السلم الأهلي فوق كل اعتبار..
مع حلول موعد رأس السنة الميلادية، يكون قد مضى على بدء الانتفاضة الشعبية في لبنان الشهرين ونصف الشهر. واليوم تشهد العاصمة اللبنانية سيدة العواصم بيروت انتفاضة ضد رئيس الحكومة المكلف الدكتور حسان دياب، من قبل مناصري تيار المستقبل، لذا فإن المطالبين بعودة دولة الرئيس سعد الدين الحريري الى سدّة رئاسة الحكومة، فاتهم ان التظاهر لن يجدي نفعاً لأن المطلوب اميركياً، واميركا طرف في الصراع مع موسكو داخل لبنان، حكومة تكنوقراط، وجواب اميركا نهائي.
ولأن الرئيس سعد الحريري كان قد تنازل قبل حوالي اسبوع بقبوله الضمني بحكومة تكنوسياسية لتفادي الصدامات مع المعارضين للسياسته وهو الذي كان يحذر دوماً من خطورة زعزعة الاستقرار والسلم الاهلي، اثناء توليه سدّة رئاسة الحكومة، لعدة مرات، اطاحت واشنطن بحظوظ عودته الى تولي المسؤولية. وقد أكد ذلك السيناريو الاميركي، مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات الاميركية بتاريخ 21 كانون الاول 2019، عبر الباحث العامل ضمنها، السيد طوني بدران، اذ قال بأن الحكومة الحريريّة، هي حكومة موالية لميليشيا حزب اللهواضاف ان الفيتو الذي وضعته اميركا على الحريري، مرده الى اعتبار الاخير بأن تأسيس حكومة تكنوقراط في الوقت الراهن غير ممكن وإن فكرة اقصاء حزب الله أمر خطير ومرفوض الى حين ايجاد تسوية اقليمية لهذا الموضوع.
لذا عمدت واشنطن الى الاطاحة بحظوظ الحريري، وتبنّت ترشيح السيد نواف سلام الى رئاسة حكومة تكنوقراط. لذا، وانطلاقاً من موقف مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات الاميركية على مناصري المستقبل الذين يتظاهرون ويقطعون طرقات العاصمة، ان يدركوا بأن صراع المحاور هو من يتحكّم بالسياسة اللبنانية، وبأن قصة النأي بالنفس والحياد الايجابي لا مكان لها اساساً في قاموس فن الممكن اي العمل السياسي في كل بلدان العالم وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مؤسس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميّل، الذي ابتكر مقولة «نريد لبنان لا شرقاً ولا غرباً» ونادى بالنأي بالنفس والحياد الايجابي، أنتج حياد حزبه اتفاقية السابع عشر من ايار 1983، وثبت ان صراع المحاور أقوى من تعابير لا تصلح الا للتنظير على المنابر وعندما اندلعت الحرب الاهلية قالت احزاب الجبهة اللبنانية لقد اضطررنا الى الاستعانة بالشيطان الاسرائيلي لمواجهة الخطر الفلسطيني المحدق بنا، لكن ما فاتهم ان مجموعة الفنيقيين الجدد كانت قد بدأت بالتآمر على القضية الفلسطينية منذ العام 1936، عندما قال الرئيس اميل اده لوايزمان اول رئيس لدولة الاغتصاب الاسرائيلية اي قبل 12عاماً من حدوث النكبة نريد فلسطين وطناً لليهود كما نريد لبنان وطناً قومياً مسيحياً وهذا ما عاد وكرره مطران بيروت للموارنة اغناطيوس مبارك، في دلالة واضحة على ان صراع المحاور هو من يتحكم بمصالح الطوائف والأحزاب «اقرأ كتاب المتاهة اللبنانية لمؤلفه رؤوفين اورليخ».
لا يختلف عاقلان متنوّران على انّ الصراع في لبنان بين موسكو وواشنطن هو على ثرواته المائية من نفط وغاز، والدليل انه قبل اندلاع غضب الانتفاضة الشعبية في لبنان قبل سبعة أشهر، كانت قد وصلت رسائل اميركية واضحة وصريحة الى بيروت سبقت زيارة وزير الخارجية الاميركي بومبيو تعترض بشدة على تطور العلاقة بين لبنان وروسيا سياسياً واقتصادياً خصوصاً في مجالي النفط والغاز عقب توقيع العقد اللبناني مع شركة روس نفط، اذ أبلغت حينها واشنطن بيروت عبر مساعد وزير الخارجية الاميركية دافيد ساترفيلد، بأن واشنطن ترفض ان تطال الاتفاقيات الموقعة بين لبنان وسوريا، المجالات العسكرية والنفطية والغازية، اي ان لا يكون لموسكو موطئ قدم فيها.
