الردّ الأميركي على الطاولة وخيار الحرب الشاملة مستبعد
هل أخطأت طهران الحسابات فتجاوزت الخطوط الحمر فوق مضيق هرمز؟
المقاربة الإيرانية للمواجهة تنطلق من بوابة الاستفزاز المدروس والعمليات المضبوطة
هل أخطأت إيران في حساباتها، فتجاوزت الخطوط الحمر حين استهدف الحرس الثوري الإيراني, بشكل مباشر, طائرة أميركية مسيّرة بصاروخ أرض – جو فوق مضيق هرمز، أم أنها عملية محسوبة؟ الحرس الثوري يقول إنه أسقط طائرة «الدرون» في المجال الجوي الإيراني والقيادة العسكرية الوسطى تقول إن الطائرة أُسقطت في المياه الدولية. وبين القولين، ستكون الكلمة الأميركية الأعلى شاناً.
في قراءة خبراء عسكريين أن طائرة المراقبة التي أسقطت من طراز «أر كيو 4» متطورة جداً وقادرة على التحليق على ارتفاع 60 ألف قدم ولمدة 30 ساعة متتالية تم إرسالها منذ فترة وجيزة إلى الشرق الأوسط في إطار عملية تعزيز القوات الأميركية، وأن إسقاطها تمّ على الأرجح بفعل تحليقها على علو منخفض، ما يعزز نظرية وجودها في المياه الدولية التي يُفترض أن تكون منطقة آمنة، فيما كانت ستحلق على علو مرتفع لو كانت في الأجواء الإيرانية لمنع استهدافها.
رفع وتيرة الاستهداف، ما كان ليتم، في رأي مراقبين، لو أن إيران استشعرت بالخطر من أن يطالها الرد حين تم استهداف حلفاء واشنطن، عندما حصلت عمليات تخريب أربع ناقلات نفط في المياه الاقتصادية الإماراتية في خليج عُمان، والهجمات بطائرات مسيّرة حوثية على مضخات لشركة «آرامكو» السعودية في منطقة الرياض في أيار الماضي، وحين وقعت هجمات على ناقلتين في المياه الدولية في الثالث عشر من حزيران الجاري اعتبر سيّد «البيت الأبيض» أن المجتمع الدولي معني هو الآخر بحماية الملاحة الدولية.
لكنه بدا من تطوّر الأحداث خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية أن إيران تريد بقوة اختبار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتصويب تحديداً على المصالح الأميركية, فجرى استهداف قاعدة أميركية في الموصل بصواريخ «الكاتيوشا» من دون توقيع صريح، وتلاه استهداف مقر شركة «إكسون موبيل» الأميركية في البصرة بصاروخ مجهول – معلوم المصدر، ليصل الأمر أمس إلى الرسالة الأكثر مباشرة وإحراجاً، ما يطرح السؤال الطبيعي عما إذا كان ترامب سيأخذ قراراً بالرد العسكري أم لا.
والسؤال عن الرد العسكري لا يعني مطلقاً الحديث عن إمكانية الانخراط في حرب شاملة وواسعة، بل عن ضربات محددة منتقاة من لائحة أهداف وضعها «البنتاغون» وترك للرئيس القرار في الرد من عدمه، وفي اختيار التوقيت والأهداف.
حتى الآن، ردّ الفعل الأميركي غير واضح, ومليء بالمواقف المتناقضة التي أضحت سمة «ترامبية». ومن الصعب الجزم بالاتجاه الذي سيتخذه الرئيس والمرشح في آن، وهو الذي يتعرّض لحملة قوية من الديموقراطيين على خلفية المواجهة مع إيران التي من شأنها، إذا تطورت بشكل دراماتيكي، أن تتحوّل عنصراً مؤثراً في الحملة الانتخابية وورقة من أوراق الضغط بيد الحزب الديموقراطي في وجه الرئيس – المرشح عن الحزب الجمهوري لولاية ثانية.
لا ينكر عارفون, ممن يدورون في فلك فريق الرئيس الأميركي, الحسابات السياسية الداخلية التي لا بد من أخذها في الاعتبار، ولكنهم يعتبرون أن الأمر يصبح مختلفاً عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، ويرون أن قراراً بعمل عسكري يتطلّب تهيئة الشارع الأميركي وتأمين مظلة قانونية له، والتمهيد له على أقله في صفوف الجمهوريين في الكونغرس أولاً، كما يتطلب ثانياً التنسيق والتحضير مع الحلفاء الأوروبيين والخليجيين، والأهم التنسيق مع إسرائيل، واحتساب ردّ إيران وأذرعها المنتشرة في المنطقة، ويتطلب ثالثاً تحريك المنظمة الدولية، حتى لو كان منتظراً أن تذهب القوى الكبرى المؤيدة لإيران من الصين إلى روسيا، لاستخدام حق النقض حيال أي قرار قد يصدر عن مجلس الأمن يطال إيران، بمعنى أن أي عمل عسكري يحتاج إلى حال تأهب من قبل أميركا وحلفائها وإلى وضع خطط عسكرية على الأرض، لأن الرد العسكري ليس أحادياً ولا تنحصر تداعياته بأميركا ومصالحها فقط.
على أن المقاربة الإيرانية لكيفية المواجهة تنطلق من الاتجاه إلى قلب المعادلة، بحيث تصبح هي المتحكمة بقواعد اللعبة من بوابة الاستفزاز المدروس والعمليات المضبوطة، التي ستكون برأيها قادرة على تحسين أوراقها من دون أن تجرّها إلى منطقة الخطأ القاتل. فالقاعدة التي حددها المرشد علي خامنئي «لا حرب ولا مفاوضات» هي التي تتحكم بالصراع راهناً، وستبقى كذلك ما دام النظام الإيراني يعتبر أن لديه القدرة على الصمود في وجه العقوبات الاقتصادية.
ويتحدّث مقرّبون من دوائر القرار الإيرانية عن قنوات التنسيق الحثيث بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وجون كيري وزير خارجية باراك أوباما بشأن أزمة إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة العقوبات الاقتصادية عليها، ويرون أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستستطيع طهران تقطيع الوقت حتى الاقتراب من الاستحقاق الانتخابي لتوظيف ورقة التفاوض مع ترامب بغية تحقيق مكتسبات أكبر، أو تحويلها ضده ولمصلحة الديموقراطيين.
ثمّة استحقاق آت في السابع من تموز، التاريخ الذي حددته إيران لتُوقف التزامها بدرجة تخصيب اليورانيوم، والتقيّد بمخزونات المياه الثقيلة واليورانيوم المخصّب، في حال فشلت الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي، في العمل على تخفيف آثار العقوبات الأميركية. وهو أمر سيرفع منسوب الاستنفار الدولي، ويضع الأوروبيين في موقع حرج مع اعتبار أن طهران خرقت بنود الاتفاق.
على أن المعطيات المتوافرة تؤشر إلى رهان على طرح سيحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تسويقه مع نظيره الأميركي على هامش قمّة العشرين، قد يؤول إلى خفض مستوى التوتر القائم وإحداث نوع من الاختراق قد يفتح الباب أمام إمكان الجلوس إلى طاولة المفاوضات!