كيف التقت استراتيجية النفط والغاز في العراق وسوريا بين الكرملين والبيت الأبيض
الحرب السورية آخذة بالإستعار والعين الأميركية على انهيار بوتين بالاستنزاف !
معالم اتفاق روسي – أميركي حول «سوريا المفيدة» يضمن أمن إسرائيل وتجفيف منابع الإرهاب بتعويم الأكراد
الحسابات في لعبة الأمم لها قواعدها ومصالحها. وهذه حال سوريا – الساحة التي بات اللاعبون الكبار يحددون مسارها ومصيرها والخطوط الخضراء والحمراء فيها. في رسم الحدود، شبه اتفاق روسي – أميركي حول ما بات يُعرف بـ «سوريا المفيدة». العرّاب الروسي، الذي دخل الميدان بثقله العسكري في أيلول الماضي، يُحقق انتصارات على الأرض لمصلحة حليفه النظام السوري والميليشيات الشيعية المساندة له بقيادة إيران إنفاذاً لخطته. وضغط بكل الإمكانات العسكرية في ريف حلب الشمالي خلال الأيام الثلاثة الماضية، بالتزامن مع انعقاد محادثات «جنيف3»، لتغيير موازين القوى، ونجح في ذلك إلى حد كبير مع كسر الحصار عن النبّل والزهراء، واقترابه من قطع خطوط الإمداد التركية للمعارضة السورية ومحاصرتها في حلب، الأمر الذي يُفقد أنقرة ورقة ثمينة في يدها.
وإذا كان من الصعب التكهّن بديمومة التقدّم الذي أحرزه النظام والميليشيات الموالية له شمالاً والمُراكَمَة عليه، فإن الأكيد أن موسكو، التي عملت على نسف مؤتمر جنيف، تذهب إلى محادثات ميونيخ الخميس المقبل بارتياح ممزوج بزهو الانتصار بعدما شارفت على الانتهاء من تأمين حدود «سوريا المفيدة»، وعززت معها موقع النظام ورئيسه بشار الأسد في المعادلة المستقبلية، وقلّمت أظافر تركيا، مستفيدة من انشغال الحلفاء العرب الرئيسيين للثورة السورية، ولا سيما المملكة العربية السعودية، في حرب اليمن ومواجهتها المفتوحة مع إيران في هذا البلد عبر ذراعها العسكري المتمثل بالميليشيات الحوثية المدعومة من قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح. في ظن الروس أنهم قادرون اليوم على بحث آليات تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 انطلاقاً من رؤيتها، ما دامت تلك الرؤية تلتقي في جوانب عديدة مع توجه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في سنته الأخيرة في البيت الأبيض.
في القراءة السياسية على الضفتين الأميركية والروسية، أن ثمة التقاء في المصالح بين الجانبين، أو على الأقل عدم تضارب بينهما. ما يهمّ واشنطن استراتيجياً في سوريا أولاً، تجفيف منابع الإرهاب عبر محاربة «داعش»، وهو أمر تتفق به مع موسكو، وإن كانت الأخيرة تضع في أولوياتها ضرب وإضعاف التنظيمات العسكرية للمعارضة المعتدلة التي تدرجها في خانة الإرهاب بفعل مقاتلتها للنظام. وتولي واشنطن في هذا الإطار أهمية كبرى لتعزيز دور الأكراد، ضمن خطتها بالاعتماد عليهم في حربها مع «داعش»، في وقت تعمل موسكو على استمالة المُكوّن الكردي وتبنيه سياسياً ودعمه عسكرياً للاتكاء عليه في معركتها الراهنة مع تركيا.
أما الأمر الثاني، فهو ضمان أمن إسرائيل، الذي يُشكّل أيضاً جزءاً من استراتيجية الكرملين في سوريا، إذ تشير أوساط على صلة بالروس، إلى صفقة أميركية – روسية وروسية – إسرائيلية تتعلق بجنوب سوريا، قوامها ضمان عدم تحوّل الجنوب السوري منطقة لتغلغل إيران عبر ميليشيا «حزب الله» للسيطرة على المناطق الحدودية مع إسرائيل، كما هي الحال مع الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. وهو أمر تستطيع موسكو تأمينه بنفوذها العسكري الراهن وفرضها لقواعد اللعبة المسموح بها لطهران وميليشياتها. وليس اغتيال القائد العسكري في «حزب الله» سمير القنطار، الذي كان يتولى تنظيم «فرع المقاومة في سوريا» التابع لـ«حزب الله»، سوى نموذج عن الضمانات الروسية المُقدّمة لإسرائيل، والتي يرى فيها محللون وضع نهاية حتمية لإعلان «حزب الله»، يوم استهداف إسرائيل جهاد مغنية ومسؤولين إيرانيين، على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، عن تغيّر «قواعد الاشتباك» من خلال توحيد الجبهات (الجنوب والجولان) في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل.
وإذا كانت موسكو تعزو انغماسها في الحرب السورية إلى حماية مصالحها الاستراتيجية بتعزيز وجودها على شواطئ المتوسط، من خلال قواعدها العسكرية، والتحكّم بالغاز السوري واستخدام الأراضي السورية في أي مشروع إقليمي مستقبلي للغاز في المنطقة، فإن اهتمامات واشنطن بالنفط في العراق يضمنه وجودها المتزايد في هذا البلد، الذي اعتبرت إيران قبل سنوات أنها أخرجت القوات الأميركية منه من دون أية مكاسب سياسية واقتصادية، بواسطة حليفها نوري المالكي، فيما يستمر الخليج بثرواته النفطية في موقع الحليف الأساسي للولايات المتحدة على الرغم من الاهتزازات التي أصابت العلاقة بين البيت الأبيض ودول الخليج، ولا سيما الرياض نتيجة الاتفاق النووي الإيراني الذي أراده أوباما أن يُشكّل الإنجاز التاريخي له، بغض النظر عن التداعيات التي يمكن أن تترتب عنه على المنطقة.
وبينما يستمر سيّد «البيت الأبيض» في قيادة أزمات المنطقة المستعرّة من المقعد الخلفي، يذهب «القيصر» إلى الاندفاع أكثر في الأزمة السورية، وسط جنوح نحو الحل العسكري يعززه «هَوَس النظام وغطرسته»، ما سيفضي إلى مزيد من التورط ، لن تألو واشنطن جهداً، وفق مراقبين، من دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إليه، لمضاعفة النزف الروسي عسكرياً واقتصادياً وإنهاكه في الشرق الأوسط، فيما العين الأميركية على كيفية إضعافه في أوروبا الشرقية، والتي رصد لها البنتاغون 3.4 مليارات دولار في ميزانية العام 2017.
يوم فُتحت الحرب على بوتين من البوابة الأوكرانية، قال الروس إن السبب يعود لموقفهم من سوريا. اليوم لا تزال أوكرانيا عامل استنزاف رئيسي لروسيا، وأصدقاؤها يتخوفون من أن تتحوّل سوريا، في قابل الأشهر، ليس عامل استنزاف بل عامل انهيار لرجل الاستخبارات الذي اعتلى العرش لاستعادة أمجاد الأمبراطورية الغابرة، فإذا به يُطيح بروسيا المتبقية من إرث الاتحاد السوفياتي، الذي تفكك نتيجة تداعيات التدخل الروسي في أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي. العِـبْـرة في ألا يُعيد التاريخ نفسه، فالحرب لا تزال مستعرّة، والانتصار في معركة أو جولة لا يعني انتصاراً فيها، ما دام إصبع داعمي المعارضة لا يزال على الزناد والحل السياسي لم يُنجَز بعد!