلحته غير المشروعة..»؟!
تأتي كل هذه المواقف في وقت تشهد القدس الشريف، كما سائر البلدات والمدن والاراضي الفلسطينية أفظع ارهاب غير مسبوق في التاريخ.. لكن هذا، لم يكن في حساب الرئيس ترامب ولا في حساب هايلي.. والعالم يعرف، بالأدلة والبراهين الموثقة بالصوت والصورة والكلمة ان «حكومات إسرائيل المتعاقبة أطلقت كل إرهاب في الشرق الاوسط..» وقد كشفت آخر التقارير الصادرة عن الاستخبارات الاسرائيلية عن ان التصويب الاسرائيلي هو على «حزب الله» بتهمة انتاج أسلحة بالغة الدقة.. وان إسرائيل تدرس الردود المحتملة على «حزب الله»، بالتنسيق مع الادارة الاميركية..
لا أحد يدير ظهره للتحديات التي تواجه لبنان والمنطقة، وبالتحديد «حزب الله» الذي يؤخذ عليه تفرده باتخاذ قرارات السلم والحرب، التي تعززت مع تحرير جرود عرسال من الجماعات الارهابية التي لم يكن من الممكن إطلاقها بغير قرار سياسي لبناني.. وقد حقق تقدماً لافتاً، وفي سرعة قياسية خلص معها الى تسليم ما تم تحريره من أراض لبنانية الى الجيش اللبناني.
ليس من شك في ان الحكومة اللبنانية في موضع حرج للغاية.. لكن الرهان على حكمة واعتدال وواقعية الرئيس الحريري يبقى الأولوية على ثبات الحكومة واستقرارها واستقرار البلد، على رغم التباين في المواقف والآراء بين الافرقاء..؟!