وفي دلالة واضحة على ما أقوله، فقد قال البرفسور جاسم عجاقه بتاريخ 9 آذار 2019 بأن أنبوب الغاز الاسرائيلي يشكل خطراً على لبنان لأن أهميته تكمن بكونه جزءاً من صراع المحاور المستعرفي المنطقة التي تحتوي على 122 ترليون قدم مكعب من الغاز، فالمشروع حسب عجاقة يحظى برعاية اميركية، ويتيح لاسرائيل التمدد بقوة سياسياً واقتصادياً بعد انضوائها في منتدى غاز الشرق الاوسط. اما لبنان، وكما يفيد عجاقه، فلن يكون بمنأى عن هذه التطورات، فالعداوة مع اسرائيل قد تضع لبنان في صلب الكباش الدولي الاميركي الروسي، خصوصاً ان سواحل لبنان تشكل امتداداً طبيعياً لسواحل سوريا. وهذا ما يجعل عجاقه يصف الوضع الحالي بالطحشة الروسية المستجدة في لبنان، وكانت ردّة الفعل الاميركية سريعة اذ أوفدت اميركا مسؤولين عسكريين وسياسيين الى بيروت للتفاوض بهدف الحؤول دون انخراط لبنان في المحور الروسي.
من هنا وفي السياق عينه، كشفت أوساط ديبلوماسية بارزة، بأن معاون وزير الخارجية الاميركية دايفد هيل كان قد قال في محادثاته في بيروت، التي تزامنت مع الاستشارات النيابية، المولجة تشكيل حكومة الدكتور حسان دياب، بأن ادارته لن تتهاون مع سيطرة حزب الله على الحكومة اللبنانية وبأن استمرار تلك السيطرة سيكون لها تداعيات خطيرة جداً على لبنان.
ان انفجار الصراع الاميركي الروسي على الاراضي اللبنانية، كان قد بدأ تقريباً في منتصف السنة الحالية، بشكله العلني، اذ قال تقرير لشركة مونتيور في شهر حزيران 2019، بأن روسيا تسعى للاستفادة في مجال الطاقة من خلال التدخل في النزاع الحدوديّ بين لبنان وسوريا، ومن المقرر ان تبدأ شركة نوفاتيك الروسية العمل على استكشاف حقول الغاز في البلوك البحري رقم /4/ في لبنان خلال شهر كانون الاول 2019، الى جانب شركتي ايني الايطالية وتوتال الفرنسية.
أما المعلّق في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية دايفد اغناطيوس فقد افاد بتاريخ 16 تشرين الثاني 2019 بأن أميركا خسرت في سوريا، ولا يجب ان تخسر في لبنان، ويضيف اغناطيوس بأن السبيل الوحيد لاضعاف محور روسيا وايران وسوريا، هو تقوية لبنان عبر الدعم الاميركي ضد حزب الله، الذي يشكل خطراً على السيادة اللبنانية، لذا ينبغي على واشنطن اضعاف هذه الميليشيا.
وازاء هذا الواقع،
حريّ بي أن اجاهر بالقول بأن اغفال الحوار لغة العقل السليمة خطأ فادح في أحلك ظروف يمرّ بها لبنان منذ نشوئه، فالحوار هو الوسيلة الأنجع ان على قاعدة الورقة الاصلاحية او على قاعدة ورقة أخرى تشبهها ويجب الشروع في الحوار اليوم قبل الغد، اذ ان تقريرا لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قدمه خبير في صفوفه الى مجلس النواب الاميركي، يقول بأن افلاس لبنان بات امرا وشيكا. وبعد فترة لن يعود بمقدور القطاع العام تسديد رواتب الموظفين، كما ان صحيفة الاندبندنتي الصادرة باللغة العربية، قالت بتاريخ 19/11/2019 بأن كل المعطيات تشير الى ان لبنان دخل مرحلة المحظور وان قدرة صمود الاقتصاد اللبناني، باتت لا تتجاوز الشهرين، من هنا حذار الاستمرار بالايمان ايماناً راسخاً بلغة حروب الإلغاء التي لم يخرج من رحمها يوماً اسم منتصر على آخر، بل ان محصلتها النهائية كانت دوماً، إراقة الدماء البريئة، عبر تطاحنات عبثية مجانية خارجة عن المألوف، لذا يبقى السلم الأهلي المبني على الحوار والنقد الذاتي البنّاء، أيقونة السلام والتآخي والمحبة التي ان خاطبتكم فصدقوها، وان أومت اليكم فاتبعوها بالاذن من كبيرنا جبران خليل جبران الباقي حيا في ضمير الحكماء والمفكرين والمتنوّرين.