IMLebanon

التباين الأميركي- الإسرائيلي… مشروع قرار لوقف العملية على رفح

 

 

لا بدّ من الاعتراف بتعقيدات الحرب في غزة، ليس من الناحية الإنسانية أولاً والعسكرية الميدانية وحسب، بل من الناحية السياسية، على مستوى العلاقات بين دول المنطقة في ما بينها، ودول المنطقة وإسرائيل، خصوصاً الدول التي باشرت التطبيع مثل الإمارات العربية والبحرين، والدول التي كانت على وشك ذلك وفي مقدّمتها المملكة العربية السعودية، وأتت حرب غزة لتعيد خلط الأوراق بين الخصوم الحلفاء، والحلفاء الخصوم، وأعادت دوراً كان غائباً لدول، كمصر، التي كانت وما زالت منهمكة بمشاكلها الداخلية، لا سيما الاقتصادية منها، أعادتها الى صدارة المشهد العربي كوسيط ومعني مباشر في الاتصالات والمفاوضات، خصوصاً لموقعها الاستراتيجي المتاخم للأزمة، ولوجود معبر رفح، الوحيد الذي يصل غزة بالعالم الخارجي، ورتّبت لها علاقات كانت معقّدة مع دول عربية وإسلامية مثل قطر وتركيا.

اقتحام رفح… واقعي أم تفاوضي
تعتبر مصادر الجيش الإسرائيلي لوكالة دولية، أنّ حرب رفح ستكون مختلفة عن الحرب في غزة لناحية العديد. أما عن سبب التأخّر في انطلاق العملية فيعزو المصدر السبب، لتفكيك 18 كتيبة من مجموع 25 كانت تشارك في الحرب على غزة، وأنّ العدد المتبقّي غير كافٍ لانطلاق العملية على رفح، بانتظار إعادة تشكيل كتائب جديدة من خلال استدعاء الاحتياط مجدداً، يُظهر ذلك حجم التناقض الواضح بين القيادات السياسية والعسكرية داخل إسرائيل، كما قال سابقاً نتنياهو عن الهجوم على رفح قبل بداية شهر رمضان، لتعود وتنفي القيادات العسكرية قدرتها على تنفيذ هذا الهجوم بهذا التاريخ. اذاً، حالة من الضياع تسود الأوساط السياسية داخل الحكومة الإسرائيلية، وربما السبب الرئيسي وراء هذا الضياع عدم الحسم في الموقف الأميركي الذي يقف في وسط الميدان، فلا يقدّم الدعم الواضح والصريح لإسرائيل في قرارها التوغل في رفح، وفي نفس الوقت لا يثنيها بوضوح وصراحة ويدفع بها الى وقف العملية العسكرية في عموم غزة. الّا أنّ الضغوطات على الحكومة والحسابات السياسية الداخلية تجعل من القادة في إسرائيل حاسمين في إصرارهم على القيام بعملية عسكرية داخل رفح.

هذا ما أكّده وزير المالية الإسرائيلي «سموترتج» في الساعات الماضية، الذي عرض فكرة «الهجرة الطوعية للفلسطينيين»، وأيّده في موقفه هذا وزير الدفاع «غالنت» الذي أعرب في تصريح أخير له، عن اعجابه في سير ونتائج العملية العسكرية في غزة، وعن السيطرة على شمال القطاع وخان يونس «فوق الأرض وتحتها»، وسيستمر ذلك بحسب وزير الدفاع حتى القضاء النهائي على التواجد «الحكومي والعسكري» لحماس داخل القطاع.
اذاً، وسط كل هذه المعلومات والمعطيات يبدو أنّ الهجوم على رفح قرار نهائي لدى الحكومة والجيش الإسرائيلي، وان كان هناك تباين في التكتيك والتوقيت.

المفاجأة في مشروع القرار الأميركي
الاّ أنّ المفاجأة أتت هذه المرّة من واشنطن التي ما لبثت أن حاولت إيقاف مشروع قرار جزائري لوقف الحرب على غزة، حتى قامت هي بنفسها بتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن، ما يثبت باليقين انتقال العلاقة الأميركية- الإسرائيلية الحالية والظرفية من مرحلة التباين في وجهات النظر الى مرحلة فقدان الثقة. ونقول الحالية والظرفية كون العلاقة الأميركية- الإسرائيلية علاقة عضوية، وليست عادية تكتيكية. أي أنّ أي تباين أو خلاف أو اختلاف يكون ظرفياً مؤقتاً وعابراً، ولا يمكن أن يتعدّى هذا المستوى، وأنّ القرار الأميركي سيكون عدم وقف الدعم وإرسال الأسلحة لإسرائيل، بل العمل على إجبار إسرائيل على وقف الحرب والاكتفاء بما تمّ إنجازه حتى الآن، تفادياً لإغضاب اللوبي اليهودي من الإدارة الحالية عشية الانتخابات الإسرائيلية،

