تزداد الأزمة الاقتصادية والمالية سوءاً في لبنان، وتتجه شيئاً فشيئاً للارتطام الكبير من دون أي معالجات جديّة من قبل المسؤولين، أو البحث على الأقلّ عن أسباب هذه الأزمة وإيجاد الحلول لكلّ منها. ويشكّل النزوح السوري مشكلة كبيرة أصبحت تؤثّر بشكل مباشر وسلبي في الشعب اللبناني، الذي يزداد فقره يوماً بعد يوم مع تدنّي قيمة الليرة الشرائية ساعة بعد ساعة، مقابل الارتفاع غير المسبوق للدولار الأميركي في السوق السوداء، من دون أن يتمّ تنفيذ خطة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، التي سبق وأن وضعتها الحكومات السابقة. والسؤال المطروح اليوم: ماذا يفعل المسؤولون اليوم أمام هذه المشكلة التي تؤثّر سلباً في مختلف قطاعات العيش في هذا البلد؟ في ظلّ استمرار تبنّي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان فكرة أنّ “الظروف في سوريا ليست ملائمة للعودة”، ودفعها بالتالي مبلغ 300 دولار لكلّ عائلة نازحة، فيما أصبح راتب أي محافظ في الدولة اللبنانية، على سبيل المثال، لا يساوي 50 دولاراً؟! ولا تزال المفوضية ترفض إعطاء النازحين السوريين الراتب نفسه في حال عودتهم الى مناطقهم، رغم أنّ لها مكاتب عديدة في المحافظات السورية…
تقول أوساط ديبلوماسية مواكبة، إنّ المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي وُجدت في لبنان من أجل اللاجئين الفلسطينيين الذين تمّت الموافقة على بقائهم في لبنان بشكل “مؤقّت”، دام منذ العام 1948 وحتى اليوم، تُحاول أن تجعل من استضافة لبنان السخيّة للنازحين السوريين بحكم الجيرة والقربى والصلة بين العائلات، لجوءاً. علماً بأنّ لبنان ليس موقّعاً على اتفاقية فيينا الخاصة بموضوع اللاجئين. ولهذا يتمّ التعريف عنهم بصفتهم “لاجئين” وليس “نازحين”، رغم أنّ هذا الأمر ليس صحيحاً، وذلك لهدف غير بريء يتعلّق بدمجهم في المجتمع اللبناني، أي بتوطينهم.
فالمجتمع الدولي لا يزال حتى اليوم، في كلّ المؤتمرات الخاصة باللاجئين السوريين المقيمين في الدول الأوروبية، أو النازحين الى دول الجوار أي الى لبنان وتركيا والأردن ومصر، على ما تقول الاوساط، يسعى الى تقديم المساعدات لهؤلاء حيث هم لكي يتمّ دمجهم، أو توطينهم في الدول التي يقطنون فيها حالياً، وإعطاؤهم بالتالي جنسية الدولة التي قدّموا اليها “طلب لجوء”.. كما يُشدّد على أنّ “ظروف العودة ليست مؤاتية بعد”، وذلك ليس نتيجة للواقع، سيما أنّ هناك أكثر من 80 % من مساحة سوريا خاضعة للنظام، إنّما لغاية في نفس هذا المجتمع الذي يريد تحميل عبء النزوح الى الدول المستضيفة لهم، ومن ضمنهم لبنان، من دون أن يُكلّف نفسه إيجاد حلّ شامل لهذا الشعب، الذي غادر بلاده بفعل الحرب التي انتهت منذ سنوات.
غير أنّ الوضع في لبنان يختلف، على ما أكّدت الأوساط نفسها، سيما أنّه لا يخضع لاتفاقية اللجوء من جهة، وينص دستوره في مقدّمته على رفض التوطين من جهة ثانية. وهذا الأمر يجعله متمايزاً عن الدول الأخرى التي وافقت على طلبات اللجوء ما حتّم عليها دمجهم في مجتمعاتها وعلى منحهم الجنسية… فيما لا يستطيع لبنان القيام بمثل هذا الأمر، حتى وإن ضغطت دول المجتمع الدولي عليه، لأنّه غير خاضع لاتفاقية اللجوء، ولا يمكنه بالتالي قبول التوطين الذي يرفضه دستوره.
