فاجأت الانسحابات الايرانية من سوريا المراقبين السياسيين في العالم، خصوصاً أنّ إيران لم تتوقف في يوم من الأيام عن مهاجمة أميركا، وكانت دائماً تتهم الولايات المتحدة بكل أعمال العنف التي تحصل في إيران، خصوصاً بالنسبة للمفاعل النووي وقتل عدد كبير من كبار العلماء الايرانيين المتخصّصين في عالم الذرّة.
المفاجأة الجديدة اليوم، هي الانسحابات الكبيرة التي بدأها الحرس الثوري من سوريا.. ولأوّل مرّة في تاريخ دخول «الحرس» الى سوريا منذ القدم، خصوصاً في منطقة السيدة زينب، وشراء أراضٍ وأملاك شاسعة في تلك المنطقة، بالاضافة الى عمليات التشييع التي يقوم بها الايرانيون بالنسبة لدفع الأموال الطائلة لعدد كبير من العائلات الفقيرة إذا تشيّعوا.
الجديد اليوم ان العمليات العسكرية والاغتيالات التي يتعرّض لها ضباط ومسؤولو الحرس الثوري، وآخرهم المستشار في الحرس الثوري سعيد علي داودي جراء قصف إسرائيلي لدمشق. ونتذكر أيضاً قصف إسرائيل على ضاحية بالعاصمة دمشق (المزّة) حيث قتل 5 من مستشاري الحرس الثوري وأهمهم رضى موسوي… كذلك، بدأ الايرانيون وخاصة جماعة الحرس يعيشون بقلق، خصوصاً ان العلاقات بين الحرس الثوري وبين القوات الروسية ليست علاقات جيدة.
لذلك، فإن الحدث الذي أدّى الى اغتيال 3 عناصر من الجيش الاميركي في القاعدة «عمر» كان السبب المباشر لتهديد الرئيس الاميركي بالرد… تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بالرد على الهجوم على موقع أميركي بطائرة مسيّرة شمال شرقي الأردن أسفر عن مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة أكثر من 30 آخرين.
واتهم بايدن ميليشيات تدعمها إيران تنشط في سوريا والعراق بتنفيذ الهجوم. مشيراً الى ان فريقه ما زال يجمع الحقائق. كما تعهد بمواصلة محاربة الإرهاب، مشدّداً على أنّ واشنطن ستحاسب كل المسؤولين عن الاعتداء.
إلى ذلك، طالب نواب جمهوريون بايدن بأن يضرب إيران مباشرة بعد مقتل الجنود الاميركيين.
وكالة «تسنيم» الايرانية نقلت عن كيوان خسروي ردّه بشأن مشاركة إيران في مهاجمة القواعد الاميركية في سوريا قائلاً «إنّ إيران لم تكن على علم بقصف الموقع الاميركي»… أضاف: «إنّ أميركا تحاول تجنّب تداعيات الاحتلال غير المشروع لجزء من الأراضي السورية والأراضي العراقية».
وفاجأت إيران المراقبين بسحب كبار ضباطها، ما أوحى -بحسب وكالة رويترز- ان القرار مدفوع جزئياً بحرص إيران على عدم الانجرار للصراع المحتدم في أنحاء الشرق الأوسط.
كما أفادت مصادر لوكالة رويترز ان سحب الحرس الثوري الايراني كبار ضباطه من سوريا كان بسبب سلسلة من الضربات الاسرائيلية، وتعزيز اعتماده على الفصائل الشيعية المتحالفة معه للمساعدة في الحفاظ على نفوذه من دون التورّط في نزاع مباشر مع إسرائيل.
إلى ذلك، توعّدت إيران برد «حاسم وفوري» على أي هجوم أميركي، مطالبة واشنطن بوقف لغة التهديد وذلك غداة إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن اتخاذ قرار بشأن كيفية الرد على مقتل 3 من الجنود الاميركيين في قاعدة شمال شرقي الاردن بما يشمل عمليات انتقامية.
وقال قائد الحرس الثوري حسين سلامي: «نسمع تهديدات من المسـؤولين الاميركيين.. نقول لهم: اختبرتمونا بالفعل، ويعرف بعضنا البعض، لن نترك أي تهديد من دون رد».
إلى ذلك، حذّر مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني من أنّ طهران سترد بحسم على أي هجوم يستهدف أراضيها أو مصالحها أو رعاياها في الخارج.
وكانت كتائب حزب الله في العراق التي تبنّت الهجوم بمسيّرة استهدفت البرج 22، أعلنت تعليق عملياتها العسكرية والأمنية ضد القوات الاميركية.
وأوضحت ان القرار يهدف لمنع التسبّب في أي إحراج للحكومة العراقية، وأكدت كتائب حزب الله ان إيران لا تتدخل في عملها، وكثيراً ما كانت تعترض على تصعيدها ضد الولايات المتحدة الاميركية.
وكانت إيران هاجمت في 15 كانون الثاني ما قالت إنه مقر تجسّس إسرائيلي في إقليم كردستان العراقي شبه المستقل.
من جهة أخرى، فإنّ الرئيس جو بايدن قال قبل مغادرته البيت الابيض يوم الاثنين الفائت: بالتأكيد لا نريد توسيع الحرب في الشرق الأوسط… وهذا ما لا أريده.
إيران من جهتها قالت: إنها لا تمون على الميليشيات التي تدور في فلكها. هذه الميليشيات التي تحاول الانتصار لغزّة.
مصادر صحافية أشارت الى ان الرد الأميركي سيستمر عدّة أيام… لكن المصادر لم تشر الى أي مكان سيقصف ومتى؟
ومع تطوّر الأحداث دوّت انفجارات عنيفة نتيجة غارات إسرائيلية استهدفت مقرات تابعة للحرس الثوري الايراني في منطقة السيدة زينب بريف دمشق جنوب سوريا، من بينها مزرعة يستخدمها الحرس الثوري الايراني لعقد اجتماعات مع قيادات الميليشيات العاملة معه في محيط دمشق.
وذكرت وسائل إعلام رسمية سورية، ان عدداً من المستشارين الايرانيين، قتلوا في هجوم إسرائيلي جنوبي العاصمة دمشق.
يجري ذلك بينما نفى السفير الايراني في دمشق حسين أكبري استهداف القصف الاسرائيلي لمركز استشاري إيراني، مشيراً الى انه لم يسقط أي قتلى إيرانيين في الحادث.
مصدر عسكري واسع الاطلاع قال: إنّ القصف الاسرائيلي تكتيكي رداً على استهداف الميليشيات الايرانية مرتفعات الجولان.
من جهتها، ذكرت شبكة استخبارات إسرائيلية ان الهجوم على مقام السيدة زينب وقع بعد أقل من ساعة واحدة على وصول طائرة ركاب سورية من بغداد الى مطار دمشق الدولي، مشيرة الى ان قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني اسماعيل قاآني كان قادماً الى سوريا من العراق… وتأتي هذه الغارة بعد مضي أكثر من شهر على اغتيال الجنرال في الحرس الثوري الايراني وقائد الوحدة 2250 رضى موسوي في 25 كانون الأول الفائت.
وأفادت مصادر مطلعة ان انفجارات دوت في أحد مقرات ميليشيا حزب الله اللبناني والحرس الثوري الايراني.
فهل تكون هذه الغارات هي بداية الردّ الاميركي، وهل كان انسحاب إيران بضباطها من الحرس الثوري من سوريا تجنباً لخسائر كبيرة ولعدم رغبتها في التصادم مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن؟