من بين أبرز التداعيات السياسية، اذا انسحبت الولايات المتحدة الاميركية من الاتفاق النووي، ما يتصل بالالتزام السياسي بالاتفاق، الذي بحسب المصادر الديبلوماسية البارزة، شكل حجر الزاوية في ما يعمق الاستقرار في المنطقة لا سيما لناحية تهدئة الصراع الطائفي فيها. اما الآن فهناك مخاطر تلف الوضع الاقليمي، واي انسحاب اميركي احادي من الاتفاق سيفتح المنطقة امام احتمالات صعبة.
والاتفاق الذي اقر في مجلس الامن، يستدعي تعديله موافقة كل الاطراف التي وقعت عليه اي كل الدول الخمسة + ١. لكن يبدو وفقاً للمصادر، ان الضغوط الاميركية ليست لتعديله، بل لوقف العمل به، على اساس انه سيئ. فهل هناك من رغبة اوروبية للتجاوب مع الموضوع؟ هناك مسائل ضاغطة اقليمياً، الوضع السوري، واللجوء في اوروبا، وتركيا الواقعة تحت الضغط الاميركي، وبريطانيا التي خرجت من البريكست.
والذي دفع في اتجاه الاتفاق هو الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، في وقت كانت لدى فرنسا تحفظات، حول الخوف من اعطاء ايران من دون ان تعطي بدورها. ولا يمكن بحسب المصادر، عزل الموقف الاميركي من الاتفاق عن ما يحصل في الشرق الاوسط، وعن مواقف الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب بالنسبة الى القدس، ووقف المساعدات عن الفلسطينيين، فضلاً عن عدم اتضاح صورة السلام المنشود اميركياً واذا كان فعلاً سلاماً عادلاً وشاملاً.
وتؤكد المصادر، ان المنطقة تبدو مقبلة على خطر كبير، اذ ان كل الاجواء في ملفاتها تؤشر الى ذلك. لكن السؤال هل يمكن لاوروبا ان تحمل تداعيات الموضوع؟ وهناك شبه توافق لدى دول في المنطقة مع واشنطن على تأييد اي خطوة لتقليص نفوذ ايران. في مقابل ذلك، هناك تنسيق روسي – ايراني يتعمق اكثر في سوريا. وفي سوريا، تركيا تضرب الاكراد المدعومين من واشنطن، في حين ان واشنطن وانقرة حليفتان في “الناتو”.
وتقول مصادر ديبلوماسية، ان الادارة الحالية هي في حالة عداء مع ايران. اما الادارة السابقة فقد بذلت اقصى جهدها للتوصل الى الاتفاق النووي، وما الخطوة الاميركية في الاعلان عن استراتيجيتها في سوريا سوى من اجل وضع حد لنفوذ ايران.
وتفيد المصادر، انه اذا خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، نتيجة رفض الاوروبيين للتعديل، فسينهار الاتفاق، وسيستغل الايرانيون هذا الوضع لتحميل الولايات المتحدة مسؤولية الخروج من اتفاق دولي حظي بموافقة مجلس الامن وصدر بقرار عنه. لذلك، ستحاول ايران في هذه الحالة الاستمرار في الحفاظ على المكاسب التي حققتها من الاتفاق لكي لا تكون في عزلة. وهذه المكاسب تحديداً مع الاوروبيين، اذ لا تريد ايران، إن استطاعت، ان تعود الى العزلة الدولية.
كذلك، إن رفض الاوروبيون التعديل، فسيحمّلون الولايات المتحدة النتائج التي ستترتب على انفراط الاتفاق، لا سيما وان ايران في هذه الحالة ستتحرر من القيود التي فرضها الاتفاق، على انشاء القنبلة النووية، على مدى ١٠ سنوات، وسيكون الوضع الاميركي مع ايران مفتوحاً على شتى الاحتمالات بما في ذلك الاحتمال العسكري.
لكن المصادر، لا تستبعد في اللحظة الاخيرة، ان يرضخ الاوروبيون للموقف الاميركي، سيكون هناك موقف اميركي – اوروبي موحد حول تعديل الاتفاق. في حين ان روسيا وهي شريك في الاتفاق، لا تريد اي اشكال حول الاتفاق، وتريد استمراره. كان الاوروبيون يقولون للاميركيين دائماً، انه يمكن الضغط في القضايا الاقليمية، خصوصاً وان الموقفين الاميركي والاوروبي متشابهان ومتطابقان حيال دور ايران في المنطقة. لكن الرئيس ترامب يريد الربط بين الاتفاق النووي والحد من نفوذ ايران في المنطقة.
لا تريد اوروبا ان يتم المساس بالاتفاق النووي الموقع بين القوى العظمى وايران. فرنسا، بحسب المصادر الديبلوماسية الواسعة الاطلاع موقفها متمايز قليلاً عن الاوروبيين لناحية انها لا تريد ان تمتلك ايران الصواريخ البالتسية، وهو الامر الذي لم يأتِ الاتفاق النووي على ذكره. وبالتالي، ترغب بتعديل الاتفاق لهذه الناحية وليس اكثر.
والاتحاد، كاتحاد، يهمه تنفيذ الاتفاق مع ما ينص من ازالة العقوبات عن ايران في ما خص تطوير القدرات النووية، لكن مع الابقاء على العقوبات المتصلة بدور ايران، وحقوق الانسان. ذلك ان الممثلة العليا للسياسة الخارجية والامن الاستراتيجي للاتحاد فيديريكا موغريني، تعتبر الاتفاق انجازاً لها. والاتحاد يدرك تماماً، ان ايران لن تقبل بتعديل الاتفاق، ما يعني ان المسألة ليست سهلة. لذلك يريد الاوروبيون الحفاظ على الاتفاق كأفضل طريقة لمنع ايران من امتلاك النووي.