واكدت الاوساط ان المشكلة أنّ لبنان انتظر المجتمع الدولي لكي يتحرّك ويساعده على إعادتهم، غير أنّ هذا الأخير يعتبرهم “لاجئين”، ما يعني أنّه عليهم أن يتمتّعوا بحقوق اللجوء الى حين تحقيق مشروع “توطينهم” حيث هم. ويبدو أنّ المؤامرة الأميركية – “الإسرائيلية” لتوطين مليونين و500 ألف نازح في لبنان مستمرّة، والهدف منها تغيير الديموغرافيا والكيان اللبناني وتفجيره من الداخل. فيما لا يتخذ لبنان أي إجراءات حتى الآن لوقف هذه المؤامرة، بل يتركها تسلك طريقها، لا بل يساهم في تطوّرها سريعاً من خلال عدم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة التي بإمكانها العمل على ضرب هذا المخطط.
أمّا السبب الأساسي لبقاء النازحين السوريين منتشرين في المناطق اللبنانية كافة، على ما أوضحت الاوساط، فيتعلّق بمواصلة المفوضية إنشاء الخيم لهم على الأراضي اللبنانية، وتأمين المأكل والملبس والغذاء والتعليم لأولادهم وعائلاتهم، ودفع 300 دولار لربّ كلّ عائلة… علماً بأنّ أكثرية النازحين يقومون بالتذاكي على المفوضية، من خلال تعدّد الزوجات بهدف زيادة المدخول. فكلّ نازح يقبض 300 دولار شهرياً عن كلّ زوجة مع أولادها، ما يجعل النازح المتزوّج من ثلاث أو أربع نساء يقبض منها 900 أو 1100 دولار شهرياً، ما يجعله يبقى من دون عمل، ويكتفي بالمبالغ التي يقبضها من “الأمم”… وهذه الأخيرة لا تُفتّش عن حلول جذرية لإعادتهم الى بلادهم، إنّما لإطالة إقامتهم في لبنان.
وتجد الأوساط الديبلوماسية أنّ النازحين السوريين في لبنان أصبحوا يشكّلون “قنبلة موقوتة”، على ما وصّفت الاوساط الوضع، وهي مؤامرة أميركية- “إسرائيلية” لضرب لبنان من الداخل، من خلال هذه القنبلة الموقوتة أي “توطين النازحين فيه”، في ظلّ موافقة المجتمع الدولي على عدم إعادة النازحين السوريين الى بلادهم في المرحلة الراهنة، لكي يبقوا في لبنان، ويندمجوا مع الشعب اللبناني، على غرار ما حصل خلال السنوات الماضية أي منذ العام 2011 حتى يومنا هذا. وقد بدأنا نشهد بعضاً من عيّناتها في بعض المناطق اللبنانية الشمالية والجنوبية من خلال الاحتكاكات والمواجهات التي تحصل بين اللبنانيين والسوريين. وأوضحت الاوساط أنّ المسألة لا تتعلّق بالتعصّب العرقي أو الديني أو الطائفي، وخصوصاً أنّ المجتمع الدولي غالباً ما يُثمّن استضافة لبنان السخيّة للنازحين السوريين على أراضيه، إنّما بخطر التغيير الديموغرافي الذي سيطرأ على لبنان خلال السنوات المقبلة، إذا لم يعمل المسؤولون على إيجاد حلّ لهذه المشكلة الكبيرة في أسرع وقت ممكن. فهل يريد منا المجتمع الدولي التخلّي عن بلادنا للشعوب الأخرى، وأن نُصبح بدورنا لاجئين في دول العالم؟!