كما وعلت أصوات في الإعلام الإسرائيلي الذي نبّه من التمادي في تغافل القرارات الأممية، من محكمة العدل الدولية وصولاً الى الأمم المتحدة، الذي يؤكّد أمام الرأي العام نظرية إسرائيل كونها «دولة مجرمة» وما لهذا التوثيق من تأثير سلبي على صورة إسرائيل وحركة الهجرة اليها والاستثمارات الخارجية، خصوصاً في ظل الهجرة العكسية وتعثر الاقتصاد بسبب ظروف الحرب وضغط النزوح، وهنا تحديداً تكمن العلاقة الشائكة مع الملف اللبناني، لا سيما حركة الموفدين التي تركّز على مستقبل الجبهة مع لبنان وتموضع «حزب الله» ما بعد الحرب القائمة، ومصير عودة النازحين الى مستوطنات الجليل الأعلى في ظلّ النقمة الداخلية وتعثر الرغبة بالعودة وفقدان الثقة بالأمن والأمان.

أين أصبح هدف القضاء على «حماس»
بحسب المصادر الإسرائيلية، تفيد المعلومات، أنّ عدد القتلى من حركة «حماس» أثناء الحرب الأخيرة على غزة وصل الى عتبة 12 ألفاً، فيما مصادر قيادية للحركة في قطر، رداً على هذا السؤال، نفت أن يكون العدد وصل الى هذا الرقم، بل صرّحت بأنّ حجم خسائر «حماس» البشرية وصل الى 6 آلاف. حتى أنّ عدد إسرائيل أي الـ12 الفاً، هو يُعتبر ثلث حجم مقاتلي «حماس»، وذلك بحسب معلومات أو تقديرات الـCIA، التي تقدّر عدد المقاتلين في الحركة بـ40 ألفاً، مما يعني أنّ هدف إسرائيل بالقضاء على القدرة القتالية أو العسكرية لحماس بعيد المنال، وأنّ الدخول الى رفح لن يحقق الأهداف، ولن يوصل الى الهدفين الرئيسيين المعلنين من قِبل إسرائيل وهما، القضاء على «حماس» وتحرير الأسرى، خصوصاً أنّ الدعم لعملية رفح لن يكون غربياً بمستوى الدعم في المرحلة الأولى من الحرب على غزة، في ظل موقف أوروبي وأميركي واضح ضدّ السير قدماً في هذه العملية العسكرية في رفح، وتدفع باتجاه حل ثلاثي يقوم على وقف اطلاق النار وتحرير الرهائن والانتقال الى المباحثات السياسية وصولاً الى إبرام اتفاق حل الدولتين.

تبقى الأنظار شاخصة على الجبهة اللبنانية في ظل توسع نطاق الهجمات لناحية النوعية والجغرافيا. فبعد النبطية تأتي الضربات على الغازية، لتوحي بأنّ اسرائيل باتت تنظر شمالاً بعين التعويض عن التعثر على الجبهة الجنوبية في غزة لناحية بدء العملية على رفح أو عدمها. وتتساءل أوساط إقليمية فيما لو استمر هذا التعثر في القرار الإسرائيلي وسط تزايد الضغوطات الغربية، لا سيما الأميركية، بعد مشروع القرار المقدّم الى مجلس الأمن لوقف الحرب على غزة ورفح تحديداً، وفي ظل تمادي الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية على إسرائيل نتيجة النزوح الداخلي من الشمال، وكدلك في ظلّ استحالة إقناع «حزب الله» بالانسحاب من جنوب الليطاني لتغيير الواقع القائم على الحدود، باعتبار أنّ وجوده طبيعي في القرى الجنوبية، ولا مظاهر مسلحة علنية له في تلك المنطقة، وأنّ رجوعه عن الحدود غير وارد الحديث فيه، طالما الحرب قائمة، الّا أنّه غير وارد بالمطلق طالما أنّ هناك أراضي محتلة من ناحية وهناك جيش إسرائيلي على الحدود من الناحية المقابلة.
فهنا يكمن السؤال المحوري، هل ستكون إسرائيل أمام خيار العملية العسكرية في لبنان؟ وهل ستكون هذه العملية بغطاء أميركي أم أنّها لن تُقدم على هذه المغامرة التي قد تكون مكلفة جداً ومختلفة عن كافة الجبهات التي تخوضها إسرائيل، سواءً مع غزة أو في سوريا أو مع الحوثيين في البحر الأحمر؟

بايدن وخطاب لمّ الشمل الأميركي

بانتظار «خطاب الأمّة» الذي سيلقيه الرئيس بايدن قريباً من البيت الأبيض، الذي من الضروري أن يُظهر نوعاً من التحكّم في أحداث الشرق الأوسط قبل موعده، ليقدّم مادة واضحة للناخب العربي من جهة والناخب اليهودي من جهة أخرى، وقد يكون مشروع القرار المقدّم لمجلس الأمن يأتي في هذا السياق، تبقى الأحداث والتطورات في المنطقة تُقاس بالساعات وليس الأيام.